عندما قامت القوات التركية بعدوانها العسكري على منتجع سياحي في دهوك، فهي لم تقتل ثمانية سياح عراقيين فحسب، بل وضعت المواقف الشعبية والإعلامية على المحك، ففي الأزمة مختبر تجريبي لفهم التركيبة الشعبية والإعلامية والسياسية للبلد، وقد اختبرنا يوم الأربعاء بعد استشهاد ثمانية مواطنين وجرح 23 وعشرين في عدوان لم يكن له ما يبرره إطلاقاً...
عندما قامت القوات التركية بعدوانها العسكري على منتجع سياحي في دهوك، فهي لم تقتل ثمانية سياح عراقيين فحسب، بل وضعت المواقف الشعبية والإعلامية على المحك، ففي الأزمة مختبر تجريبي لفهم التركيبة الشعبية والإعلامية والسياسية للبلد، وقد اختبرنا يوم الأربعاء بعد استشهاد ثمانية مواطنين وجرح 23 وعشرين في عدوان لم يكن له ما يبرره إطلاقاً.
وما لا يصح تبريره، وقوف نسبة كبيرة من إعلاميي النخبة، على الحياد من الجريمة التركية، وبعضهم وقف مبرراً لتركيا عدوانها الغادر، لا سيما وهم يتمتعون بشعبية واسعة، ويعدون أنفسهم صوت الشعب الذي لا صوت له.
التبرير سهل إذا كنت ساكناً في تركيا أو تعمل في مؤسسة إعلامية تبث من تركيا، أو لها مصالح سياسية هناك، وسهولة التبرير تأتي كنتيجة طبيعية لعدة أسباب:
أولاً: فشل المنظومة السياسية الحاكمة في القيام بوظيفتها في حفظ مصالح الشعب العراقي، سواء على مستوى حل المشكلات الداخلية وتقديم الخدمات، أو على مستوى الخارج، حيث الولاء السياسي الخارجي المخالف للدستور والقوانين العراقية.
ثانياً: الغضب الشعبي المتراكم تجاه المنظومة الحاكمة يسهل عملية التبرير عبر إلقاء التهمة على فشل حكامنا باعتبارهم من سمح لدول الخارج لتصفية حساباتها على الساحة العراقية.
ثالثاً: تعدد الولاءات السياسية للأحزاب العراقية، بين حليف لتركيا، وآخر لإيران، وثالث لأميركا والخليج، وهؤلاء الساسة لا تنبع مواقفهم على أساس معيارية المصلحة الوطنية العراقية، بل من منطلق مصالح حلفائهم الخارجيين، وبما أن الشخصيات السياسية تبرر العدوان الخارجي أو تدينه حسب القرب والبعد من دول الخارج، فقد برزت لدينا ظاهرة التبرير كأسلوب معتاد مع كل أزمة يمر بها بلدنا العراق.
رابعاً: سطحية متابعي الشخصيات الإعلامية النخبوية وتسليمهم امورهم بيد هؤلاء الإعلاميين النخبويين، فالمتابع ينتظر رأي شخصيته الإعلامية المفضلة في القضايا السياسية الراهنة، ليتبعه عبر نسخ رأيه ونشره عبر مواقع التواصل.
خامساً: تبعية الشخصيات الإعلامية النخبوية إلى الأحزاب الحاكمة، وبما أن أغلب الأحزاب تبني مواقفها على أساس مصالح حلفاء الخارج، فالإعلامي النخبوي لا يريد الخروج من فقاعته حماية لمصالحه المالية.
لم ننتظر يوماً مواقف إعلامية حرة، فالمقاسات خارجية في الأغلب، وسطحية، وتبريريه، وهي أقرب للتهريج وأبعد ما يكون عن التبيان الحقائق، كما أن مواقف الإعلاميين بعيدة عن مصالح العراق.
لا نعفي المنظومة الحاكمة من المسؤولية، فهي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، ولو عملت بجزء بسيط من مسؤولياتها لحفظ سيادة العراق، وكرامة مواطنيه، لم تستطع تركيا القيام بعدوانها الجبان.
المنظومة الحاكمة ولا سيما الفريق الحكومي يجب أن يحاسبوا أشد الحساب، ويعرضوا على المحاكم لانهم سمحوا لتركيا الاستمرار بعملياتها العسكرية طوال المدة الماضية حتى تمادت في جرائمها لضرب المواطنين العزل، مستفيدة من الصراعات الداخلية والمساومات السياسية التي جعلت البلاد ساحة لتصفية الحسابات الخارجية.
لم يكن هناك أي مبرر لقيام تركيا بعمليات عسكرية داخل العراق، وسكوت الحكومة طوال هذه المدة غير مبرر إطلاقاً، إلا أن التقصير الحكومي لا يعني الوقوف مع جرائم تركيا وتبريرها كما فعل العديد من المدونين والإعلاميين، فالموقف السياسي يجب أن يوضع على ميزان المصلحة الوطنية لا على أساس المصالح الشخصية الضيقة، فالشهداء مواطنون ذهبوا في رحلة استجمام لا علاقة لها بالسياسة، أناس أبرياء أرادوا قضاء الوقت عبر الاستمتاع في المصايف الشمالية الجملية، لتأتي الصواريخ التركية وتخلط دماءها بمياء الشلالات.
لقد كانت رحلة استجام بالدم، وليتنا كإعلاميين ومطلعين على بعض القضايا السياسية أن لا نغمس أقلامنا بدماء الشهداء حينما نبرر لجرائم تركيا وغيرها من الدول التي كانت وما زالت تستخدم العراق كساحة لتصفية حساباتها السياسية والعسكرية.
حاسبوا الحكومة العراقية على مواقفها الضعيفة السابقة والحالية.
وحاسبوا تركيا على جرائمها التي ارتكبتها في العراق.
لا تبرروا لأي طرف بحجة تقصير الطرف المقابل، فالجريمة تبقى جريمة مهما كان فاعلها.
اضف تعليق