نظرياً يصعب استمرار السياسي في موقعه إذا عمل بالطريقة التي يمارسها مشعان الجبوري، لكن ظاهرة هذا الرجل جديرة بالملاحظة والتقصي والدراسة، وهنا لا أريد التنكيل بالرجل بقدر ما أود التأشير على ظاهرة وجوده، وتقلب مواقفه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومع كل انقلاب له يزداد قوة وسلط...
يتقلب بين الأبيض والأسود، كلامه في الليل يختلف عن فعله في النهار، عدوه صديقه والعكس صحيح، لا يستقر على حال واحد، يترحم على الديكتاتور صدام في الفضائيات العربية، ثم يعود لمديح عدو صدام قائد فيلق القدس قاسم سليماني عبر الفضائيات العراقية.
يؤسس فضائية الزوراء فيجعلها منبراً للدعاية ضد التواجد الأميركي في العراق خلال السنوات الأولى من احتلال العراق، يُنتخب عضواً في البرلمان العراقي الذي لو لا الوجود الأميركي لما استطاع أي عراقي تأسيس برلمان، والبرلمان والانتخابات نتيجة طبيعية لمرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي.
بكلمات أخرى، عارض مشعان الجبوري الوجود الأميركي ومخرجاته، لكنه كان جزءاً من هذه المخرجات، وبالطبع له تبريراته التي يعرف جيداً عدم قناعة أحد بها.
وحتى يتسع المقال لشرح "الظاهرة المشعانية"، فهذا السياسي كثير التغيير تهجم وبشدة ضد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي قبل بضع سنوات، فجأة عاد وتحالف معه وأطلق عليه "السيد الرئيس"، وأصبح المدافع الأول عنه وعن اتجاهاته السياسية، بما فيها تحالف السيادة الطامح للاستحواذ على الرئاسات الثلاث، بينما بدأ يطعن بخصوم الحلبوسي ويتهجم عليهم بالفضائيات.
تكتمل دورة الفصول الأربعة للسياسي المخضرم مشعان الجبوري، يحل موسم الجفاف بينه وبين الحلبوسي، يتطاير الغبار المشعاني ليغطي وجه الحلبوسي بتوصيفات حادة وقاتلة.
لقد جفت منابع السلطة لدى مشعان الجبوري حينما صدر قرار من المحكمة الاتحادية العليا لتجرده من حصانته البرلمانية وتعلن طرده نهائياً، وذلك لعدة أسباب منها تمجيد حزب البعث ودعم الإرهاب وتزوير شهادته الدراسية.
كيف يستمر؟
نظرياً يصعب استمرار السياسي في موقعه إذا عمل بالطريقة التي يمارسها مشعان الجبوري، لكن ظاهرة هذا الرجل جديرة بالملاحظة والتقصي والدراسة.
وهنا لا أريد التنكيل بالرجل بقدر ما أود التأشير على ظاهرة وجوده، وتقلب مواقفه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومع كل انقلاب له يزداد قوة وسلطة ولا تضعف هيبته السياسية.
لقد فهم مشعان الجبوري قاعدة العمل السياسي في العراق، وهي بالمختصر "إن لم تكن زعيماً صرت عبداً، ومن يكن عبداً لا يستطيع أن يخالف زعيمه وقد يتم التخلي عنه في أي لحظة وهذا ما لا يروق إلى مشعان الجبوري".
صحيح أن الجبوري ليس زعيماً سياسياً بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنه صنع لنفسه اسماً معروفاً في منظومة السلطة الحاكمة، واستطاع تثبيت أقدامه بقوة بحيث لا يستطيع أحد إبعاده.
يستطيع الجبوري التأقلم مع ظروف الصراع في العراق، وهو يعرف جيداً أنه في ظل الصراع الشرس على السلطة لا يمكن إلا أن تكون ذئباً وإلا أكلتك الذئات.
مثلما تتأقلم الكائنات الأخرى مع الظروف القاسية طور الجبوري نظامه الخاص ليستطيع مواجهة العواصف العاتية والتغيرات المفاجئة وظروف المتباينة في منظومة السلطة الحامة في العراق.
وليس الجبوري وحده الذي يعمل بالطريقة التي نراه فيها، إنما كل من يعمل في منظومة السلطة يمارس نفس ممارسات الجبوري، الكل يريد أن يصير ذئباً حتى لا تأكله الذئاب.
الفرق بين الجبوري وغيره هي الصراحة المفرطة لدى الجبوري، والتستر المفرط لدى غيره، فعندما ينقلب الجبوري على من انقلب عليه يعلنها بسرعة بدون تردد، بينما غير الجبوري يحاول جمع كم كبير من المبررات حتى يذهب في مسار سياسي جديد.
هناك من يؤسس حزباً جديداً ويرفع شعارات الديمقراطية وحقوق الشعب وغيرها، ويزعمون أن السياسة تدور حول تقديم الخدمات للشعب، أما مشعان الجبوري فهو يجعل السياسة تدور حول نفسه وبناء شخصيته وتجديدها باستمرار.
يعرف مشعان الجبوري أكذوبة الشعارات السياسية المرفوعة، ولديه قناعة بأن الشعب يعرف أن الشعارات هي مجرد شعارات لا أكثر، كما يعرف التفاف جزء من الشعب حول الشخصيات الجدلية وهذا ينفعه لتكوين قاعدة شعبية تنفعه في تحقيق ما يريد وتدعيم مكانته بين السياسيين.
اضف تعليق