رضى الرعية على درجات، وإن المطلوب الوصول إلى أقصى الدرجات الممكنة عبر مختلف الآليات والوسائل المتاحة، لرضا أكبر قدر من الناس فالأجمع لرضى الرعية هو توفر على إرضاء أكبر عدد منهم بتوفير أفضل ما يمكن توفيره لهم من الخيارات المتاحة في السياسية والاقتصاد، وفي الزراعة والصناعة، وفي التعليم...
في أغلب دول العالم؛ تنقسم السلطات الحاكمة إلى ثلاث سلطات أساسية: هي السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية. وتعمل هذه السلطات كل بحسب اختصاصها الدستوري والقانوني، على وفق مبدأ الفصل بين السلطات، وعدم التدخل في اختصاصات بعضها بعضا.
ومع ذلك؛ فمن الناحية الواقعية يحصل تنازع بين السلطات على العديد من المسائل، وهناك غلبة لسلطة على سلطة أخرى، وذلك بحسب طبيعة النظام السياسي المعتمد. فالنظام الرئاسي يقوم على ركيزتين أساسيتين، وهما: فردية السلطة التنفيذية، والفصل المطلق بين السلطات. فأما فردية السلطة التنفيذية، فان النظام الرئاسي يقوم على أساس أن مسؤولية السلطة التنفيذية تتجمع في يد شخص واحد يقوم برئاستها وممارستها بصورة فعلية لا ينازعه فيها أحد، ويكون غير مسؤول أمام السلطة التشريعية، على اعتبار أن هذا الشخص قد وصل إلى السلطة عن طريق إنابته من قبل الشعب، سواء بالانتخاب المباشر أو غير المباشر. وأما الفصل المطلق بين السلطات؛ فيعني قيام كل سلطة بمباشرة وظيفتها دون تدخل بأي شكل من الأشكال من السلطة الأخرى، بمعنى عدم السماح لكل سلطة أن تشارك في اختصاصات السلطة الأخرى.
بينما يقوم النظام النيابي البرلماني بصورته الحديثة التي استقر عليها على ركيزتين أساسيتين، وهما: ثنائية السلطة التنفيذية، والفصل المرن بين السلطات. فأما ثنائية السلطة التنفيذية، حيث تتكون السلطة التنفيذية في النظام البرلماني من طرفين هما: رئيس الدولة والوزارة. ورئيس الدولة في النظام النيابي البرلماني المعاصر غير رئيس الحكومة أو الوزارة، بل هما شخصان مختلفان، يشغل كل منهما منصباً تختلف صلاحياته عن الآخر، على الرغم من أنهما يمثلان سلطة واحدة، وهي السلطة التنفيذية، ورئيس الدولة قد يكون ملكاً في النظام الملكي، ورئيس جمهورية في النظام الجمهوري.
وتتركز السلطة الحقيقية في هذا النظام بيد الحكومة ورئيسها، أما رئيس الدولة فهو رمز للسيادة فقط، بمعنى أنه يسود ولا يحكم، ولا يجوز له ممارسة أي مظهر من مظاهر الحكم إلا عن طريق وزرائه، ولا تنفذ تصرفاته إلا إذا وقع معه رئيس الحكومة في حالة ما إذا كان الأمر يتعلق بالسياسة العامة للدولة.
وتعد الوزارة هي الجزء الثاني المكون للسلطة التنفيذية بجانب رئيس الدولة، ووفقاً لما انتهى إليه تطور النظام النيابي البرلماني، فإن تشكيلها يلزم أن يكون من الحزب الحائز على الغالبية في البرلمان أو من بين من ترضى عنهم هذه الأغلبية وتوليهم ثقتها. وتكون الوزارة مسؤولة سياسياً أمام البرلمان عن أعمالها كافة، وتكون هذه المسؤولية جماعية لجميع أعضاء الوزارة أو فردية تقع على كل وزير على حده.
ووفق النظام النيابي البرلماني تقوم العلاقة بين السلطات على أساس الفصل المرن بين السلطات. ويعني الفصل النسبي بين السلطات أن كل سلطة تستطيع التدخل في وظيفة السلطة الأخرى الأساسية والمشاركة المباشرة فيها، كما يسمح لكل سلطة في مراقبة عمل السلطة الأخرى من خلال وسائل يحددها النظام.
