عدم احتلال المستقلين أهمية قصوى داخل العمل البرلماني وربما ينسحب ذلك على تشكيل الحكومة، يعود الى عدم توحيد المواقف فيما بينهم، فعلى الرغم من انضمامهم تحت تحالف واحد، لكنهم يختلفون في المضامين العامة، ولكل حركة منهم برنامج مستقل وأساليب خاصة في التعامل مع الكتل الأخرى...
لم يخرج المستقلين من تحت الأضواء المسلطة عليهم منذ انتهاء الانتخابات التشرينية ولغاية اليوم، بل ازداد ذلك مع بلوغهم مرحلة جديدة ومهمة من مراحل اللعب مع الكبار في العملية السياسية، لكنهم لم يحسموا الموقف وبقي عليهم النهوض بالمهام المناطة بهم في المرحلة القادمة.
في شهر تشرين الأول من عام 2019 اندلع الحراك الشعبي الذي افرز حركة شبابية افترشت الأرض لأشهر، وأصبحت الساحات العامة في البلاد مزادا لطرح الرؤى الجديدة والأفكار التي يراد بها تحسين الأوضاع العامة التي نتجت بفعل فاعلين من القوى السياسية، اذ شارك أبناء الشعب من مختلف الشرائح في تجمعات مليونية تلخصت مطالبها آنذاك في إسقاط حكومة عادل عبد المهدي وإجراء انتخابات مبكرة، تحت شعار "نريد وطن".
هذا الشعار كبد الوطن خسائر كبيرة لا تقدر بثمل ولا تخضع لمقياس معين، اذ استشهد أكثر من ستمائة شهيد على مستوى البلاد، وآلاف الجرحى فضلا عن ملاحقة العشرات من الناشطين في ساحات الاعتصام والمحركين للرأي العام، ولا تزال مصائرهم مجهولة الهوية، بينما السلطات الحكومية تؤكد استمرار التحقيقات بهذا الشأن ولا تزال تحقق وستبقى تحقق ربما لعشرين عام قادمة!
عقب المشاركة الفعالة في الانتخابات التشرينية كان الجميع يراقب آلية انخراط الفائزين الجدد من المستقلين وطبيعة العمل الى جانب الكتل الكبيرة الملتهمة للساحة السياسية والمتحكمة بجميع مفاصلها، فتولدت هنا اعتقادات ومشاعر متضاربة بين التفاؤل والتشاؤم، الشعور الأول جاء من حجم المقاعد التي حصل عليها المستقلون، اما الشعور الثاني ينبع من المعرفة المسبقة بمدى تمسك القوى التقليدية بمقاليد السلطة ولها عشرات الطرق لتصفية المقابل وفق القانون المفصل على مقاسها والموضوع بأيديها.
المستقلون وبعض الكتل الصغيرة التي فضلت انشاء كيان خاص بها، وعدم الانضمام الى طرفي النزاع في الوهلة الأولى، لقد ذابت مع التحالف الأكثر عددا وقربا من تشكيل الحكومة، لكنها لم تكن رقما متحكما بالمعادلة السياسية، وبقي دورها قاصر مقارنة بالكتل القوية الأخرى التي ينتظر الجميع انضمامه اليها والخروج من الازمة الحالية.
عدم احتلال المستقلين أهمية قصوى داخل العمل البرلماني وربما ينسحب ذلك على تشكيل الحكومة، يعود الى عدم توحيد المواقف فيما بينهم، فعلى الرغم من انضمامهم تحت تحالف واحد، لكنهم يختلفون في المضامين العامة، ولكل حركة منهم برنامج مستقل وأساليب خاصة في التعامل مع الكتل الأخرى، وهو ما جعلهم غير مؤثرين حتى بعد الانخراط مع القوى الكبيرة.
ان استثمار الفرص يحتاج الى قوى حاذقة ومتمرسة في العمل السياسي، ولا تزال قوى تشرين فتية مقارنة بالكتل الأخرى، وبذلك لا يمكن ان تحقق ما طالبت فيه ابان الحملات الانتخابية، وسينتهي دورها حين تفشل في تحقيق النوايا الحسنة التي نادت بها لأكثر من عام قبل خوض الانتخابات، ولعل ملامح الفشل بانت واضحة في عدم قدرتها على الاصطفاف المغير والثبات على موقف موحد للمضي بتجاه فك العقد.
المراهنات على دور المستقلين في المرحلة القادمة قد يكون نوع من العبث التخميني الذي لا يستند الى حقيقة ملموسة، ومن الواضح بعد مرور الأيام انهم ذائبين مع الكتل الكبيرة التي سلبت منهم خيار المعارضة الخلاقة التي يراد لها ان تحاكم الجميع على كرسي العدالة البرلماني، وتصحيح الاعتلال الذي رافق العملية السياسية على مدى الحكومات الماضية.
ائتلاف قوى تشرين وغيرهم من المستقلين مع تحالف انقاذ وطن سيمهد الى الاشتراك في الحكومة المقبلة، ويعتبر هذا كجزء من رد الجميل المتمثل بدورهم في زيادة عدد المقاعد وإحداث فارق كبير قبالة العدد الكلي لقوى الإطار التنسيقي، وفي حال المشاركة الفعلية في بناء الحكومة المقبلة، ستحكم هذه القوى على نفسها بالإعدام السياسي، وستخيب آمال الملايين الذين وثقوا بالشخصيات المستقلة ومنحوهم الاذن لتمثيلهم داخل قبة البرلمان.
ما يثير الاستغراب ان دخول المستقلين مع التحالفات الكبيرة هو دخول غير مشروط في الجوانب الإيجابية وان كان ذلك على عكس ما ظهر للإعلام، نعم هنالك شرط للانضمام لكن من يضمن ان الشرط لا يتعلق بالحصول على مكاسب وغنائم، كالوزارات والمناصب الخاصة والامتيازات الأخرى، وبذلك تفندت مزاعم تلك القوى التي اكدت حرصها مع الجهات التي تتشابه معها في الأهداف العامة والإطار الذي تعمل فيه وهو التقليل من الخروقات الدستورية والقضاء على الفساد بجميع اشكاله.
في السابق كانت امام المستقلين فرصة على طبق من ذهب لتغيير الواقع والمعادلة السياسية، اما اليوم فمن يعتقد ببقاء قوة تأثيرهم فهو لا يجيد استشراف المستقبل، فالتغير المتوقع من تشرين سيبقى مجرد امنية او حلم مؤجل ربما يتحقق في الدورات الانتخابية القادمة بعدما يشتد عود القوى المستقلة وتزداد الثقافة العامة بدور المعارضة السياسية الحقيقية.
لا تصلح بعد اليوم تسمية المستقلين على النواب الذين ركبوا قارب الاستقلالية في المحيط الانتخابي الماضي، فاليوم وبعد الاصطفاف الى جانب القوى الكبيرة، سيتم تصدير آرائهم من قبل الزعماء الأكثر نصيبا في المقاعد البرلمانية، وبالتالي وصلنا الى نتيجة مفادها ان المستقلين غير مستقلين من حيث المهام والواجبات السياسية.
اضف تعليق