من يتابع تغريدات زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، يلاحظ فيها النفس التوجيهي والوعظي المُطَعّم بالزهد السياسي والمالي، هناك رغبة في إبراز الشخصية الروحية للزعيم الصدر، والتعالي فوق القضايا السيئة مثل "الفساد والتقصير تجاه الشعب"، ينغمس في السياسة لكنه يبقي جسده خارجها لتجنب حرائقها المتواصلة...
من يتابع تغريدات زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، يلاحظ فيها النفس التوجيهي والوعظي المُطَعّم بالزهد السياسي والمالي، هناك رغبة في إبراز الشخصية الروحية للزعيم الصدر، والتعالي فوق القضايا السيئة مثل "الفساد والتقصير تجاه الشعب"، ينغمس في السياسة لكنه يبقي جسده خارجها لتجنب حرائقها المتواصلة، وإن اضطر للدخول في أعماقها يسارع للخروج منها كما يخرج السباح من حوض الماء خشية الغرق.
الأهم لديه أن يبقى صديقاً الشعب، وبشكل أدق أن يكون قريباً من جمهوره الصدري، يغذيه بالصور الذهنية، والأفكار المبسطة، فإذا تحدث عن أصوله فهو يمتد إلى أقدس نسب لدى الجمهور الشيعي، هو حفيد الحسين كما يذيل تغريداته، ليس بالنسب فحسب، بل بالسلوك والأفعال، لم يخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالما، إنما خرج لطلب الإصلاح.
وأي امتداد هذا الذي يجمع بين شرف النسب للحسين، وشرف السير على طريق الحسين الثوري الإصلاحي، لقد نجح الصدر في الربط بين أصوله التي تعود لآل البيت عليهم السلام، وبين أفكارهم وأفعالهم الإصلاحية المحببة لدى الشيعة.
والتاريخ وحدة لا يكفي للحصول على التأييد الشعبي بدون ربطه بالمستقبل الذي ينشده عامة الناس، عندما تقول إنك تتبع نهج الحسين عليه السلام، يتبادر للأذهان ما يقوم به الأمام المهدي الذي ينتظره الشيعة لنشر القسط والعدل، وقد شكل السيد الصدر جيش الإمام المهدي ليكون الممثل الفعلي لنظريته في رفض الظلم والعدوان الذي قامت به الولايات المتحدة الأميركية عام 2003 على العراق، وعلى أثر ذلك وضع حجر الأساس لمشروع ديني وسياسي وروحي طويل الأجل.
لقد كسب الصدر من محاربة القوات الأميركية صفة "سيد المقاومة"، وهي صفة أطلقها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ويتم تداولها بشكل مكثف في الإعلام الاجتماعي الصدري.
وسيد المقاومة أعلى مقام يمكن أن يناله الإنسان الشيعي، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بجمهور التيار الصدري الذي بدأ يفهم إطاعته للأئمة الأطهار من خلال الشهيد محمد صادق الصدر والد السيد مقتدى، فالصدر الأب يمثل بالنسبة للصدريين حلقة الوصل بين الماضي الإسلامي الأصيل والحاضر المتأزم الذي يحتاج إلى من يصلحه.
الصدر هو القائد الديني الذي أمسك بزمام إصلاح الأزمة التي يعاني منها شيعة العراق، يرشد الشيعة إلى طريق الخلاص من الوضع السيء الذي يقبعون تحته طوال قرون طويلة، حقق لهم حلم إقامة صلاة الجمعة وهي شعيرة غائبة لسنين طويلة، فشعروا بالانتصار على شيطان النفس.
وأعلن حربه السياسية ضد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وهما يمثلان شيطان الدول الحديثة، بينما أكمل الصدر الابن هذه الحرب ضد القوات المحتلة على ميادين النجف وكربلاء وبغداد والمحافظات العراقية الأخرى، ليكسب بالنهاية صفة "سيد المقاومة".
لا تقف الأمور عند هذا الحد، الصدر يصر على إبراز الجانب الديني المتكامل في سلوكه لدى عامة الناس، عندما تتعارض التقاليد العشائرية مع القيم الدينية يفضل الأخيرة مهما كلفه ذلك، وقد أعلن في خطابه خلال أزمة الخضراء.
يؤمن زعيم التيار الصدري بالقيم الإسلامية كمعايير للتعامل الإنساني الأخوي، فهو لا يمانع بخدمة الزوار الإيرانيين بل يدعو لتقديم أفضل ما يمكن لهم، رغم خلافه مع النظام الحاكم في طهران وانتقاده الشديد لتعاطيها مع الملف العراقي.
استطاع الصدر تحقيق اختراقات كبيرة في مسألة التأسيس لقيادة شيعية عراقية منفصلة عن القيادة الشيعية في إيران بقيادة السيد علي الخامنئي، قيادة دينية سياسية تركز على الملفات الكبرى ولا تتدخل في التفاصيل، إرشادية أكثر من كونها تنفيذية، تخطط وتحدد المسار الذي يجب أن يسلكه الساسة.
أراد السيد الخامنئي القيام بهذه المهمة من موقعه في إيران مستفيداً من الفراغ السياسي الديني (فراغ المرشد) في العراق وجاذبية النموذج الإيراني لدى شيعة العراق، فأسست إيران قاعدة سياسية ودينية وعسكرية وحتى اجتماعية في الوقت الذي كان الصدر منشغلاً بوضع الأسس لمشروعه.
لم تستطع إيران ضم الصدر تحت عباءة المرشد علي خامنئي، رغم ما قدمته له من خدمات، وما يربطه بها من علاقات دينية وعلمية، لم يشعر الصدر بالراحة من الجلوس في مجلس حسيني تحت منبر الخامنئي، بالنسبة للصدر هو أولى بأن يكون المرشد والقائد للجماهير العراقية الطامحة لوضع أفضل يكون فيه القرار عراقياً، لا أن يأتي مغلفاً بظروف سرية يحملها قائد فيلق القدس.
بعض المتابعين للعلاقة بين الصدر والخامنئي اعتبروا تقاعد المرجع الديني السيد كاظمي الحائري ودعوته اتباعه لتقليد السيد الخامنئي أحد أحدث المحاولات الإيرانية لوضع الصدر تحت عباءة المرشد الإيراني، لكن خطوات الصدر تبدو ثابتة في المسير بنهج مختلف عبر تأسيسه لمرشدية عراقية خالصة يكون على رأسها السيد مقتدى الصدر ليس اليوم لكن المستقبل يحمل الكثير من المتغيرات الدينية والسياسية وهي ما يعول عليه ليكون رمزاً ومحركاً لمسارات العملية السياسية في العراق.
اضف تعليق