قبل سنوات كان العراق يؤلف حكومته خلال بضعة شهور، بينما كانت لبنان تتأخر لأكثر من سنة، شعرنا بالغيرة من إخواننا اللبنانيين، وجئنا بتجربتهم لنؤجل تشكيل الحكومة لأكثر من عشرة شهور لعلنا نحطم رقم لبنان، وتبقى بيروت سباقة في تحطيم الأرقام وبغداد تلهث خلفها لتحقيق ذات الطموحات الاستراتيجية...
من أين جاء هذا الترابط الوثيق بين لبنان والعراق، هناك من المشتركات الثقافية الكثير، توصلهم الجغرافيا عبر الجارة سوريا، بما يشبه "هلال الأزمات العربي" يعتبر العراقيون بيروت متنفسهم البريء من معاناتهم، هي المدينة التي تستضيفهم في السراء والضراء، يقصدونها للسياحة، كما يقصدونها لطلب العلم، أو من أجل العمل خلال سنوات الحصار الاقتصادي.
الذكريات ماثلة في أذهانهم، بيروت هي الحضارة التي يسمونها باريس الشرق، بروح شعبها وجمال مناظرها وتصاميمها المعمارية، هي التي تطبع كتبهم التي يقرؤونها في شارع المتنبي كل يوم جمعة، أليس هذا كافياً لبناء علاقات مشتركة؟
لا ليس كافياً، فهناك ما هو أكثر، لبنان تعاني نفس المشكلات السياسية التي يعاني منها الشعب العراقي، ونحن فقط لنا القدرة على استشعار الألم اللبناني، الذي نشاهده اليوم ونسمع ونقرأ عنه، بيروت التي تغى بها كبارنا وشبابنا تبحث عن رغيف الخبز، رواتبها غير كافية للموظفين، وهي تنزلق لتكون سوريا جديدة وليكملا مع العراق "هلال الأزمات العربي".
نحن نشبه لبنان في جيشنا، فهو جيش كبير ولديه تسليح لا بأس به، لكنه غير فعال، وظيفته ليست حماية الدولة، ولا الحكومة ولا الشعب ولا أي شيء، وظيفة الجيش أن يقف في نقاط أمنية داخل المدن يسأل المواطنين من أين قدموا وإلى أين هم ذاهبون، أما إذا حدثت أزمة كبيرة فلا حاجة للجيش.
هناك جماعات مسلحة هي التي ستقوم بحماية حدود وسماء البلاد، ستحمي البلاد رغم أنف الجميع، وفي حمايتها اتهام مبطن للجيش والقوى السياسية بالتآمر مع القوى الأجنبية ضد الدولة، ومن يتآمر لا يحق له محاربة العدو خشية من قيامه ببيع البلاد إلى الغير.
نحن ولبنان مقاومون وثوريون وأبطال، ولا نقبل بغير هذه الألقاب، تخيفنا فكرة الدولة الوطنية، صحيح أننا ندافع عن الدولة، لكننا لا نؤمن بها، بل نؤمن بالثورة والمقاومة.
والمقاومة لدينا لا ترتبط بزمان ولا مكان، الكوكب ميدان للحرب، وخطتنا للمقاومة أبدية لا تنتهي.
ومن يفكر منا ببناء دولة مدنية قائمة على حكم القانون والدستور يشنق معنوياً أو جسدياً، ولا فرق بينهما، فقد يفنى من الظهور ويبقى حبيس الدار، وبالطبع بلا كهرباء.
الفرق بين العراق ولبنان أن الأخيرة قد سبقتنا في أزماتها الكارثية، فهم من سبقونا بشرف حربهم الأهلية، وتدمير أساسات الدولة الحديثة إن كانت هناك أساسات أصلاً، والبدء بمشروع دولة قائمة على المكونات وتحميها أحزاب وجماعات مسلحة.
اقتصادهم لا لون له ولا طعم، رائحته تفوح منها الصفقات السرية والمبادلات غير المشروعة، ومجتمعهم منقسم إلى أقصى حد.
ولأننا نحب لبنان لم نترك لهم شيئاً إلا وطبقناه على أراضينا، فليس من الشرف أن تتدخل الدول العظمى والإقليمية في الشأن الداخلي اللبناني بينما يبقى العراق بلا تدخل، هذا ليس عدلاً، يجب أن يكون لنا تدخلنا الأجنبي الخاص.
وليس من العدل أن يكون لبيروت مرفأ تنفجر فيه نترات الأمونيوم بينما يعاني العراق من نتراته الخاصة، ولهذا سبقتنا لبنان بمأساة مرفئها.
وقد تكون تلك من حِكَم التدخلات الأجنبية التي تمنع العراق من تحقيق سيادته الكاملة والسعي وراء طموحاته في تدمير نفسه على الطريقة اللبنانية، فالموارد البترولية لدى بغداد تفرض عليها أن تراعي مصالح الخارج ولا سيما مسألة تأمين النفط للدول الكبرى.
قبل سنوات كان العراق يؤلف حكومته خلال بضعة شهور، بينما كانت لبنان تتأخر لأكثر من سنة، شعرنا بالغيرة من إخواننا اللبنانيين، وجئنا بتجربتهم لنؤجل تشكيل الحكومة لأكثر من عشرة شهور لعلنا نحطم رقم لبنان.
وتبقى بيروت سباقة في تحطيم الأرقام وبغداد تلهث خلفها لتحقيق ذات الطموحات الاستراتيجية، وآخرها انهيار اقتصادها وسوقها المالي، فيما لا يزال العراق يسابق الزمن لينضم إلى نادي الدول الكبرى في تطبيق معايير جودة الأزمات المزمنة وغير القابلة للحل.
هنا وهناك مصيبة شعبين لا يملكان سوى المشاركة في الألم لعل هذه الوحدة تؤدي الى استخلاص الدروس والعبر وبناء دولة مؤسساتية قادرة النهوض بواقع المواطن اللبناني والعراقي على حد سواء. أو هكذا يفترض.
اضف تعليق