نقطة مهمة لسبب الخلل الاقتصادي في العراق، وهو السلوك السلبي للتاجر العراقي، والذي أنتج كوارث من دون ان يفهم سلبيات ما ينتجه عمله على البلد، فالتجار العراقيين يبحثون دوما عن استيراد البضائع الرخيصة، الاهم عنده الربح بعيدا عن السمعة ورضا المستهلك، وهذا التوجه لدى المستوردين والتجار...
اتذكر جيدا الدرس الاول في قسم المحاسبة عن الميزان التجاري، والذي يجب ان يكون لمصلحة البلد، والا لغرق البد وضاع اقتصاده، وكان بداية الخراب الاقتصادي العراقي عند تسلم صدام الحكم حيث دمر الاقتصاد العراقي عبر ادخال البلاد في حروب عبثية، ارهقت الخزينة وضيعت الاموال، ليتحول العراق من بلد واعد اقتصاديا الى بلد مكبل بالديون ومهشم اقتصاديا، ليأتي عام 2003 ويتفاءل العراقيون بمستقبل أفضل.
حيث كانت الامنيات كبيرة بعد الخروج من سجن حكم نظام صدام، والحلم بان ينطلق البلد ويتحول لعملاق اقتصادي، لكن اهل القرار عملوا على النقيض من تلك الامنيات! وها هو السوق العراقي معتمد كلياً على السلع المستوردة، ولم يعد الانتاج المحلي قادر على منافسة المستورد، وقد قدر خبراء الاقتصاد خسائر العراق من عام 2003 الى عام 2010 بـ 180 مليار دولار! نتيجة اعتماده على الاستيرادات الخارجية فقط، وهذا الرقم الخاص بالخسائر تضاعف الان الى 360 مليار دولار! في عملية تدمير غريبة يمارسها الكبار للاقتصاد العراقي.
ان الاستيراد في السنوات الاولى لم يكن حتى خاضع للضرائب! مما جعل المنافسة معدومة بين المستورد والانتاج المحلي، فادى ذلك لموت القطاع الزراعي والصناعي في العراق.
سلبيات الانفتاح على الاستيراد
الطبقة المتحكمة بالقرار الاقتصادي لا تلتفت ولا تهتم بان يكون الاقتصاد العراقي ايجابيا، لذلك قراراتهم الاقتصادية الخاطئة ادت الى رفع معدلات البطالة، وتدمير البيئة الزراعية والصناعية، مع تأثيرات مرعبة على الجانب الصحي والاجتماعي، فغياب الضوابط في الاستيراد جعل من السوق العراقية عبارة عن مكب للسلع غير الصالحة في باقي الاسواق! سلع مضرة بالصحة ومضرة اجتماعيا، سلع لا تناسب العائلة بقضايا تتعلق بالإدمان والصحة النفسية، حيث ان باقي البلدان ترفض هكذا سلع وتضع ضوابط كي تحمي مجتمعاتها، لذلك فالسوق العراقية لا تمانع في استيراد أي شيء حتى لو كان سماً!
ولو تحدثنا قليلا عن امثلة، فاستيراد الادوية عليه ألف علامة استفهام، واستيراد السيارات قضية ملغومة، واستيراد السكائر خاضعة لقوى كبرى، واستيراد البيض خط احمر، واستيراد المواد الانشائية خط احمر، وحتى استيراد الخمر تجارة ناشطة خلف مظلة سياسية، كل مجالات الاستيراد دخلها غول الفساد، وأصبح من العسير على السلطة التنفيذية اصلاح الامر – ان افترضنا انها تسعى للإصلاح -، لان الفاسدون تحولوا الى غول أكبر من قوى الدولة.
أن التنمية في العراق متعثرة لأسباب عديدة، منها أسباب تتعلق بالحكومات، وأسباب أمنية، ونظرة بسيطة الى معدلات النمو الاقتصادي في العراق ستصيبك بالخيبة لأنها متواضعة جدا، نتيجة الوفرة المالية التي تدفع باتجاه الاستيرادات الاستهلاكية.
سلبية التاجر العراقي
نضيف نقطة مهمة لسبب الخلل الاقتصادي في العراق، وهو السلوك السلبي للتاجر العراقي، والذي انتج كوارث من دون ان يفهم سلبيات ما ينتجه عمله على البلد، فالتجار العراقيين يبحثون دوما عن استيراد البضائع الرخيصة، الاهم عنده الربح بعيدا عن السمعة ورضا المستهلك، وهذا التوجه لدى المستوردين والتجار العراقيين برز بعد الحصار عام 1990 واستمر لما بعد العام 2003 حتى الآن، مع غياب النظام الاقتصادي الذي ينظم الاستيراد ويفرض مواصفات خاصة على السلع المستوردة.
عندها تجذرت السلبية في سلوك التاجر العراقي، الذي أغرق المستهلك المحلي بأبشع السلع المنتجة، والتي تفرغ جيوب المواطن ولا تعطيه ضمانات مستقبلية طويلة.
كان على العراق الاخذ بالتجارب الناجحة
هناك الكثير من الدول العربية اعتمدت على الثروة النفطية التي تملكها، في سبيل بناء اقتصادها والنهوض به، بعكس ما يحصل على العراق حيث يستمر هدر الثروة النفطية من دون تنمية اقتصادية، لكن هذه الدول علمت على البناء الاقتصادي المستند على الثروة النفطية، ضمن سياساتها العامة طويلة الأمد على الاستثمار في كافة القطاعات الممكنة، والتي تمنحها مجالا آمنا من الحركة، بدلا من التبعية المطلقة لقطاع واحد، وهذا ما لا يفهمه جل المسيطرون على القرار الاقتصادي في العراق، فالموضوع فوق مستوى الفهم.
الفارق في الاهداف، فهدف الدول الناجحة اقتصاديا هو: بناء دولة اقتصادية قوية، اما في بلدنا فلا يوجد هدفّ! لان اهل المناصب ينظرون للمنصب كمغارة علي بابا للكسب الخاص فقط، وينظرون للسلطة كمصدر للمال لا غير، وليس للتعب والاجتهاد وبناء اقتصاد قوي للبلد، لذلك سيبقى الاقتصاد العراقي متراجعا، والميزان التجاري سالبا.
اضف تعليق