تصنع السياسة ما تشتهي، وفي حالتنا الراهنة لا يكون السياسي مسؤولا عن اي شيء، هو مشغول بامتيازاته وحمايته وعالمه الوردي، وحين يجلس في وزارته يشعر بانه يمتليء بالأمان، انه امان السياسي الذي فصل نفسه عن عالم البسطاء هناك في العشوائيات، والارصفة والموت المجاني في اروقة مستشفيات بلا خدمة حقيقية...
هل تعلمنا السياسة كيف نحقد على بعضنا، اظن ان الاجابة الدقيقة نعم، نقول دائما هناك من يريد خلق فتنة طائفية، ما معنى هذا؟ معناه ان هناك خزينا مدفونا من القش الطائفي سهل جدا اشعاله، الحقد بعبارة ادق يشبه وسادة من الديباج تنتظر شرارة لتصبح النار حريقا.
الاطفال والمجانين والمرضى على فراش الموت لن يخزنوا الحقد، ويمتصوه كما تمتص الخلايا الفيتامينات، عندنا تقوم السياسة بتعليمنا كيف نحقد، وكيف نصبح معلمين جيدين لهذه الخصلة القبيحة.
اليكم الخلطة السحرية: يتحدث السياسي باسم المكون والطائفة والقومية بحماس تمثيلي، ثلاثة اصناف لن يهتموا لكلامه، الاطفال المرضى على فراش الموت والمجانين، يبقى هناك من يصدق ويتطوع لحمل شعلة الحقد على الاخر، هذه وظيفة جديدة يقوم بها الانسان ليخدم السياسي الفاسد.
اذن هل نحن في مأمن؟ لا اظن ذلك فالحياة من حولنا تفتقر الى ابسط اسباب الراحة والأمان، وغالبا ما يحس المواطن بانه يعاني من شعور بالقلق لا ينتهي، وقد لمست هذا الشيء لدى من التقي بهم في مواقف عابرة.
تصنع السياسة ما تشتهي، وفي حالتنا الراهنة لا يكون السياسي مسؤولا عن اي شيء، هو مشغول بامتيازاته وحمايته وعالمه الوردي، وحين يجلس في وزارته يشعر بانه يمتليء بالأمان، انه امان السياسي الذي فصل نفسه عن عالم البسطاء هناك في العشوائيات، والارصفة والموت المجاني في اروقة مستشفيات بلا خدمة حقيقية.
في حديث اي مواطن هناك معاناة جماعية كبيرة، لا وجود لمشكلة فردية خاصة بالانسان العراقي، اي شخص يتحدث فهو لسان حال الجميع لان الخدمات لا تقدم لاحد، اذا قال مواطن ان القطاع الصحي سيء فهو يتحدث نيابة عن الناس ذلك لان الجميع يعانون من المشكلة نفسها، واذا قال رجل كبير في السن انه بلا راتب فهو يتحدث عن كثيرين بلا رواتب، واذا انتقدت احدى السيدات وزارة الكهرباء ورداءة ساعات التجهيز فان هذه السيدة تنقل معاناة كل من يتعرض لحرارة الصيف التي لا تطاق.
واذا ذكر احد الشباب صفقات الفساد فهو ينقل معاناتنا من هذه المشكلة، باختصار: العراق كله صندوق من المشاكل يتخلص منها السياسيون والبرلمانيون واصحاب النفوذ، أما النسبة للعدد الاكبر فهو يواجه ظلما اجتماعيا كبيرا، ولا وجود لشكوى واحدة تخص انسانا واحدا.
ان مشكلة الفرد في بلدي هي مشكلة المجموع، ونحن لسنا في مجتمع الغى الفوارق، ومنح الناس قدرة على التاقلم والامل، اننا نكافح لنحصل على اقل القليل، وهناك من لا يجد شيئا، ربما يتصرف الغربي باسلوب آخر يختلف عن مشاكلنا.
مثلا يعيش المتشرد في اوروبا في شاحنته لكنه لا يشكو من انعدام حس العدالة لدى حكومته، ويأمل انه سيجد فرصة للتغيير، الغربي لا يصرخ ولا يشق ملابسه ولا يغضب، انه حين يتحدث عن مشكلته الاقتصادية يجد من يستمع اليه، ومن يتعاطف معه، ان شكوى الغربي مليئة بالكرامة، اما ما نشكو منه نحن فبعيد عن اي كرامة، بكلمة ادق مشكلة الغربي فردية، ومشاكلنا اجتماعية معقدة جدا وتشمل الناس على وجه العموم.
اضف تعليق