q
كيف يمكننا ضمان حرية الرأي والتعبير والمادة 226 من قانون العقوبات العتيق تطل برأسها كلما تحدثنا عن شيء من الرأي الذي يراود عقولنا؟ إذا كان المشرع العراقي يؤمن بحرية التعبير كما كتبها في الدستور فعليه أن يلغي العقبات التي ما تزال تقف بوجه أي ممارسة لهذه الحرية، وعلى المشرع العراقي إثبات ديمقراطيته...

تعرض المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي إلى الاعتقال في شهر آذار مارس عام 2021 خلال ولاية حكومة السيد مصطفى الكاظمي، القضاء العراقي قال حينها في بيان رسمي إن "توقيف السيد إبراهيم الصميدعي جاء على إثر تهجمه على مؤسسات رسمية ووصفها بصفات وعبارات سيئة (لا يليق ذكرها) تخرج عن حدود حرية التعبير عن الرأي المكفول دستورياً، وذلك لقاء مبالغ مالية تدفع له".

بادر الصمدعي لتوضيح المادة القانونية التي أدت إلى اعتقاله، إذ استند أمر القبض الرسمي على المادة 226 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، وبتهمة إهانة السلطات العامة.

وتنص المادة التي شُرّعَت في عهد الحكم الديكتاتوري لحزب البعث على أنه "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية".

العلاقات الشخصية للصميدعي بالشخصيات الحاكمة، والعاملين في وسائل الإعلام، وشعبيته الواسعة جعلت اعتقاله تحت الأضواء، أفرج عنه بكفالة مالية.

ماذا لو كان الصميدعي مواطناً عادياً؟ من يعلم بمحاكمته؟

لا نعرف بالضبط ما يحدث لمواطن عادي، ففي بلد مثل العراق عليك أن تكون غير عادي لتحافظ نفسك، القوة المالية والسياسية والعسكرية والعشائرية هي من تحميك، قد تحل مشكلتك بجلسة عشائرية، أو اتصال من زعيم سياسي، أو استدعاء لقوة عسكرية نظامية أو غير نظامية، إذا لا توجد لدينا ثقافة اللجوء إلى القضاء في حال توفر القوة القادرة على فرض الحلول.

شاب مثل حيدر الزيدي لا يملك أي شيء مما ذكر، يُعتقل في شهر حزيران عام 2022، ثم يحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، والتهمة "إهانة مؤسسات الدولة"، وفق أحكام المادة 226 نفسها التي استطاع إبراهيم الصميدعي الإفلات من قبضتها بكفالة مالية.

الزيدي شارك منشوراً يتطاول فيه على نائب رئيس هيأة الحشد الشعبي الراحل أبو مهدي المهندس.

ما كتب في التغريدة مرفوض ولا نود ذكره، ومن حق هيأة الحشد الشعبي إقامة دعوى قضائية ضد حيدر الزيدي، لكن مواطنون يتساءلون: هل الحكم يساوي الفعل؟ هل الأذى الذي ألحق بالزيدي مساوٍ للضرر الذي ألحقه بهيأة الحشد؟

بعض النشطاء يعتقدون عبر منشورات في مواقع التواصل إن الحكم قاسٍ ضد شاب ربما لا يعرف أصلاً أن هناك قوانين يتم اللجوء إليها في حال التطاول على غيره، شاب مثل حيدر تعوّد على أن المشكلات يتم حلها عشائرياً، لكنه نسي أنه مواطن بسيط، ويبدو أن عشيرته لا تملك القوة الكافية للدفاع عن ابنها.

تساءل عدد كبير من النشطاء عبر مواقع التواصل عن الحكم الذي يستحقه رئيس الوزراء الأسبق السيد نور المالكي في حال تطبيق المادة 226 ضده، وهو الذي وصف الحشد الشعبي بـ" أمة الجبناء".

يقول النشطاء: ما هو حجم الضرر الذي ألحقه قول المالكي بالحشد الشعبي، وما حجم الإهانة لإحدى أهم المؤسسات الأمنية الرسمية لا سيما وإنها جاءت من قبل شخصية مشهورة وصوتها يصل لغالبية المواطنين، بمعنى أن الضرر يكون أكبر من منشور لحيدر الزيدي لا يعلم به سوى أصدقائه.

لكن الزيدي يُحكم عليه بالسجن، بينما يستمر المالكي بممارسة حياته بشكل طبيعي، ويسهم في جميع مناقشات تشكيل الحكومة.

أنا هنا لا اتهم القضاء إطلاقاً، فالقاضي تصله الشكوى من قبل المتضرر، ويحكم وفق تشريعات نافذة، الإشكالية في مجلس النواب الذي أبقى هذا التشريعات وجعل القضاء في حرج أمام المواطنين.

فما الداعي لعدم إلغاء المادة 226 التي شرعت في عهد حكم حزب البعث الاستبدادي، حيث لا يوجد إيمان بحرية الرأي والتعبير في ذلك العهد الاستبدادي.

في ذلك النظام يعتبر أي كلام ضد الحكومة ومؤسسات الدولة إهانة تستحق السجن، أما بعد 2003 فقد كُتب الدستور العراقي الديمقراطي، ووضعت المادة 38 لضمان حرية الرأي والتعبير.

كيف يمكننا ضمان حرية الرأي والتعبير والمادة 226 من قانون العقوبات العتيق تطل برأسها كلما تحدثنا عن شيء من الرأي الذي يراود عقولنا؟

إذا كان المشرع العراقي يؤمن بحرية التعبير كما كتبها في الدستور فعليه أن يلغي العقبات التي ما تزال تقف بوجه أي ممارسة لهذه الحرية، وعلى المشرع العراقي إثبات ديمقراطيته عبر اعادة النظر بجميع القوانين التي تتعارض مع الحريات العامة، وإلا سيبقى الدستور ضحية لقوانين حزب البعث الاستبدادية.

اضف تعليق