كُلّما تضخّمت [عبادةُ الْعِجْلِ] في مجتمعٍ ما كلّما انحسرتْ فرصُ الاصلاحِ والتغيير.
انّها ثقافةٌ تخديريةٌ تبرّر الفشل، وتحارب الّنقد وتبحث دائماً عن شمّاعات من هنا وهناك لتحميلها كلّ ما يؤول اليه حال المجتمع البائس.
انّها تحصر المُنجز بواحدٍ فقط وما دونه يتحمّلون الفشل فقط.
انّها تتربّصُ بكَ الدّوائر لترميكَ بالتُّهم والافتراءات والخزعبلات والاكاذيب بمجرّد ان تنتقد او تسأل!.
انّها تجعل من [العجلِ المعبود] إلهاً صغيراً يتمحور حولهُ كلُّ شيء في الحياة، فهو الهواءُ وهو الماءُ وهو الّذي يهبُ الحياة لمن يَشَاءُ، ولولاهُ لما كان دينٌ او مذهبٌ او حتّى وطنٌ!.
انّها تُشخصنُ كلّ شيء، المشاكل والفشل والمنجز والتخلف والقانون وكلّ شيء.
تلهيكَ عن النّقد البنّاء وتُشغلكَ عن الهدف الاسمى، وتسعى لجرّك للتوافه والى الماضي، لانّ [عبدةُ الْعِجْلِ] عادةً {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}.
ومِن علاماتِها؛
اولا؛ً غياب النّقد والمساءلة والرقابة والمحاسبة والعقاب.
ثانياً؛ نموّ التّخندقات الفئوية بكلّ اشكالها، الدينية والمذهبيّة والإثنية والعشائرية والحزبية والمناطقيّة، على حساب التّخندق الوطني.
ثالثاً؛ وكنتيجةٍ لذلك تزداد في المجتمع كل ظواهر الفساد والتخلّف والتبعيّة واللاابالية والاتكالية واليأس، بسبب غياب، او تغييب، المجتمع عن الساحة، وكأنّ الامر لا يعنيهِ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ.
انّ ثقافة مثل (بعد ما ننطيها) و(السيد القائد) و(الزّعيم التاريخي) و(مُختار العصر) و(ابن السيد) وأمثالها، تعبيرٌ عن ثقافةِ [عبادةُ الْعِجْلِ] بمسمّياتٍ مُختلفة، وهي كلّها تكبّل عقليّة المواطن حدّ الالغاء، لانّها تنمّي في شخصيّتهِ ثقافة [عبادة الشّخصيّة] و[تأليه المسؤول] فتحول بينه وبين التفكير الحرّ، الجدّي والحقيقي، في المصالحِ العُليا للبلاد، الامر الذي يشجّع السياسيّين والمسؤولين على المزيد من الفَسادِ المالي والاداري الى الحدِّ الذي تقف فيه البلاد على حافّة الهاوية، تُحيطُ بها الاخطار من كلِّ صَوبٍ، وهو ما نراه اليوم في العراق، وللأسف الشّديد.
واقولُ بصراحةٍ تامَّةٍ وبالفم المليان؛ ما لم نشنُّ حملةً شعواء على هذا النّوع من الثّقافة لنُلغي كلّ آثارها السلبية المدمّرة ونكنسها بالكامل من المجتمع، فسوف لن نحقّق شيئاً يُذكر من كلّ الجهود التي قد نبذلها هنا وهناك للنّهوض بالبلاد، بعدَ القضاءِ على الفَسادِ المستشري بشكلٍ مُرعب في كلّ مؤسّسات الدّولة.
انّ تحقيق الاصلاحِ اليوم والانتصار في حربنا على الفساد، سيظلّ بعيدَ المنال اذا لم نتجرّد من كلّ ميولنا ومصالحنا الخاصّة، الحزبيّة والفئويّة على وجه التحديد، ونذوب في الحسّ والدّافع الوطني الذي يَعبُر كلّ حدود المصالح الضيّقة ويتشبّث بالمصالح العليا للبلاد، لماذا؟ لانّ الفاسدين، وكما نعرف، يمثّلون كلّ هويات المجتمع وخلفياته ومكوّناته، ولا استثني أحداً، الدينيّة منها والمذهبيّة والإثنيّة والفكريّة والثقافيّة والحزبيّة وغيرها، فكيف يمكن انْ نتصدّى للحربِ على الفساد اذا ركنّا الى واحِدَةٍ او اكثر من الهويّات الجانبيّة؟ انّ ذلك بالتّاكيد سيدْفعنا الى التخندق في تلكَ الهويّة تحديداً بعيداً عن الهويّة الوطنيّة ما يضطرّني، شِئتَ ام ابيتَ، الى ان أُدافع عن (أبناء جلدتي) من الفاسدين، على الرّغم من يقيني بفسادِهم، وبذلك سنزجّ الحرب على الفساد بالمحاصصة! فنضرب بيدٍ من خشبٍ الفاسدين من حزبي مثلاً او مذهبي او اثنيّتي، فيما سأضربُ بيدٍ من حديدٍ الفاسدين من غيرهم، وهذا ما سيأتي على مشروعِ الاصلاحِ من جذوره، و[كأنّك يا بو زيد ما غزيت]!.
