الإصلاح بحاجة إلى تراكم ومعرفة وثقافة ومتابعة وتدقيق وآليات، وهذا يعني توفر ظروف موضوعية وذاتية لنجاحه، وإلّا فإنه قد يرتد بتراجع أكثر مما كان عليه وفقاً لقانون الفعل وردة الفعل الفيزيائي، ولكي لا يحدث ذلك فلا بد من سد النواقص والثغرات التي ترافقه، خصوصاً نبذ اللجوء إلى العنف...
تعرّضت الدعوة للإصلاح في مجتمعاتنا إلى تشويه كبير من جانب خصومها، وكذلك من جانب بعض دعاتها؛ فالجهات الرسمية اعتبرتها خروجاً على السلطة ومعارِضة لها، وبعضها ربّما كان مرتبطاً بالمعارضات، أو واجهة لها، أو حتى لديه خيوط مع جهات خارجية وأجندات دولية، أو إقليمية، وإنْ كان بعض ذلك صحيحاً، لكن من يلجأ إلى التعميم يقع في أخطاء فادحة ليس أقلّها ضعف الحجّة.
و«المعارضات» حاولت استثمار الدعوة المجتمعية إلى الإصلاح حتى ولو باللجوء إلى العنف، وهكذا هيمنت الاتجاهات الضيّقة على المشهد، بل واندفعت فيه، معتقدة أن ذلك سيصب في طاحونتها في مواجهتها العنفية مع السلطات.
والعنف يأتي من تطرّف، والتطرف ابن التعصب، وبالتالي إذا انتقل التطرف من التفكير إلى التنفيذ والسلوك يصبح عنفاً، وقد يصير العنف إرهاباً.
ويُعتبر الإصلاح أحد وجوه الجدل السياسي المحتدم منذ عقود من الزمن، وإنْ اتخذ أشكالاً جديدة في العقدين الأخيرين، دستورية وقانونية، إلا أن جوهره يتعلق بالتنمية، فلا إصلاح من دون تنمية، وهو ما ينبغي أن يكون درساً للمعارضات والسلطات في آن.
ويحتاج ذلك إلى تحسين البيئة التشريعية والقضائية وأجهزة إنفاذ القانون وتطويرها. وحسب هوبز: إن أي إصلاح لا بد أن يبدأ من إصلاح الفكر الديني، مثلما يحتاج إلى النهوض بدور المرأة وتمكينها واستقطاب الشباب والثقة بدورهم، وإلى تعاون القطاعين، العام والخاص، والقطاعين، الحكومي والمدني، في إطار تكامل وشراكة وتفاعل لا غنى عنه في مجالات التنمية كافة.
وبعد انهيار جدار برلين أصبح الحديث عن الإصلاح سمة جديدة لا تخص أوروبا الشرقية، وإنما أصبح مطلباً على المستوى الكوني، وحاولت القوى المتنفّذة في العلاقات الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة، استثماره وتوجيهه والاستفادة منه مستغلة تضحيات الشعوب.
الإصلاح بحاجة إلى تراكم ومعرفة وثقافة ومتابعة وتدقيق وآليات، وهذا يعني توفر ظروف موضوعية وذاتية لنجاحه، وإلّا فإنه قد يرتد بتراجع أكثر مما كان عليه وفقاً لقانون الفعل وردة الفعل الفيزيائي، ولكي لا يحدث ذلك فلا بد من سد النواقص والثغرات التي ترافقه، خصوصاً نبذ اللجوء إلى العنف.
والإصلاح يمكن أن تقوم به السلطة ذاتها من فوق، خصوصاً إذا ما أدركت بعض الحكومات ذلك بقراءة اللحظة التاريخية والتحول المفصلي الكوني وأقدمت عليه وهيّأت مستلزمات نجاحه بانضباطية، وقد يأتي من تحت عبر رفع درجة الوعي المجتمعي، وهذا يتم بالتدرج والتطور وارتفاع مستوى التعليم والرفاه الاجتماعي.
وبغضّ النظر عن الجهات المطالبة بالإصلاح ومشاريعها، فإن اختيار الوسيلة أمر مهم للغاية؛ لأن الغاية المشروعة والشريفة لا بد أن تختار وسيلة على شكلها، والوسيلة من شرف الغاية، لأن الغاية بعيدة المدى وغير ملموسة، في حين أن الوسيلة معلومة ومنظورة، أي آنية ومباشرة، في حين أن الغايات مؤجلة وغير مباشرة.
الإصلاح مسار شامل ومتواصل ومتجدد، وليس بعض الإجراءات أو التعديلات أو التشريعات كافياً للقول بإنجاز عملية الإصلاح والتغيير التي لا يمكن أن تتحقق في جانب وتهمل في جانب آخر.
ويلعب التعليم دوراً مهماً في تحقيق خطط الإصلاح والتغيير، فالمجتمعات التي ينخفض فيها الوعي تكون أكثر هشاشة، وأكثر اندفاعاً نحو العنف، وأقل قبولاً للحلول السلمية، حيث يتمسك كل فريق بمنطقه الأحادي على حساب الإقرار بالتعددية وقبول التنوع. ولعل الحريات العامة والخاصة هي المدخل لذلك، لاسيما بقبول مبدأ الشراكة والمشاركة واحترام الآخر.
اضف تعليق