أغلق الكيان الصهيوني وزعماءه ومن ورائها أمريكا، بما تقدمه من دعم شبه مطلق لها، كل الطرق والسبل أمام المجتمع الدولي في تمكينه الشعب الفلسطيني، من التمتع بحقوقه التي أقرتها الأمم المتحدة، الأمر الذي لم يجد فيه الشعب الفلسطيني، من سبيل غير الإتجاه الى تدويل القضية الفلسطينية، إستناداً للقرارات...
بعد أربعة وسبعون عاما على حدوث النكبة حيث هجرت وطردت الآلاف من العوائل الفلسطينية قسرا من قراهم وبيوتهم، حيث خرجوا لا يحملون معهم سوى مفاتيح بيوتهم وآمال في العودة الى الديار.
في ذلك اليوم طرد الاحتلال اهالي 530 مدينة وقرية فلسطينية بالإضافة الى اهالي 662 ضيعة وقرية صغيرة ليكون الشعب الفلسطيني ضحية اكبر عملية تنظيف عرقي مخطط لها في التاريخ الحديث.
لقد استخدم الاحتلال لبلوغ مقاصده، اسلوبيين اولهما الترهيب والترغيب لجعل الجاليات اليهودية الموزعة على دول العالم تأتي الى فلسطين لتقيم المستوطنات وتقضم الاراضي العربية الفلسطينية شيئا فشيئا. اما الثاني فكان التقرب من الدول الفاعلة عالميا والتأثير عليها لعقد اتفاقيات واستصدار وعود تعترف بوجود حق يهودي في فلسطين فأصبحت الفرصة سانحة اما الحركة الصهيونية في اوائل القرن العشرين عندما بدأت علائم الموت تظهر على الامبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على المشرق العربي فاستغلّ اليهود ذلك الوضع لاستصدار وعد من بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهو ما عرف باسم “وعد بلفور”.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ونتيجة لاتفاقية سايكس، وقعت فلسطين تحت الانتداب الانكليزي المباشر، ما أعطى فرصة كبيرة لليهود بتفعيل هجرتهم إلى الأراضي الفلسطينية، حيث عملوا على إقامة عدد كبير من المستوطنات، وبدأوا تدريبات عسكرية لتشكيل عصابات سرية، تتسلح بأعتى أنواع الأسلحة لمحاربة شعبنا الأعزل.
لقد إغتصبت العصابات الصهيونية أرض فلسطين واعلن قيام الكيان الاسرائيلي المصطنع. بعد اعلان بريطانيا انهاء انتدابها على فلسطين في الخامس عشر من ايار مايو عام ثمانية واربعين بعد ان ساعدت في غرس جدور لليهود في ارض فلسطين، لتبدأ منظومة التيه والشتات والمأساة التي ما زالت تفرزها النكبة لتعمل على تغيير كل ما يمت إلى تاريخ فلسطين وجغرافيتها بصلة.
ومنذ ذلك الحين تعددت قرارات الامم المتحدة والمبادرات والحلول المطروحة التي تنكر لها الاحتلال بدءا من القرار الدولي مائة وواحد وثمانين الى القرار مائة واربعة وتسعين والقرار مائتين واثنين واربعين والقرار ثلاثمائة وثمانية وثلاثين وغيرها الكثير من القرارات والمبادرات التي تم اغتيالها في مهدها رغم توقيع عدة اتفاقيات اختلفت مسمياتها من كامب ديفد الى اوسلو ووادي عربة بالاضافة لجولات الحوار والمؤتمرات الاقليمية والدولية برعاية الحليف الاميركي، دون ان يتحقق اي تقدم يذكر في عملية تسوية مزعومة منذ النكبة وحتى الان.
