هل ستخلو اجتماعات اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة لوضع قاعدة دستورية من التعقيدات؟ وهل ستكون هناك انفراجات قريبة؟ يمكن أن نبني عليها فيما بعد، ويقطف ثمارها الشعب الليبي، في كل ما من شأنه أن يصب في بوتقة خدمة الليبيين جميعاً دون استثناء لأي منهم، أم أن هناك...
بعد التوافق الدولي في السابق على ضرورة الحل السياسي في ليبيا، واستبعاد الحل العسكري، وبعد اجتماعات ومباحثات ومؤتمرات ماراتونية بعدة دول وسط آمال بالوصول إلى تفاهمات واسعة حول الدستور ونظام الحكم وتقسيم الثروات... وبعد تناول المسار الدستوري في تلك النقاشات سواء في مصر أو في المغرب بخاصة ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية والبدء في ترتيبات مرحلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية... قفز اليوم إلى سطح الأزمة الليبية جديد مفاده تصويت المجلس الأعلى للدولة الاستشاري الأحد 06/03/2022، لصالح الموافقة على مقترح المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز لتشكيل لجنة مشتركة بين المجلس والبرلمان لوضع قاعدة دستورية تقوم على أساسها الانتخابات. ونقلت عدة مصادر، إن الأغلبية في البرلمان ترى أن هذه المبادرة تمثل عرقلة صريحة لخريطة الطريق التي تم التوافق عليها مع مجلس الدولة الاستشاري.
الأكيد اليوم أنّ مبادرة ويليامز أثارت ردود فعل متباينة في ليبيا بين مجلسي النواب والدولة، بحيث رحّب الأخير بمبادرة ستيفاني ويليامز وصوّت على بدء تشكيل اللجنة من خلال تسمية 6 أعضاء منه وانتظار الـ 6 الآخرين من البرلمان. وهنا لابد من القول أنّ تشكيل لجنة مشتركة مع النواب لإعداد قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية، أمر مهم بحدّ ذاته، وعاجلاً أم آجلاً سنرى ماكينة ورحى الاجتماعات لهذه اللجنة المشتركة، ستدور مع ارتفاع منسوب الاقتناع لدى الأطراف، وأنّه لا جدوى من المماطلة من جهة، وعندما تقتنع الأطراف بأنّ هذه الضغوط والتأثيرات التي تتعرّض لها العملية لن تأثر، ولن تحدث أي خرق في جدار القرار السيادي الوطني من جهة أخرى، والليبيون لا يخفون خَشيتهم ليس فقط من أن تتمكن مُحاولات التدخل من تَعطيل هذه الاجتماعات ومنعها عن الانتهاء لمُخرجات تُسهم بكتابة آخر فصول الأزمة الليبية، بل من جَعلها منصة جديدة لإحياء تُرهات الماضي وطروحاته، تَجديداً للاستهداف، تَصويباً على الدولة الليبية وعودة للمُربعات الأولى.
السؤال الآن: هل ستخلو اجتماعات اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة لوضع قاعدة دستورية من التعقيدات؟ وهل ستكون هناك انفراجات قريبة؟ يمكن أن نبني عليها فيما بعد، ويقطف ثمارها الشعب الليبي، في كل ما من شأنه أن يصب في بوتقة خدمة الليبيين جميعاً دون استثناء لأي منهم، أم أن هناك من يراهن على إجهاض أو تقزيم إنجاز أي عملية سياسية حقيقية تعبر عن تطلعات الليبيين، فشتان بين من حزم حقائبه الدبلوماسية ووضع نصب عينيه مصلحة ليبيا سيادة وأرضاً وشعباً وجيشاً، وفرد أوراقه التفاوضية والقانونية على هذا الأساس، وبين من وضع في مخيلته المريضة أهدافاً استعصائية غير مبررة، ولا منطقية، وإنما هي فقط لسان حال مموله الشهري.
يفهم الليبيون الدستور، أنه هو الجامع للمكونات الاجتماعية، ومطلق التفاعل الحي بينها، وضامن للوحدة الوطنية، وحافظ للوطن كبيئة إبداع حضاري، وارتقاء مستدام، ومحصن للسيادة الوطنية أرضاً وشعباً ومؤسسات، ومدافعاً عن استقلال الوطن وكرامة المواطن. كما يؤمن الليبيون أن الدستور هو ما ينظم ويضبط آليات العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لذلك ومنذ بدء تنظيم المجتمع الليبي في بداية التاريخ، والليبيون يبدعون دستورهم ويدافعون عنه، لأنه الضامن للوطن والشعب وللتفاعل الحي مع السيادة والاستقلال والإنتاج والإبداع... اليوم، و بعد فشل مخطط التقسيم، وسقوط مساعي استهداف الروح الليبية كشعب ووطن وحضارة، فإن الليبيين يعتقدون أكثر وأكثر بأهمية الدستور في تنظيم حياتهم والدفاع عن وطنهم، وهذه القناعة الوطنية الحضارية لليبيين حول أهمية الدستور لا تعميهم عن الملاحظات حول بعض مواده، ولا تشغلهم عن ضرورة الارتقاء به تماشياً مع الارتقاء الوطني الحضاري الشامل لهذا الشعب وهذا الوطن...