وفي رأي السيد مرتضى الشيرازي أن السلطات الثلاثة، سواء كانت في النظام الرئاسي أو النظام البرلماني لم تعد تصلح لإدارة الدولة مع ما يحصل من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية وتقنية. وإنه لابد من حصول تمثيل حقيقي لغالبية أفراد المجتمع يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، ورضا المجتمع ككل. حيث يرى الشيرازي أن (تمثيل الشعب والمجتمع بشكل أفضل في نظام الحكم، وفي توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الحكومة، وفي إحراز رضى عامة الناس بأعلى صورة ممكنة، وفي إيجاد التوازن بين السلطات وبين الكمية والكيفية-كمية أراء الناخبين، وكيفية المنتخبين، أو الفاعلين في قرارات الدولة- وصولا إلى قرار الحق، وشمول العدل للناس كافة، هو أن تكون السلطات عشرا لا ثلاثا، وأن يكون البرمان مكونا من عشر برلمانيات متوازية، إضافة إلى عشر برلمانيات أخرى فرعية.
وبذلك يمكن بشكل أفضل الوصول إلى القواعد والأسس الثلاثة الإنسانية والعقلانية التي رسمها الإمام علي عليه السلام للحكومة العادلة المثالية (ولْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ)، والدقيق في كلامه عليه السلام أنه لم يجعل المقياس (الحق) و(العدل) و(رضى الرعية) فقط، بل جعل ما هو الأدق من ذلك هو المقياس وهو (الأوسط في الحق) و(الأعم في العدل) و(الأجمع لرضى الرعية) وهذا يعني:
1. إن للحق طرفين أو أطراف كثيرة، ووسطا، وأن الأوسط هو الأفضل نظير قوله تعالى (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) و(نحن نقص عليك أحسن القصص) ومن أمثلة الأوسط في الحق حكم سليمان في مقابل حكم داود إذ كان كلاهما حقا لكن كان حكم سليمان هو الأوسط في الحق (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما).
2. إن العدل قد يكون خاصا أو عاما أو اعم، والمطلوب الأخير خاصة.
3. إن رضى الرعية على درجات، وإن المطلوب الوصول إلى أقصى الدرجات الممكنة عبر مختلف الآليات والوسائل المتاحة، لرضا أكبر قدر من الناس فالأجمع لرضى الرعية هو توفر على إرضاء أكبر عدد منهم بتوفير أفضل ما يمكن توفيره لهم من الخيارات المتاحة في السياسية والاقتصاد، وفي الزراعة والصناعة، وفي التعليم والتربية، وصولا إلى أعلى الدرجات الاستقرار والتطوير والازدهار.
4. كما يمكن بشكل أفضل إيجاد التوازن والتكامل بين كافة قوى المجتمع وشرائحه ومكوناته وهو الذي أشار إليه عبر هذه الأطروحة أمير المؤمنين عليه السلام (واعلم أن الرعية طبقات، لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض) وفي تصورنا فان أطروحة (السلطات العشر والبرلمانات العشر) هي أفضل طريقة ممكنة حتى الآن.
والسؤال هنا كيف يمكن تمثيل كل من السلطة التنفيذية والقضائية؟
وأما كيفية تمثيل السلطتين في البرلمان فيمكن أن تكون بحسب السيد مرتضى الشيرازي بصور عدة منها:
1. إن ترشح السلطات مجموعة أسماء تقترحهم كأعضاء للبرلمان، وينتخب البرلمان من بينهم من يجده الأصلح.
2. إن يكون المرشحون كي يمثلوا السلطتين في البرلمان، من ضمن دائرة المرشحين لانتخابات البرلمان العامة، بنظام الكوتا أو غيره، وهذه الأخيرة أصعب من الأولى، والأولى أكثر سهولة وعملية على أن الثانية أكثر جماهيرية، وأقرب لنظام الديمقراطية المباشر.
ويخلص السيد مرتضى الشيرازي أن أطروحة السلطات العشر والبرلمانات العشر تحقق الآتي:
1. إن هذه الأطروحة تساعد على وجود الفصل المرن بين جميع هذه السلطات إلى حد ما وليس صلبا.
2. إن الأطروحة تنسج التوازن بين السلطات والتعاون بينها بطريقة فريدة غير مسبوقة لذلك تحتاج هذه الأطروحة إلى المساهمة الجادة من قبل المفكرين ومراكز الدراسات في دراسة نقاط قوتها وضعفها وترشيدها وتطويرها.
3. بحسب هذه الأطروحة يكون من الصعب إن لم نقل انه من شبه المستحيل سيطرة إحدى السلطات على سائر السلطات إذ عملت الأطروحة على تجزئة السلطات أقصى حد ممكن مع آلية للتوازن بينها والتعاون مع بعضها.
4. في هذه الأطروحة تكون جميع المسؤوليات محددة بشكل واضح، ومجزئة إلى حد ما.
5. إن هذه الأطروحة تحول دون تعاظم قدرات السلطة التنفيذية، بل تقوم بتجزئتها إلى أقصى حد ممكن.
6. إن هذه الأطروحة تجعل من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل على أي حزب أن يسيطر على السلطة التشريعية أو غيرها.
اضف تعليق