q
بعد عشرة سنوات من تصريحات الشهرستاني، تحولت مقولة "تصدير الكهرباء" إلى وسيلة للتندر وانتقاد الحكومات المتعاقبة في العراق لكونها تقول ما لا تفعل. اعتاد الشعب العراقي على أزمة الكهرباء، لم يعد الأمر خياراً يمكن تغييره أو المطالبة بذلك، إنما هو مصير محتوم، "الكهرباء لا تتحسن...

ما يزال الشعب العراقي يتذكر تصريحات نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة في حكومة نوري المالكي الثانية السيد حسين الشهرستاني، التي قال فيها أن الحكومة لن تحل مشكلة الكهرباء فحسب، بل ستقوم بتصدريها.

أطلق الشهرستاني تصريحاته في الأول من أبريل نيسان عام 2012، في سياق إعلانه عن توقيع الحكومة لعقود تمهد لرفع قدرة العراق على إنتاج الطاقة الكهربائية محلياً إلى حدود 20 ألف ميغاواط، مقارنة بنحو 15 ألف ميغاواط يتوقع أن يصل إليها الإنتاج نهاية هذا العام.

في ذلك العام (أي 2012) وَعَدَ الشهرستاني بتجهيز الشبكة الوطنية بنحو تسعة آلاف ميغاواط، مقابل الطلب الحالي (عام 2012) البالغ نحو 14 ألف ميغاواط، وهذا يعني تقلص نقص التجهيز بحدود خمسة آلاف ميغاواط.

ليس هذا هو المأمول من خطة الحكومة، كانت تأمل أن يصل إنتاج الكهرباء نهاية عام 2013 إلى 20 ألف ميغاواط.

لو وصل العراق إلى هذا الهدف كان بمقدوره تلبية حاجة البلاد من الطاقة بالكامل، والحديث هنا للشهرستاني، بل ونسعى (كما قال الشهرستاني) إلى تصدير الفائض إلى الاسواق المجاورة.

بعد عشرة سنوات من تصريحات الشهرستاني، تحولت مقولة "تصدير الكهرباء" إلى وسيلة للتندر وانتقاد الحكومات المتعاقبة في العراق لكونها تقول ما لا تفعل.

اعتاد الشعب العراقي على أزمة الكهرباء، لم يعد الأمر خياراً يمكن تغييره أو المطالبة بذلك، إنما هو مصير محتوم، "الكهرباء لا تتحسن"، ولا تسأل عن الأسباب والحلول المقترحة، فقد تحدث الجميع عن مسارات الأزمة ولم نتقدم.

صرفت الحكومات العراقية مليارات الدولارات ولم يتغير حال الكهرباء إلا بشكل بسيط، وأصبح تجهيز المولدات الأهلية أكثر من تجهيز الكهرباء الحكومية.

الحركات السياسية والتظاهرات كانت أزمة الكهرباء أحد أهم المغذيات لها، لما لها من تماس مباشر مع حياة المواطن، لا سيما في فصل الصيف.

في عام 2012 أعطى الشهرستاني وعداً بالاكتفاء الذاتي وتأمل تصدير الفائض، وفي عام 2019 تعقدت أزمة الكهرباء أكثر، وصار العراق هو المستورد للكهرباء بشكل مباشر أو غير مباشر.

فالعراق يحتاج إلى الغاز من أجل تشغيل محطات التوليد وهو غير متوافر محلياً لذلك فإن 23 بالمئة من الكهرباء التي انتجها العراق عام 2019 كانت بإمدادات الغاز الإيرانية، بينما استورد خمسة في المئة من حاجته من الكهرباء في ذلك العام.

ولتغطية العراق بالطاقة الكهربائية يحتاج إلى 30 ألف ميغاواط بينما ينتج الآن نحو 20 ألف ميغاواط بما فيها الكهرباء المنتجة اعتماداً على الغاز الإيراني.

وتتحدث الحكومة العراقية عن مذكرات تفاهم واتفاقيات مع دول الجوار بشأن الربط الكهربائي لتزويده بالطاقة، لكن ذلك لا يقنع المواطنين ولا الخبراء المتابعين لأزمة الطاقة، فالوعود كثيرة والتطبيقات نادرة.

قد تكون أزمة الطاقة مدخلاً مهماً لفهم ما يجري في العراق، الموارد وحدها لا تكفي لتفسير الواقع، فإذا تحدثنا عن الموارد النفطية والغاز فالعراق من ضمن الدول الأكثر حيازة للاحتياطات النفطية والغازية.

وإذا تحدثنا عن الموارد المالية فالمال هنا متوافر بشكل يفوق التصور.

أما إذا تحدثنا عن توافر العقول القادرة على إدارة ملف الكهرباء فهي كثيرة ومن السهل تجميع المهندسين العراقيين ليقوموا بواجبهم وحل الأزمة.

هذه التساؤلات ليست لكاتب المقال، بل هي تساؤلات مطروحة في الشارع العراقي الذي أصبح خبيراً في شؤون الطاقة من شدة تأثره بالحالة السيئة للكهرباء.

القضية تتعلق بجانبين:

الأول غياب الإرادة السياسية لدى القوى العراقية المتحكمة في قرار الدولة، لذلك هي تطلق التصريحات متى شاءت من أجل إرضاء الجمهور وقتياً لا أكثر.

الثاني تأثير الصراعات الإقليمية والدولية واستغلالها لحالة الانفلات لدى منظومة الحكم في البلاد، لتحاول الدول الإقليمية والكبرى ربط مصير العراق بها متى وجدت فرصة لذلك، ومنها ملف الكهرباء الذي جعل العراق رسمياً في موقف الرهينة لدى الخارج.

والآن علينا أن لا نحتفل باستيراد الكهرباء من أي دولة كانت، فهي لن تحل المشكلة، بل تعقدها أكثر، وتربط مصيرنا بالدول الأخرى وتبدد مواردنا وموارد الأجيال اللاحقة.

نحن شعب يعرف أن ممارسات السياسيين وقراراتهم خطيرة في أغلبها، وتدمر ولا تبني، التصريحات مختلفة عن التطبيقات على أرض الواقع، وإذا كانت تصريحات الشهرستاني قد تحولت وسيلة للتندر، فقد تصبح اتفاقيات الربط الكهربائي مع دول الجوار وسيلة لتحطيم ما تبقى من سيادة العراق.

اضف تعليق