وبما ان العراق يمر بما يسمى الانسداد السياسي في الفترات الماضية، فان من المتوقع ان ينتقل هذا الفيروس الى الجسد اللبناني والتغلغل، طالما جميع الأطراف تستعد لمعركة اثبات الأقوى، ومن المؤكد ووفق المعطيات الموجودة حاليا من الصعب تمرير عملية تشكيل الحكومة اللبنانية بهذه السهولة...
لغة الأرقام هي اللغة الوحيدة التي لا تعرف التأويل ولا تقبل التضليل، فهي من تثبت الحقائق وتعطي لكل كيان سياسي او حزب حقه وثقله الانتخابي، وبعد الأرقام التي ظهرت عقب الانتخابات اللبنانية تبين حجم الخسائر التي منيت بها الجهات الموالية لإيران، مثلما حصل ذلك في العراق وهنا تتعرض الجمهورية الإسلامية الى كسر بالعظم مرتين قد يؤدي الى مضاعفات أخرى لا يمكن معالجتها في الأيام القادمة.
تنظر إيران الى دول المنطقة على انها الباحة السياسية التي تستطيع ان تنفذ فيها برامجها التوسعية والاهداف المرسومة وتعمل على تحقيقها بالتعاون مع الدول الأصدقاء والتي تطمح ان تكسب ودها لتكون ظهيرا لها، اثناء محاولتها إضعاف المحور الآخر المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية والدول الاوربية المتحالفة معها.
تكرار السيناريوهات في العراق ولبنان يدفع بنا الى تصور الكثير من الاحتمالات القادمة، ويعني ان إيران ربما تفقد جزء كبير من قوتها بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية اللبنانية، فبعدما خسر حلفاء إيران من الأحزاب الشيعية في الانتخابات العراقية الأخيرة، تعرضت الأحزاب الموالية للجمهورية في لبنان لنفس الانتكاسة.
وهنا يتولد لدى المتابع للشأن الدولي والتحولات في السياسات العامة بالمنطقة انطباع ان إيران تتعرض في المرحلة الحالية الى محاصرة واضحة من المحور الغربي الذي يعول على تقليم اضافرها في المنطقة، ويسعى جاهدا لزلزلة الأرض من تحتها.
في معاير القوى الدولية تعتبر من عناصر القوة هي الاعتماد على ركيزة أساسية من الحلفاء والأصدقاء، وقد انتهجت إيران هذا النهج ووسعت خططها التوسعية ورسخت نفوذها في الدولة الأكثر تأثيرا على المنطقة وهي كل من العراق وسوريا، الذين تحولا الى سوق لتصريف البضائع والسلع الإيرانية.
التشابه الكبير في الأوضاع القائمة بالبلدين، (لبنان والعراق)، أدت الى ظهور نخبة شبابية منتفضة ورافضة لما وصلت اليه البلاد من تدهور في الحالة الاقتصادية، اذ يعيش اغلب الشعب اللبناني تحت خط الفقر، فضلا عن الارتفاع الفاحش بقيمة السلع والخدمات مقارنة في السنوات الماضية.
هذه الأوضاع المرتبكة خلقت نقمة شعبية داخلية، وساد الاعتقاد بان الإرادة الدولية المتمثلة بالتحركات الإيرانية هي من تقف وراء الدمار الذي تعيشه لبنان والعراق الذين يحتويان على حركات سياسية وجهات لها ارتباط وثيق مع إيران وتأخذ اغلب توجيهاتها من الجارة التي تحرص على تقوية نفوذها دون مراعاة الشؤون الداخلية لتلك البلدان.
وانا اكتب بهذه السطور تضع الذاكرة امامي جميع المشاهد التي اخذت حيزها بأذهاننا طيلة الفترة السابقة، فلا يختلف ما حصل بلبنان مطلقا عن الذي جرى في العراق بعد الانتخابات المبكرة التي أجرتها حكومة مصطفى الكاظمي، وقد كانت المعركة الانتخابية على أشدها رغم انخفاض نسبة المشاركة فيها وبروز وجوه جديدة مقابل الوجوه العجوزة التي ارتبط وجودها في البرلمان اللبناني.
العمليتان الانتخابيتان في العراق ولبنان اثبتا مدى فساد النخبة السياسية التي تحكم البلدين، وسيطرة الأحزاب المتنفذة والقريبة من إيران على مقدرات الافراد والتحكم بمجريات الاحداث في البلد، كما انههما اكدا إمكانية تجمع القوى المتناثرة على أطراف عدة لتقويض الوجود الإيراني والتقليل من تأثيره على مرافق العملية السياسية، وبالتالي تقل او تضعف فاعلية التدخل في الشؤون الداخلية الحساسة.
وبما ان العراق يمر بما يسمى الانسداد السياسي في الفترات الماضية، فان من المتوقع ان ينتقل هذا الفيروس الى الجسد اللبناني والتغلغل، طالما جميع الأطراف تستعد لمعركة اثبات الأقوى، ومن المؤكد ووفق المعطيات الموجودة حاليا من الصعب تمرير عملية تشكيل الحكومة اللبنانية بهذه السهولة، في الوقت الذي خسر فيه حزب الله بعض مقاعده مقابل تزايد عدد مقاعد الجهات المخاصمة لإيران.
إيران تتابع ما جرى في العراق ويجري في لبنان وتعي تماما نسبة السخط الموجه لحلفائها في البلدين، ويبقى عليها ان تدرك حجم الخطر الذي يحيط بسياستها ومصالحها الخارجية وما ستؤول اليه الأوضاع بعد الإفلاس النسبي والخسارة الثانية لأصدقائها في الحكومتين، والمطلوب منها في المرحلة القادمة الوقوف على مكامن الخلل وتلافي المشكلات في المرحلة الحالية التي ان لم تعالجها ستنتقل المصاعب الى مرحلة أكثر تعقيدا، ويصعب عليها جبر العضم المكسور.
اضف تعليق