تقول المادة (٥) من الدستور العراق ان "السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية"، وتثير هذه المادة اسئلة كثيرة منها: ما هو تعريف الشعب؟ وكيف يمارس سلطته؟ وماذا نعمل اذا اختلف ابناء الشعب فيما بينهم؟ ...
تقول المادة (٥) من الدستور العراق ان "السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية".
وتثير هذه المادة اسئلة كثيرة منها: ما هو تعريف الشعب؟ وكيف يمارس سلطته؟ وماذا نعمل اذا اختلف ابناء الشعب فيما بينهم؟
هذه اسئلة تجيب عليها الكتب المتخصصة في العلوم السياسية والقانون الدستوري. ولا اريد ان استعيد ما هو مذكور هناك، لأنه متاح للجميع. لكني سوف اعرض هنا ما اعتقده، وبالارتباط بفكرة الدولة الحضارية الحديثة التي اتحدث عنها كثيرا.
الشعب هم مجموع الناس الذين يعيشون في بقعة ارضية محددة يؤمنون بانها خاصة بهم، اي وطنهم الذي تحتويه، وتحتويهم الدولة. ويشمل هذا التعريف، بالإضافة الى عامة الناس، الاطفال والسجناء وفاقدي الاهلية العقلية.
لكن المشرع الدستوري حين يقرر ان الشعب هو مصدر السلطات فانه يقصد الاشخاص الراشدين، الاحرار، العقلاء، وغير المحكومين بجريمة تحرمهم حق الاقتراع. ويمكن القول بناء على ذلك ان الشعب الذي هو مصدر السلطات يعني مجموع الافراد الذين ينطبق عليهم عنوان "الناخبين". فالناخبون واقعا وحقيقة هم مصدر السلطات ومصدر شرعيتها. ويخرج من هذا القيد كل من لا يحق له التصويت بموجب القوانين النافذة.
من اين يستمد الشعب كونه مصدرا للسلطات والشرعية؟ الجواب: من الله سبحانه وتعالى. فالله الخالق الكائن الكلي القدرة والمعرفة هو صاحب السلطات والشرعية اصلا. لكنه منح الانسان هذه السلطة حين استخلفه على الارض، والاستخلاف يعني التدبير. وعليه فان الانسان يملك سلطة التدبير وحكم الارض وحكم نفسه بنفسه بناء على السلطة الممنوحة له من الله.
كيف يمارس الشعب سلطاته؟ تختلف الاجابة عن هذا السؤال من عصر الى عصر ومن بلد الى بلد. وفي العراق قرر المشرع الدستوري ان الشعب يمارس سلطته "بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية". وقد وافقت اغلبية الناخبين على هذا النص. ومن الطبيعي ان نفترض ونتوقع ان يختلف الناس عند مزاولة الاقتراع السري الى اغلبية واقلية. وقد قرر المشرع الدستوري العراقي ان القرار يكون للأغلبية، وعلى الاقلية ان تذعن لقرار الاغلبية. وهذا هو المعمول به في كل الانظمة القائمة على اساس الاستخلاف البشري، او الديمقراطية. ولا يقدح في ذلك نسبة المشاركين في التصويت لان الذين لم يشاركوا بالتصويت هم الذين اختاروا عدم ممارسة سلطتهم عن هذا الطريق.
ولا يحق للاقلية ان تتمرد على قرار الاغلبية، لان هذا التمرد يقود الى عدة نتائج ضارة بالمجتمع والدولة مثل الفوضى او الانقسام المجتمعي الحاد، او التقسيم، او الحرب الاهلية.
يحق للناس ان يتظاهروا مطالبين او رافضين امرا ما. وهذا التظاهر هو احد اشكال التعبير عن الرأي الذي كفله الدستور وعلى الدولة حمايته بوصفه من الحقوق السياسية للانسان.
لكن على المتظاهرين احالة اتخاذ القرار بشأن المسألة المطروحة الى احدى الاليات او الوسائل التي نص عليها الدستور، وهي بصورة عامة امران: الاستفتاء العام، او المؤسسات الدستورية مثل البرلمان. مع ملاحظة ان المتظاهرين قد لا يشكلون اغلبية الناخبين، وبالتالي فان مطالباتهم ليست ملزمة الا اذا تم اقرارها عن طريق الاستفتاء العام او مجلس النواب. اما الخروج على هذا القيد فانه يدخل من وجهة نظر القانون الدستوري في خانة "الثورة" وليس "الشرعية الدستورية". ولكل من العنوانين احكامه الخاصة به.
ماذا لو وقّع عدد من الناس "عريضة" للمطالبة بأمر ما؟ لا يجيب الدستور العراقي ولا القوانين النافذة عن هذا السؤال، ولا توجد له سابقة عندنا. لكن يمكن الاستشهاد بالحالة البريطانية. اذا وقع عدد معين محدد قانونا من الناس على عريضة ما، فانه يتعين عرضها على لجنة خاصة في البرلمان لغرض الموافقة على ادراجها في جدول اعمال البرلمان. فاذا تمت الموافقة من قبل اللجنة، احيلت العريضة الى البرلمان لمناقشتها. عند ذاك يناقش البرلمان العريضة ويتخذ القرار بالاغلبية البسيطة. وعلى اصحاب العريضة القبول بقرار البرلمان.
اضف تعليق