بدأت الولايات المتحدة الأميركية ترسل إشارات بشأن الازمة السياسية المتداخلة في العراق، تصريحات مسؤوليها بدأت تتزايد، ولهجة الخطاب بدت فيها مؤشرات أكثر انغماساً في الشأن العراقي، على عكس ما جرى من إهمال خلال المدة الماضية حيث ألقت الحبل على الغارب عن طريق فتح الباب على مصراعيه للقادة السياسيين العراقيين ليقرروا ما يريدون...
بدأت الولايات المتحدة الأميركية ترسل إشارات بشأن الازمة السياسية المتداخلة في العراق، تصريحات مسؤوليها بدأت تتزايد، ولهجة الخطاب بدت فيها مؤشرات أكثر انغماساً في الشأن العراقي، على عكس ما جرى من إهمال خلال المدة الماضية حيث ألقت الحبل على الغارب عن طريق فتح الباب على مصراعيه للقادة السياسيين العراقيين ليقرروا ما يريدون.
لكن استمرار الفشل قد يكون هو من أجبر واشنطن على المراقبة من قرب، وتتبع الخطوات التي تتخذها جميع الأطراف حتى لا تكرر أساليب الماضي التي سهلت دخول إيران كطرف فاعل ومؤثر في المشهد العراقي، وضغطه بشدة على المصالح الأميركية في البلاد، والتي تترجم على شكل هجمات منظمة تقوم بها جماعات مسلحة مدعومة من طهران، فضلاً عن هجمات أكثر جرأة بالصواريخ الباليستية على القواعد الأميركية ومصالح حلفائها.
بدأت مستشارة الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف بزيارة إلى العراق في 4 سبتمبر (أيلول) وانتهت في 9 منه، الهدف مراقبة الأزمة العراقية بدقة، حاملة دعوة أميركية للحوار، وبحسب ما تراه باربرا ليف فـ"الصراع بين النخب السياسية لا يُحل إلا من خلال الحوار والوصول إلى نتيجة وحلول، وهذا إذا أراد السياسيون ذلك".
ولا فرق لدى واشنطن بين حكومة انتقالية أم انتخابات مبكرة أخرى، أم تشكيل حكومة من قبل مجلس النواب الحالي الذي تسيطر عليه غالبية إطارية مقربة من أيران، تريد باربرا من قادة العراق أن يتخذوا القرار وجلوس جميع القيادات (معاً)، سواء أكان الحل من خلال حكومة انتقالية أم انتخابات جديدة أم حكومة جديدة.
الرؤية الأميركية تؤكد ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار المطالب التي يرفعها التيار الصدري، في المقابل ترفض استخدام العنف من قبل أنصار التيار الصدري كما حدث في الخضراء قبل أيام، أو من قبل خصومهم، تقول باربرا: "مقتدى الصدر لديه أتباع وجمهور كبير، وصوته مع القيادات الأخرى يجب أن يسمع، ولكن بالحوار للمضي قدماً، وخلاف ذلك سيكون الذهاب إلى منزلق".
هل تتحول الدعوات الأميركية إلى حلول على أرض الواقع؟
هناك العديد من التغيرات التي طرأت على علاقة واشنطن بالشرق الأوسط، فالمنطقة لم تعد موجودة على رأس قائمة الأولويات الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، لقد حلت أغلب القضايا الشائكة المتعلقة بأمن إسرائيل وتأمين تدفق النفط إلى الأسواق العالمية بوتيرة ثابتة، وهذا هو الأهم.
وفي الشأن العراقي لا يهم الولايات المتحدة كيف سيكون الحل، ليس لأنها لا تريد التدخل في الشأن الداخلي، بل لأن ما يهمها هو سوق الطاقة، وقد حصلت على الضمانات لحد هذه اللحظة، إلا إذا انفجر الوضع بشكل غير متوقع.
لا يهم أن يبقى العراق تحت حكومة تصريف الأعمال المشلولة لشهور وسنوات، ما دامت هذه الحكومة تضمن المصالح الأميركية، ولا يهم واشنطن أن تتعرض الديمقراطية الفتية في العراق إلى انتكاسات خطيرة، فهي ليست الهدف ولا تحقق المصلحة الأميركية بقدر تعلق الأمر بأشياء أخرى، يمكن تحقيقها بالتفاهم مع القوى المؤثرة محلياً وإقليمياً، حتى وإن تطلبت تداعيات الأحداث تعيين ديكتاتور جديد.
الامريكان يتعاونون الآن مع ديكتاتوريين عرباً وغير عرب، ويتفرجون على الأزمات التي تحدث في المنطقة العربية، فقد كانوا في السابق يستخدمون قوتهم العسكرية لفرض الحلول التي يرونها مناسبة، أما الآن فالجهود العسكرية موجهة إلى أماكن أخرى غير الشرق الأوسط، ومن المعروف أن أي قوة عظمى لا تستطيع إحداث تغييرات كبيرة بدون استخدام قوتها العسكرية.
لقد انتهى الزمن الذي ننتظر فيه الوصفات الجاهزة من واشنطن لحل الازمات في العراق، وهي تتعامل الآن مع الوقائع والتغييرات على الأرض وتنتظر من يفوز لتتحالف معه، ورغم أن هذا لا يعني عدم وجود حلفاء ثابتين، لكنها غير مستعدة للدخول بقوة لمناصرة حلفائها وهذا هو سبب ضعف التأثير الأميركي في المشهد العراقي.
الملاحظة المهمة بشأن التأثير الأمريكي في الأزمة السياسية الراهنة هو التحول البسيط الذي انطلق من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني اللذان أكدا استعدادهما للاستجابة لمطالب حليفهم التيار الصدري بشأن حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة مرة أخرى، لكنهما وضعا شرطاً يمثل التفافاً دبلوماسياً على المطالب الصدرية.
فهم يشترطون اجراء انتخابات مبكرة تحت ظل حكومة كاملة الصلاحيات، ما يعني الاستجابة لجزء من مطالب التيار الصدري بحل البرلمان والانتخابات المبكرة، مع الاستجابة لخطة الإطار التنسيقي القاضية بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات.
هذه الطبخة الوسطية يشم منها رائحة النصائح الأميركية للكرد والسنة، كما تفوح منها رائحة الضمانات بحل الأزمة النفطية للكرد مع الحكومة الاتحادية مقابل الموافقة على تسيير قاطرة تشكيل الحكومة.
بالنسبة للولايات المتحدة فالوضع العراقي مضمون من ناحية تصدير النفط، لكنه يقف على حافة الهاوية ومن المفيد فتح بعض المنافذ لتصريف فائض الازمات السياسية، إلا أنها لا تندرج ضمن لحلول بقدر ما هي منافذ تصريف صغيرة لضمان عدم انفجار الوضع لا أكثر.
اضف تعليق