لقد بات العراق رهينة بأيدي البندوليين الجدد لذا يصعب جداً توقع أي نجاحات قادمة ما دام المتحكمون بفضاء السياسة والاعلام والسوشيال ميديا هوائيون، ومتبدلون، ومتطرفون وخاضعين لقوة المصلحة الذاتية او التنويم المغناطيسي اللاشعوري المسير بالطائفية والحزبية والقومية واللاعقلانية، وما داموا يبررون هذا التبدل أو يغلقون أذهانهم أمام سيل الحقائق...
تعرّف الحركة البندولية في الفيزياء بأنها الحركة التي تكرر نفسها كل فترة زمنية، وتكون سعة اهتزاز الحركة ثابتة. عقرب الساعات الجدارية التقليدية الكبيرية الذي يبقى يهتز يميناً ويساراً كل ثانية هو أحد امثلة الحركة البندولية المعروفة.
عرف التاريخ السياسي والاجتماعي كثير من البندوليين الذين طالما تأرجحوا يميناً ويساراً لا لمرة واحدة أو مرتين بل ظلوا دائمي الازاحة والتبدل بحسب الكتلة المحرّكة لهم والتي يجهلونها ولا يشعرون بها في كثير من الاحيان.
لقد كانت المصلحة الشخصية هي غالبا ما تحرك البندوليين القدامى، وكانوا غالباً ما يتواجدون حول السلاطين واصحاب القرار يزينون لهم قراراتهم ويبررونها لهم حسب الاهواء. هؤلاء كانوا قلة تحركهم الاموال والسلطة.
أما البندوليون الجدد فقد انتشروا في كل مكان حتى باتوا ظاهرة. فانت تراهم على شاشات التلفاز، وعلى منصات التواصل وكل قنوات الاعلام المرئي والمسموع، وفي اروقة البرلمان، ودهاليز قصور الرئاسات الأربع وأروقة السلطات الثلاث، حتى باتوا أكثر من (الهَم على القلب)!
يبدو ظاهراً ان هناك تشابهاً بين البندوليين والنفعيين، لكن هناك فرق مهم بين الاثنين. النفعيون يغيرون آراءهم لمصلحة شخصية كالمنصب او المال أما البندوليون الجدد فهم من يغيرون أهواءهم وآراءهم ليس فقط من أجل المصالح الذاتية بل بسبب العقائد الفكرية او المتبنيات الطائفية أو القومية أو سواها مما يعتقدون انهم يجب ان يدافعوا عنه لحفظ الملة او الجماعة التي ينتمون لها. بمعنى ان كل النفعيين بندوليين لكن ليس كل البندوليين نفعيون! أن أهم ما يميز هؤلاء هو:
1- هناك قوة أكبر منهم، قد يعلمونها او هم مغيبون عنها او منوَّمون مغناطيساً تجاهها هي التي تحركهم. ومثلما في الفيزياء فأن قوة وسرعة الازاحة في آرائهم واتجاهاتهم تعتمد أساسا على حجم تلك القوة ومقدار ايمانهم بها. أن تغيير آراء بعض البرلمانيين الذين صوتوا على قانون الامن الغذائي بهذه السرعة بعد ان كانوا يعدّوه جريمة كبرى هو خير مثال على التحكم الآلي بهم، سواء عرفوا ذلك فبرروه أو جهلوا ذلك فمرروه.
2- هوائيون. بمعنى ان البندوليين يعتمدون الهوى لا العقل في آرائهم. وأهم آية لذلك الهوى أنهم يعرفون الحق بالرجال (او المصدر) بدلاً من العكس. فالصدق الظاهري، كما يسمى بلغة العلم، أهم عندهم من صدق المحتوى.
وعنعنة الحديث أو من رواه أهم لديهم من معقوليته وصدق محتواه. هم يحبون-وأحياناً يعبدون-الاشخاص لا الافكار والمبادئ والقيم. تراهم يؤيدون او ينفرون مما يكتبه أو يقوله فلان قبل ان يقرأوا أو يعوا ما كُتب. فما يقوله فلان هو صدق دائم وما ينطق به علّان هو كذب دائم.
3- عدم الثبات. هم كعقرب او رقاص الساعة لا يثبتون على مبدأ ولا على موقف وكل شيء عندهم متغير. وياليتهم يتغيرون لنضج فكري أصابهم أو لاطلاعهم على حقائق أو وقائع جديدة. انهم يتغيرون لأن الهوى تغير أو(الأرباب) تغيروا.
4- التطرف. أن أخطر ما في حركة وتغير هؤلاء انها كعقارب الساعة لا تنتهي الا عند أحد الطرفين ويستحيل ان تتخذ من الوسط موقفاً لها. أنهم كالمنافق أذا خاصم فَجَر، وهم كالمداهن أذا صاحَبَ أقَرْ. لذا تراهم متطرفين في تأييدهم ومتطرفين في رفضهم.
يعاني البندوليون الجدد من ظاهرة ما يسمى في علم النفس بالتنافر الادراكي Cognitive dissonance حيث يجد المرء نفسه في مواجهة قاسية مع التناقض الذي يشعر به بين أفكاره الجامدة أو منافعه المتقدة وبين الواقع الذي يعيشه. فهو من جهة مؤمن بصنمه المعبود (سواء شخص او فكرة أو عقيدة أو مصلحة) ومن جهة أخرى يرى الواقع والحقائق التي تتناقض مع ما يعبد او يرغب. لذا تجده يلجأ لآليات نفسية تريحه من هذا التناقض، كالقول مثلا ان هذا القانون او ذلك القرار مبرر في ضوء الواقع الحالي.
أو تجده يغلق عقله أمام الحقائق المدركة في الواقع وينسحب رافضاً الاستماع لأي فكرة او معلومة مغايرة، فيقول لك :(خلاص لا اريد سماع المزيد). أو أنه يلجأ لآلية لي عنق الحقائق المدركة كي يجعلها تتناسب مع أفكاره ومعتقداته ومتبنياته.
لقد بات العراق رهينة بأيدي البندوليين الجدد لذا يصعب جداً توقع أي نجاحات قادمة ما دام المتحكمون بفضاء السياسة والاعلام والسوشيال ميديا هوائيون، ومتبدلون، ومتطرفون وخاضعين لقوة المصلحة الذاتية او التنويم المغناطيسي اللاشعوري المسير بالطائفية والحزبية والقومية واللاعقلانية، وما داموا يبررون هذا التبدل أو يغلقون أذهانهم أمام سيل الحقائق الذي يثبت ان كل متبنياتهم خاطئة وتحتاج لتعديل.
اضف تعليق