تأسيساً على هذه الوقائع، فانا اعتقدُ بانّ من واجبِ المتظاهرينَ اليوم الانتباه الى ما يلي؛
١/ عدم الانجرار الى ايّ نوعٍ من انواع الشّعارات او المطاليب غيرِ الوطنيّة، فانّ ذلك يطعنُ بمصداقيّتِها.
٢/ الحذرُ كلّ الحذرِ من التّخندق الطّائفي او الحزبي او العشائري.
٣/ علينا جميعاً انْ نتذكّر في كلّ تظاهرةٍ ما يلي؛
* ابطال القوّات المسلّحة الّذين يُضحّون بالغالي والنّفيس لتطهيرِ البلادِ من آخر إرهابيٍّ دنّس ارضها وهتكَ أعراضَها ودمّر تاريخها وحضارتها وتُراثها.
* مجاهدو الحشد الشّعبي الأبطال الّذين تطوّعوا بكاملِ ارادتهم للمساهمة في الحرب على الارهاب، بناءً على فتوى الجهاد الكفائي التي اصدرتها المرجعّية الدينية العليا العام الماضي عندما تمدّدت (فُقاعة) الارهابيّين لتحتلّ نصفَ العراق (جغرافياً) وتهدّد العاصمة بغداد والمدن المقدّسة.
* مع كلّ الاهميّة القصوى التي تتمتع بها الحرب على الفساد، ولكن تبقى الاولويّة للحرب على الارهاب، ولذلك ينبغي ان يكون مدخُلنا للأولى الثّانية، فكلّما شدّدنا انتباهنا على الحرب على الارهاب، سنشدّد بشكلٍ طبيعيٍّ حربَنا على الفساد، اذ لولا الفسادُ الّذي استشرى في كلّ مفاصل الدّولة لما تمدّدت (فقُاعة) الارهابييّن الى هذا الحدّ.
ارى، بهذا الصّدد، تقديم الواردة اسماءهم في تقرير (سقوط الموصل) الى القضاء وبالسّرعة القُصوى، سيكشف المزيد من تفاصيل جرائم الفساد المالي والاداري في البلاد، وبالتّالي سيُساهم بشكلٍ فعّال في إنجاز مشروعِ الاصلاحِ الحكومي الذي أعلنه السيد رئيس مجلس الوزراء، فذلك مفتاحٌ لألفِ بابٍ وبابٍ من الفَسادِ!.
* ولا ننسى في كلّ تظاهرةٍ ان نشجبَ التدخّلات الخارجيّة، وبكلّ اشكالِها، في شؤون العراق، خاصةً نُظم القبيلة الفاسدة التي ظلّت تحتضن وتمدّ الارهابييّن بكلّ الوسائل الّلازمة ليتضخّم دورهم بهذه الدّرجة الكبيرة.
الى جانب النّظام في انقرة والّذي ظلّ الممرّ الأمن والحاضنة الدافئة للارهابيين الى داخل العراق.
كذلك لا ننسى ان نشجبَ الدّور المشبوه لدولِ الجوار، وكذا الحكومة في اربيل، التي تحتضن المطلوبين للقضاء، وتحميمهم من المثول امام العدالة لأيّةِ تُهمةٍ من التّهم!.
* كما انّ الاصرار على تطهير جهاز القضاء من الفاسدين والفاشلين والمسيّسين يُساهم بشكلٍ كبيرٍ في تسريعِ وتيرةِ الحربِ على الفَسادِ، فلا يُعقل ان يظلّ القضاء في منآى عن الاصلاحِ، ويبقى كما هو فاسدٌ على كلّ المستويات ثم ننتظر انجازاً اصلاحياً! ابداً، ففي كلّ دول العالم اذا لم يكن القضاء نزيهاً فانّ من المستحيل تحقيق حتّى خطوة اصلاحيّة واحدة، فالقضاء النّزيه هو الاداة الطبيعيّة التي يضمن بها المجتمع حقوقهُ ويحقّق بهِ العدالة، ويحارب به الفاسدين والظالمين والمعتدين على الحقّ العام والخاصّ.
اضف تعليق