مع تكرار مشهد خروج التظاهرات الاحتجاجية على مفاسد نظام المحاصصة في عراق ما بعد 2003، لم تثمر كل هذه الاحتجاجات وربما حتى تلك التي يقودها اليوم السيد مقتدى الصدر وغيره من الشخصيات السياسية في مختلف أنحاء العراق عن تلك المتغيرات النهائية في النظام السياسي الذي تم بناؤه على أساس الكليبتوقراطية...
مع تكرار مشهد خروج التظاهرات الاحتجاجية على مفاسد نظام المحاصصة في عراق ما بعد 2003، لم تثمر كل هذه الاحتجاجات وربما حتى تلك التي يقودها اليوم السيد مقتدى الصدر وغيره من الشخصيات السياسية في مختلف أنحاء العراق عن تلك المتغيرات النهائية في النظام السياسي الذي تم بناؤه على أساس "الكليبتوقراطية" هذا المصطلح الذي يترجم إلى اللغة العربية بعبارة واضحة ومفهومة "دولة اللصوصية".
هناك معضلة تكرر مع جميع هذه التظاهرات تذهب إلى نقد العملية السياسية والاعتراف بفشل نظام المحاصصة وأهمية العمل على تغييره ولكن من دون أية مدخلات حقيقية لهذه المتغيرات الحية في معيشة المواطن الذي يخرج للتظاهر بسبب معاناة يومية لأسباب تعد من أبسط حقوق الانسان، هكذا يتم تبادل الاتهامات، مرة لان الاحتلال الأمريكي يرفض إعادة اعمار العراق، مقابل أخرى تهتم العلاقة ما بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية في عدم وحدة الفهم لمعنى الدولة الاتحادية في الدستور العراقي.
وثالثة باتهام دول الجوار انها تتدخل وثمة نفوذ إقليمي ينهب خيرات البلد لصالح هذه أو تلك من الدول، ورابعة، اتهام "المواطن / الناخب" أنه لا يحسن اختيار نوابه في لعبة ديمقراطية عنوانها العريض ممارسة الحق الانتخابي، فيما انزوت اغلبية صامتة ترفض استخدام العنف المسلح سواء من أجهزة الدولة وقواتها الأمنية أو من أي طرف ثالث ضد ممارسة حق كتب في الدستور العراقي يمنح المواطن التنفيس عن غضبه في احتجاج ربما يصل إلى ثورة الجياع، فيما تبقى الاتهامات تشخصن هذا الصراع على توزيع كعكة السلطة ما بين عوائل سياسية في نظام مفاسد المحاصصة عنوانها النهائي انها دولة "كليبتوقراطية" أو دولة "لصوصية "!
لا أعتقد ما بعد هكذا تشخيص في فهم مجربات عمل حالة "اللا-دولة" في عراق اليوم وانتهائها إلى هذا المعنى الفج والقبيح، يضع في قوس الصبر منزعاً للاتجاه نحو التغيير المنشود الشامل نحو تطبيقات موضوعية كمقدمات موضوعية لمخرجات واقعية لرؤية "عراق واحد وطن الجميع" هذه الرؤية التي طالما كررت الحديث عنها في مقالاتي ودراستي المنشورة طيلة سنوات مضت، من دون ان ترن أجراس "ثورة الجياع" في مكاتب عوائل مفاسد المحاصصة أو وعاظهم الذين باتوا أقرب إلى نموذج الملكة الفرنسية التي سألت عن سبب ثورة الشعب الفرنسي وقالت اذا لم يجدوا الخبر لماذا لا يأكلون الكيك!
يبدو ان الكثير من قيادات عوائل هذه المفاسد اليوم يقدمون ذات الإجابة للجموع التي تتظاهر وتحتج من اجل لقمة الخبز المغمسة بحرارة صيف لاهب ومعيشة يومية فيها معاناة تتصاعد مع كل مفردات الحياة من الخدمات الصحية والمدرسية وآليات مراجعة دوائر الدولة في وقت ما زالت تبحث عن إجابات شافية لعل وعسى تجد في المقبل من الأيام ما يقلل من عمق مأساة دولة صرفت اكثر من ترليون دولار وما زال الشعب فيها يحتج ويتظاهر للمطالبة بحقوقه الأساسية مثل خدمة الكهرباء الدائمة.
