من يشترك بالعمل السياسي ويخوض الغمار، عليه ان يستعد لجميع السيناريوهات وان كانت لا تتماشى مع رغبته، وهنا يتحتم عليه التخلي عن النفس الغاضبة التي تدفعه الى شن الحرب معتقدة انها الطريقة الأمثل لبلوغ النصر، لكن في الغالب ينتهي الامر الى الهزيمة الكبرى امام الجماهير...
نزعة الاستملاك يحملها الانسان منذ نعومة اظفاره، فالطفل في سنواته الأولى يحرص على التمسك بالأشياء والبكاء لفقدانها وان كانت تسبب له الأذى في الكثير من الحالات، وبمرور الوقت قد يصبح هذا الفرد شخصية تحمل رمزية سياسية او دينية مع الاحتفاظ بهذه الخصلة وهي ما تفسر ظاهرة الخصام المتواصل بين الزعماء السياسيين في العراق.
الصراع والحروب بين الشخصيات والدول على اختلافها لم يكن من المستحدثات، فهي متزامنة مع الوجود الإنساني، ومن الوقائع التاريخية المتكررة، ولعل ما نعيشه اليوم من أوضاع مأساوية سببها المعارك الدامية التي جرت بين الشعوب السالفة ولا نزال نتذوق نتائجها المرة.
ويندرج الامر هذا على الممارسات السياسية التي تتبعها الشخصيات الرسمية والدينية في العراق، وقد تكون المرة الأولى التي تدخل الشخصيات ذات الصبغة الدينية تدخل على خط المواجهة العلنية وغير المباشرة عبر التغريدات الموجهة لشخوص بعينها، حتى تطور الامر الى تسمية الأشياء بمسمياتها.
التراشقات الأخيرة لا تخرج عن كونها جزء او أداة من أدوات الاستملاك الذي ترغب به تلك الشخصيات، فتارة يتمثل حب الاستملاك بالدفاع عن المكتسبات التي يريد الغير سلبها او السيطرة عليها، وتارة أخرى يكون بالرغبة العالية في الحصول على الأشياء دون وجهة حق وبالتالي في كلتا الحالتين ينشب الصراح ويحتدم.
وقد لا يمكن بعد بلوغ هذه المرحلة من النزاع إخفاء هذا الشيء او التقليل من أهميته ومدى خطورته في التأثير على بقية مفاصل الدولة، اذ أدى هذا التناحر الى الاعتداء على حرمة المؤسسات الحكومية، وتجريدها عن مسؤوليتها المعتادة، وسادت الفوضى التي شوهت الصورة الإيجابية المتكونة في السنوات الأخيرة عن العملية السياسية في البلاد والانتقال السلمي للسلطة.
وربما يدخل التعقيد الى المشهد السياسي عندما يناط مصير جزء كبير من الجماهير بموقف زعيم او زعيمين ليس لديهما فكر سياسي ناضج او رؤية مستقبلية تضع من السياسة اللجام الذي يحكم جماح الرغبات الفردية ويجبرها على التنازل والتراجع عن تصرفاتها غير المسؤولة مقابل ما مطلوب منها تحقيقيه على المستوى الوطني.
ومع ان البشرية في تقادم الزمن ارادت ان تهذب وتشذب الآثار السلبية للحروب الفردية، الا انه لا يزال ترافق هذه التصرفات بعض الملاحظات ولم يُهد الانسان الى التخلص منها، فالكثير من القوانين الدولية والاتفاقات الفردية او التي تتم بين اغلب الزعماء جميعها تحاول أنسنة الفعل البشري والا يخرج من دائرة المنطق.
فالتأكيد المستمر على الجانب الأخلاقي وجعله حاضرا بين الأطراف المتنازعة هو الهم والغاية الأساسية التي يسعى عقلاء القوم الى تفعيلها في الميادين الإنسانية التي تشهد انغلاقا عدوانيا في الكثير من الأحيان، وتتحكم في هذا الانغلاق النزعة التملكية التي تدفع بالفرد الى خلق الخصوم وتكوين البيئة التي بموجبها يحقق رغابته الضيقة بعيدا عن الرغبة او الحاجة المجتمعية.
في التفسيرات المنطقية لما يحصل في العراق هو اللجوء الى الصراعات السياسية بعد الفشل السياسي، والوصول الى نهاية سكة التفاهمات، وهو ما يشخص مواطن القصور في الأداء الحزبي الذي وقف عاجزا عند هذه النقطة وفضل الانتقال الى مرحلة التصعيد الأخيرة بدلا من اتباع فعلا مدنيا سلميا قادر على معالجة المشكلات وليس الذهاب الى المزيد من التخبط وركن العقلانية.
من يشترك بالعمل السياسي ويخوض الغمار، عليه ان يستعد لجميع السيناريوهات وان كانت لا تتماشى مع رغبته، وهنا يتحتم عليه التخلي عن النفس الغاضبة التي تدفعه الى شن الحرب معتقدة انها الطريقة الأمثل لبلوغ النصر، لكن في الغالب ينتهي الامر الى الهزيمة الكبرى امام الجماهير وهي الأهم من ناحية، وامام القوى السياسية المشتركة بالعملية من ناحية أخرى.
اضف تعليق