لا.. بل على العكس من ذلك تمادت سلطات الاحتلال في غيها وطغيانها وعدوانها مترافقا مع المزيد من مصادرة الاراضي الفلسطينية وتهويدها لبناء وتوسيع المستعمرات وجدار الفصل العنصري بالاضافة الى سياسة العقاب الجماعي وزيادة الحواجز في الضفة الغربية المحتلة وتشديد الحصار على قطاع غزة لتدمير بناه التحتية والمجتمعية وتفكيك بنية المقاومة المسلحة، وفصل وعزل سكان فلسطين عن حقوقهم وممتلكاتهم الحيوية اليومية وحرمانهم من التواصل مع عمقهم الاجتماعي الفلسطيني والعربي والاسلامي.
تطل علينا ذكرى النكبة الأربعة والسبعون، وما زال الخطر الصهيوني ماثلا أمامنا، وحلقات المؤامرة من أعداءنا ما زالت مستمرة على وضعنا الفلسطيني ومشروعنا الوطني المقدس، فما يحدث الآن في محافظاتنا وأراضينا الفلسطينية من عدوان إسرائيلي وحشي وغاشم وسافر، وتحت مسمع ومرأى من أحرار وشرفاء العالم، يشير لخطورة الوضع وهذا الأمر يتطلب منا قدرا كبيرا من الإستعداد والحذر واليقظة والمواجهة لما هو آت.
يعود يوم الخامس عشر من أيار حاملاً معه ذكرى جرح الإنسانية الأكبر، جرح فلسطين الطاهر، فلسطين التي لم تستكين او تلين او ترفع الرايات البيضاء للمحتل منذ أن دنسها برجسه عام 1948م، فذكرى نكبة فلسطين، يوم أن هُجِّر شعبٌ عربيٌ مظلومٌ عن أرضه، وأُعلن عن قيام دولة الشر والعدوان المسماة اسرائيل، ومنذ ذاك العام وحتى يومنا الراهن يعاني الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة ويلات هذه الغدة السرطانية، فالسرطان الإسرائيلي مرضٌ مميتٌ لا حل له سوى استئصاله من الأرض الفلسطينية والعربية.
تمر ذكرى النكبة والتي يستذكرها المجتمع الدولي بإستحياء، وكأنها مجرد حدث عابر في التاريخ، فلقد مرت قرابة سبعة عقود على ذلك اليوم المشؤوم، يوم أقرت الشرعية الدولية بإنهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين وإقامة ثلاث دول على أراضيه، وفقاً لقرارها المرقم 181 في عام 1947 وهو القرار المعروف بقرار تقسيم فلسطين المشؤوم، والذي يشكل نقطة سوداء في جبين المجتمع الدولي، الذي ما زال عاجزاً عن تمكين الشعب الفلسطيني، من التمتع ولو بالحد لأدنى من حقوقه بموجب ذلك القرار، في وقت منحت فيه دولة إسرائيل كل الفرص والإمكانات التي سمحت لها بالتمدد عرضاً وطولاً في الأراضي الفلسطينية، على حساب الوجود الفلسطيني، وأصبح الإستيطان السرطاني، هدفها الأول والأخير.
لقد أغلق الكيان الصهيوني وزعماءه ومن ورائها أمريكا، بما تقدمه من دعم شبه مطلق لها، كل الطرق والسبل أمام المجتمع الدولي في تمكينه الشعب الفلسطيني، من التمتع بحقوقه التي أقرتها الأمم المتحدة، الأمر الذي لم يجد فيه الشعب الفلسطيني، من سبيل غير الإتجاه الى تدويل القضية الفلسطينية، إستناداً للقرارات الأممية، وفي مقدمتها حق تقرير المصير، وحق العودة، وهو الخيار الأكثر واقعية في الظروف الراهنة، الأمر الذي أكده الرئيس الفلسطيني الأخ محمود عباس في إحدى خطاباته، وتعتبر الشروط الثلاثة التي أعلنها للعودة الى المفاوضات، بمثابة مفاتيح عملية يمكن من خلالها، التوصل الى حلول أكثر واقعية لحالة الجمود التي تعاني منها قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في نفس الوقت، الذي تسبر فيه، حدود المصداقية لنوايا الأطراف التي يهمها إيجاد الحلول الواقعية، للقضية الفلسطينية، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها دولتا أمريكا وإسرائيل، وهو ما أجمله الرئيس ابو مازن فيما يأتي: «العودة الى المفاوضات تتطلب ثلاثة شروط هي: وقف النشاطات الاستيطانية، وإطلاق سراح الأسرى وخصوصاً الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، ومفاوضات لمدة عام ينتج منها تحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال خلال مدة لا تتجاوز نهاية العام.