مثل هذه المقدمات المتكررة في مظاهر الاحتجاج سرعان ما تدخل في طوق الاحتواء وإظهار نيات التغيير من خلال بعض التعديلات هنا وهناك وإصدار أوراق بيضاء للتغيير الاقتصادي التي لم تأت الا بكل النتائج السلبية على حياة المواطن اليومية بعد رفض عوائل هذه المفاسد تعديل نظام صرف الموازنة التشغيلية وإلغاء امتيازات الدرجات الخاصة وإلغاء صرف رواتب ما يعرف بقوانين العدالة الانتقالية فضلاً عن اعتبار وظيفة تمثيل الشعب في مجلس النواب تشريفاً وليس تكليفاً وظيفياً يصرف عليها مكافأة مؤقتة خلال دورة العمل البرلماني وتنتهي معه، وإلغاء كل رواتب من شغل مناصب سابقة في الرئاسات الثلاث والدورات البرلمانية وهذا يوفر على اقل تقدير ما بين 20-25% من الموازنة التشغيلية التي تصرف على موظفي الدرجات الخاصة في الخدمة والمتقاعدين، وإلغاء نموذج التعيين الحزبي في كل دورة برلمانية حتى باتت حصة الموظف الحكومي الانتاجية لا تتجاوز 17 دقيقة من 8 ساعات تمثل الدوام الرسمي. وأدى هذا التراكم في الوظيفة العامة إلى إثقال حركة الموازنة التشغيلية وعدم توليد فرص العمل في القطاع الخاص.
فكان نموذج الحل وفق عقلية الدولة الكليبتوقراطية زيادة سعر صرف الدولار وتخفيض قيمة الدينار العراقي، وما حصل بعد ذلك من تداعيات على أسعار السلع والخدمات التي خفضت من القيمة الشرائية للدينار العراقي ليس 23% التي تمثل قيمة التخفيض في سعر الصرف بل تجاوز التضخم في أسعار بعض السلع نسبة 100%، مثل هذا القرار وما خلفه من وقائع تحت مسؤولية جماعية لكل عوائل أحزاب مفاسد المحاصصة، لأنها أبشع تطبيق لنموذج دولة "اللصوصية" ولا يمكن لأي طرف مهما كان ان يقف على تل هذا الفساد بعنوان اصلاح الاقتصاد العراقي مثله مثل فضيحة عقد الخدمة بين مصرف حكومي وشركة أهلية فيها شرط جزائي بقيمة 600 مليون دولار فيما مثل هذه الخدمة يمكن ان تشترى من الشركة المجهزة الاصلية من دون المرور بجسر مفاسد المحاصصة والجهة السياسية التي تقف وراء هذه الشركة وغيرها في مزاد العملة!
مع كل ذلك، يأتي من يتحدث بنغمة المقارنة ما بين ثورة الجياع الباحثين عن خبز يومهم ورد فاجع بان عليهم البحث عن كيك أحزاب عوائل مفاسد المحاصصة، مما ولد شرائح مجتمعية طفيلية ، مثل ذلك "المهوال" في الريف العراقي، ولمن لا يعرفه هو الشخص الذي يهتف خلال مناسبات الافراح والاحزان من اجل الحصول على مكافأة الشيوخ المجزية، ليس من مهمة لهم الا التعامل مع حالة الضد في نموذج الأبيض والأسود، فالتظاهرات في بغداد أو أربيل أو البصرة، إما ان تكون حالة صحيحة من ضمن حقوق الانسان أو انها مستنكرة ونموذج للمؤامرة على هدم النظام العام، وتتوالى الاتهامات بوجود قوى إقليمية تدعم هذه أو تلك كل حسب نوع الحزب المدافع أو الرافض وما بين كلا النموذجين.
تبقى الأغلبية الصامتة وهي تشاهد ان جموع الجماهير تقاد بتغريدة أو كصوصة، وجموع أخرى لا تعرف اليات تنظيم تظاهرة فتواجه رد فعل ديمقراطية السلطة، أو تستذكر وجود الطرف الثالث الذي قتل اكثر من 800 عراقي في ساحات التحرير العراقية، ناهيك عن المعوقين، ويبقى الحفار واقفاً على قبر العراق يسأل اين حقي... فهذه العملية السياسية قد ماتت منذ سنوات وكرامة الميت دفنه، والتفكير الجاد بظهور عقد اجتماعي لعراق واحد وطن الجميع... فيما عوائل أحزاب مفاسد المحاصصة من خلال سلاح منفلت ومال سياسي وتمسك مفضوح بأهداب دستور كسرت جرته ومزقت ثوابته مرات ومرات لعل ابسطها في تجاوز المدد الدستورية، فالمنتظر غدا ثورة الجياع... عندها ربما يتكرر السؤال عن محاصصة توزيع كعكة السلطة هل مطلوب ان يبحث الجياع عن الخبر ام الكيك فاغلب عوائل المحاصصة اليوم مثل تلك الملكة.. يعرفون حقيقة معاناة العراقيين لكن طمع السلطة... ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!
اضف تعليق