منحت استقالة الكتلة الصدرية من البرلمان الفرحة العارمة للإطار التنسيقي، وسرعان ما اخذ الأخير يتحرك بحرية أكثر من الأشهر السابقة التي قيدت ارادته بالأغلال، ومنعته الارادات الداخلية والخارجية من الشروع بتشكيل الحكومة، اما اليوم فقد تكون الأمور أكثر مرونة لكن الشيء الأهم هو هل سينجح الإطار ويتجاوز الاختبار الذي وضع فيه مجبورا؟...
منحت استقالة الكتلة الصدرية من البرلمان الفرحة العارمة للإطار التنسيقي، وسرعان ما اخذ الأخير يتحرك بحرية أكثر من الأشهر السابقة التي قيدت ارادته بالأغلال، ومنعته الارادات الداخلية والخارجية من الشروع بتشكيل الحكومة، اما اليوم فقد تكون الأمور أكثر مرونة لكن الشيء الأهم هو هل سينجح الإطار ويتجاوز الاختبار الذي وضع فيه مجبورا؟
يضن الإطار التنسيقي ان عجلة تشكيل الحكومة القادمة ستتحرك بشكل أسرع بعد ان تم إزاحة الصدر من طريق الوصول الى القمة، لكن ليس لهذا التصور او التوقع معطيات على ارض الواقع، إذا لا تزال القوى الكردية مصرّة على طلباتها وشروطها التي أصبحت محل خلاف منذ أكثر من عقد.
يمكن ان نشبه الوضع الحالي القائم في البلاد، هو مثلما يشعر الشخص الذي يمتلك عجلة لا تمكنه من الوصول الى ابعد نقطة في الشمال او الجنوب، لكنه يطمح مع بعض التصليحات من الوصول، بينما الواقع يقول انها لا تصلح سوى لمشوار قصير لا يتعدى بضعة كيلومترات.
نفس الحال بالنسبة للعملية السياسية الحالية التي تأن من جميع النواحي ويتعامل معها الإطار وغيره من الجهات المشتركة في العمل الحكومي، على انها صالحة للعمل وقادرة على المضي من اجل تشكيل الحكومة في مدة لا تزيد على الشهر، وكأن الأمور تم تسويتها واقتربت ساعة الإعلان النهائي والحقيقي لتسمية رئيس الحكومة المقبلة.
الخطوة الصدرية الأخير المستفيد الأكبر منها هو الكيان الشيعي الذي وقف معاديا وصامدا بوجه الصدر حتى تمكن من إخراجه بعيدا عن اسوار عملية تشكيل الحكومة، رغم هنالك من يرجح إمكانية عودة الصدر لكن من بوابة تحريك الشارع وعدم ترك الأمور بمجملها تحت تصرف الإطار.
ويتحتم على الإطار التعامل مع المشهد البرلماني الجديد الذي عززهم بمقاعد مكنتهم من التحول الى المناورة المريحة مع الكتل الأخرى بما فيهم أصدقاء او حلفاء الصدر المنسحب من التشكيل، وهنا يكمن الاختبار الحقيقي للإطار الذي لهث كثيرا وراء التشكيل، وحرق في سبيل ذلك جميع أوراقه، ولم يتمكن من الوصول الى نهاية مرضية مع تعند الصدر الحازم وغير القابل للتفكيك هذه المرة.
الوضع الجديد يحتم على الإطار ان يراعي الأوضاع المحيطة فيه وكذلك المحيطة بتشكيل الحكومة، فهو امام ضغوطات سياسية أكبر وتحديات جماهيرية أوسع من السنوات التي مرت، ففي الفترة الأخيرة أطلق عليه الثلث المعطل، وتحول فيما بعد الى اللاعب القادر على ضبط التوازنات.
لكن في العراق لا يجوز الحكم على الأمور قبل حدوثها على الرغم من ان المؤشرات العامة لا تؤكد استفادة الإطار التنسيقي وقادته من الأخطاء السابقة والمكررة في الحكومات المشكلة برغبته او القبول عليها، اذ لايزال الإطار متمسك بالخطاب العقيم الذي صدره لنا منذ السيطرة على الحكومات عام 2005، فلا جديد في الأوضاع، الاجتماعات المكثفة والحوارات الدورية التي اعتادت عليها الجماهير باقية وتتردد يوميا.
نمر الآن بموسم تشكيل الحكومة أي قطف ثمار الانتخابات المبكرة التي مر على اجراءها أكثر من ثمان شهور، مع ثبات لغة الإطار التي تكرم الذات الحزبية وتثني على إنجازاتها الضعيفة او المعدومة، فتلك اللغة هي التي جعلت القوى تدور حول نفسها ولا تقدم أي إنجاز سوى الوعود الجوفاء الخالية من الإرادة الفعلية.
المماطلة من قبل التيار والتأخير الذي رافق تشكيل الحكومة الحالية، وضع امام قوى الإطار فرصة الضحك على الذقون مرة اخرى، عبر الوعود باقتراب تشكيل الحكومة، وكأن التشكيل بحد ذاته هو المبتغى ولا تتعامل معه على انه الوسيلة لخدمة الشعب، وليس غاية يتوقف عندها بمجرد ادراكها، ولذلك يحتاج الإطار في الوقت القادم الى خطابا مختلفا، يتمحور حول ما يمكن أن يقدمه للناس والمجتمع.
وبذلك يكون قد سن سنة حسنة تختلف عن السنن في السنوات الماضية، وسيكون إنجازا يقترب من حدود المعجزة النادرة عراقيا، اذ يبرهن بذلك الإطار وزعمائه أنهم في سلوكهم السياسي، مختلفون عما كانوا عليه في السابق، وأنهم تعلموا فعلا من تجارب الأخطاء الفادحة السابقة وعازمون على التخلص منها.
وإذا تمكن الإطار من النجاح في المضي بهذا الاتجاه الجديد فهذا يعني انه جاد في التغيير ويرغب بأحداث وضعا مختلفا أكثر إيجابية من السابق الذي لم يألف منه المواطنين سوى الفشل والخيبات المتكررة ولا نزال ندفع اثمان هذه الإخفاقات.
فرص النجاح الكبير للإطار التنسيقي في المرحلة القادمة، (فيما لو استطاع تشكيل الحكومة)، ستكون ضعيفة او منخفضة نسبيا عما يتوقعه الإطار ويروج له في الأوساط السياسية، فالإطار لا يمكن إتمام عملية التشكيل ما لم يحصل على الضوء الأخضر من الأطراف الأخرى المشتركة في الحكومات السابقة، وبالنتيجة نعود الى المربع التوافقي الأول والمحاصصاتي الذي يعتبر السبب الأساس والعامل الوحيد المانع من اتخاذ قرارات حاسمة يتحمل عواقبها حزب او جهة بعينها.
اضف تعليق