إن صراعنا حاليا مع حكومة الإحتلال الصهيوني، هو ما يتركز حول محاولته كسر الإرادة الفلسطينية وإستحقاقاته السياسية، ليقع هذا الإستحقاق في شباك الحلول الإسرائيلية الطويلة الأمد، والتي تنطوي في حقيقة الأمر على شطب القضايا المركزية لشعبنا الفلسطيني، الأمر الذي يرفضه شعبنا وقيادتنا الوطنية الفلسطينية دوما، سواء بالأفكار التي وردت لدى” شامير وشارون وبيريس وباراك مرورا بأولمرت وتسيفي ليفني ونتنياهو” أو بالأفكار الأكثر تعنتا وصلفا والتي ترد الأن في عقلية بينيت ولابيد وغانتس.
إن الموقف الأمريكي المنحاز الآن تجاه اسرائيل والذي يعطي ويساعد نتنياهو بإجرامه وعدوانه، ويتجه بالعنف نحو المنطقة جمعاء وخصوصا الشعب الفلسطيني، ضمن عملية مفتوحة من خلال، إجبار شعبنا الفلسطيني على التنازل عن سقفه السياسي، وإضعاف قوى وأركان القيادة الفلسطينية لتصبح آيلة للسقوط بمعادلة ممكنة أو سهلة، وتنطلق هذه المحاولة من صلف القوة والتفرد، وخاصة في ظل العلاقات الدولية الجديدة وإنهيار أغلب النظم العربية السريعة والسهلة، وطغيان الإعتبارات والمصالح المتعلقة بوضعية ودور اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة واوروبا، الولايات المتحدة تفتح الباب على مصراعيه.
وبالمقابل فإن القيادة الفلسطينية وشعبها وقواه الوطنية أيضا تبذل كل المجهودات ولكن على قاعدة واحدة الجاهزية التامة لمواجهة قدرهم الذي قدرة الله لهم، وسلاحهم الاساسي في هذه المرحلة الحاسمة هو تصميمهم وإستعصاء الرقم الفلسطيني الصعب، وإنه لا فارق في نهاية الأمر بين نهاية ونهاية إلا بالكرامة والإباء والشموخ والفداء والإستشهاد، فلقد أظهر الشعب والقيادة الفلسطينية، ثباتا حازما إزاء حقوقهم الوطنية المقدسة والتي تهمهم، وما زال الموقف الأسطوري موجودا لدى القيادة الفلسطينية والمستمرة في ثباته في كل الظروف والأوقات، لأنهم يعون ويدركون جيدا أن المطلوب إسرائيليا وأمريكيا يخترق الحد الأدنى لحقوقهم الوطنية الفلسطينية.
لذلك يجب إن ينصب نضالهم الآن على عدم الوقوع في مراهنة بينيت وحكومته ومستوطنيه في إستهداف وتخريب وإضعاف الجبهة الداخلية الفلسطينية والبيت الوطني الفلسطيني، والتمسك بقوة بترتيب وتعزيز وتقوية الداخل الفلسطيني من خلال الإسراع فورا في إنهاء الإنقسام البغيض وإتمام المصالحة فورا بين حركتي فتح وحماس وتشكيل حكومة وحدة وطنية قوية، والسير على خط متوازن ودقيق بالمحافظة على أعلى درجات التفاهم الفلسطيني الفلسطيني، وفي الأحيان الأخرى على نوع من أنواع الإستجابة لبعض الإستحقاقات الوطنية، لتجنب العزلة الدولية مع قضيتنا أو التعارض مع العالم أجمع.