إن مهمة اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة، لوضع قاعدة دستورية تقوم على أساسها الانتخابات، هي مهمة تقنية قانونية وعندما يدرك جميع المشاركين ذلك، عندها لن تطول تلك الاجتماعات حتى يتم التوصل إلى تعديلات في دستور 1951 أو تعديل المسودة الحالية، أو وضع قاعدة دستورية أو حتى صياغة دستور جديد، إن اقتضت الضرورة بما يحفظ حقوق الجميع ويبتعد عن المحاصصة القبلية والسياسية... إنّ ليبيا تتسع لجميع أبنائها ومسؤولية اللجنة المشتركة مناقشة وصياغة قاعدة توافقية دستورية لإجراء الانتخابات بموجبها سواء كانت رئاسية أو تشريعية، مسؤولية هذه اللجنة أن تؤطر الأمور قانونياً كي يحصل كل ما يتعلق بالدستور على موافقة الشعب الليبي، في استفتاء يعكس الرغبة الحقيقية له، ومن المفترض ألا يتوهم وفد "الأطراف الأخرى مثلاً" بأنه "سيكتشف البارود" أو أنه "سيبني دولة" وفق أهواء منظومة الأعداء... ولابد أن نقر، أنّ هذه اللجنة المشتركة هي صراع ليبي في النهاية، ومهما بدت الحالة القائمة متعثرة لكنها ترسم الموقع الليبي، فالاستحقاق الذي يواجهه الشعب الليبي، ليس في وضع قاعدة دستورية، بل في انسجامه مع قدرة الليبيين على بناء واقعهم الجديد.
ومن حقنا أن نتساءل الآن: عن أي قاعدة توافقية دستورية نتحدث، وأي دستور يريد الشعب الليبي وما النتائج المتوقعة؟
من المبكر الإجابة على هذه الأسئلة، لكن النماذج الفاشلة تشتعل في محيطنا، ففي لبنان يتابع الجميع تعقيدات الوضع السياسي الناجم عن بنية دستور طائفي، ومحاصصات في كل شيء، وأما في العراق فإننا نرى نتائج دستور "بريمر" الذي أنتج دستوراً مفخخاً، وعملية سياسية مترنحة يمكن تفجيرها في أي وقت مع تعالي الأصوات التي تنادي بدستور جديد يحقق التقدم، والتنمية في العراق أو في لبنان، ولأن القاعدة التوافقية الدستورية الموعودة في ليبيا، ستكون محط أنظار الجميع، فإن المسؤوليات الملقاة على عاتق اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة، هي مسؤوليات تاريخية يجب أن تأخذ بالاعتبار أن الشعارات البراقة التي تطلق من هنا وهناك، ليست ذات أهمية، فقد تبين أن الشفافية والديمقراطية والحرية و... و... ليست إلا دفتر شروط تركية غربية أمريكية يوضع لتطويع الدولة الليبية لمصالحهم، والمطلوب اليوم تطويع هذه الشعارات لتكون في خدمة الشعب الليبي ومستقبله، وتحصين هويته الوطنية والقومية، وأما غير ذلك فلن يكون إلا وصفة إخفاق وانتحار.
خلاصة الكلام: إن أدوات وطرق ومقاربات قيادة ليبيا في ظل الحكومة الجديدة برئاسة باشاغا، نتمنى صادقين أن تكون مختلفة ومتطورة ومرنة ما يساعد على قوة الدولة وليس ضعفها، وعلى قوة مشاركة المجتمع وليس شرذمته، وعلى وحدة الليبيين تجاه أهدافهم الوطنية والقومية، وبرامجهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وليس على تشرذمهم وانقسامهم لمصلحة قوى خارجية...
هذه هي العناوين الرئيسية والخطوط العريضة التي يجب على أعضاء اللجنة المشتركة وضعها نصب أعينهم، وأما الشعارات المستوردة فلا تهمنا كثيراً، إذا لم تتحول إلى برامج عمل حقيقية تدفع التنمية والازدهار والاقتصاد للأمام، وبخاصة أن ثورجيي ليبيا أتخمونا بشعاراتهم ليتبين لاحقاً أنهم مجموعة من تجار الأزمات والكذابين والميليشيات!
اضف تعليق