إن الصمود الفلسطيني الأسطوري في وجه أعتى ترسانة عسكرية إسرائيلية على وجه البسيطة، يجب أن يتجسد في نيل الحرية والكرامة والإستقلال، وفي إنجاز أهداف هذا الصمود المتمثل بحقوقنا. فمن الطبيعي أن تتم مواجهة هذا الصلف والتعنت الإسرائيلي بصلابة وعنفوان، لذلك يجب أن يكون الكل الفلسطيني واعين ومتمسكين بقرارات القيادة الفلسطينية وعلى القيادة والفصائل والقوى الإسلامية والوطنية، تجنب الفخ الكبير الذي يحاول بينيت وعصابته في الحكومة الإسرائيلية أن يوقعوهم به.
وهنا يجب أن ندرك ونؤكد على أن خط الانتفاضة الباسلة والمقاومة المشروعة للإحتلال هو الخط الاساسي لصمود ووحدة شعبنا الفلسطيني، وأن تنقية هذا الخط من الشوائب في التفاصيل هنا وهناك، ومن سلبيات في الأداء أحيانا هو أمر أساسي، كذلك يجب أن نلتزم بقيمنا النضالية من ناحية، وبضبط الأداء والعمل والتكامل من الناحية الأخرى، بكل معانيها، لأن القيم النضالية الإنسانية هي من خصائص المقاومة المشروعة والنضال العادل، ولان ضبط الأداء من مستلزمات خوض الصراعات، فلا يجوز أن تتعارض مجهوداتنا، وأن تصب جميعها في اللحظة المطلوبة في قناه التوجه المطلوب، وإلا فإن تعارض مجهوداتنا يؤدي إلى فقدان اهدافنا وتدمير إمكانيات الحصاد الذي تم إنجازه، وبالتالي يرتد بالنتائج السلبية الخطيرة علينا، وعلى الكل العربي أن يدرك ان أوراق قوتنا الأساسية ما زالت بأيدينا، وأن شعبنا الفلسطيني غير قابل للخضوع أو الخنوع أو الإنحناء أو الإستسلام، وأن الحرب النفسية ومحاولات التدمير المعنوي وفرض بعض الطروحات والأفكار في مزادات التخبط السياسي والإشاعة والتخويف، هي زبد سيذهب جفاء، وهي أعراض سيغمرها بحر الصمود الفلسطيني.
في هذا اليوم، ونحن نعيش ذكرى النكبة الفلسطينية، ينبغي علينا أخذ الدروس والعبر من التاريخ، وأن نقيم ظروفنا جيدا، وأن ندرك المخاطر المحدقة بنا وبقضيتنا جيدا، والذي يتطلب أمانة المراجعة لما هو سلبي، والإستمرار فيما هو إيجابي لصالح الوطن والقضية، وان نحافظ على وطننا وشعبنا ومؤسساتنا ومقاوماتنا برموش عيوننا، وأن نستمر في الصمود وفي رسوخ الإرداة والتصميم، وأن ندرك إنه كلما اقتربنا من نهاية النفق ولاح لنا بصيص النور، ازداد الإحتلال الصهيوني وقادته ومستوطنيه صلافة وتعنتا وسفالة.
آخر الكلام:
إن استمرار الانقسام والإصرار على الدوران في فلكه هي أكثر ما يهدد شعبنا ومشروعه الوطني، وقد أصبحت تداعياته خطرا كارثيا ينذر بتمكين القوى المعادية من الانقضاض على حقوق شعبنا الوطنية وتبديد الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة لشعبنا في كافة أماكن تواجده، وإضعاف مقومات صموده، الأمر الذي وجد تعبيراته في العديد من المظاهر التي باتت تثير قلقا في أوساط شعبنا وفي المقدمة منها حالات القتل والإنتحار وهجرة العديد من ابناء شعبنا خارج الوطن.
اضف تعليق