ما الذي يضمن عدم نشوب الحرب النووية المتوقعة بين الدول الكبرى المتحكمة في العالم اليوم؟ وقد وصلت حدة الخلافات بين هذه الدول الى درجة مخيفة للغاية ولا يمكن تخطيها ببساطة، فالرئيس الروسي وضع سلاحه النووي على أهبة الاستعداد؛ تحسبا لأي مستجد، وعلى الجانب الآخر لديها السلاح المشابه...
عبرنا مرحلة الحديث عن الحرب المندلعة بين روسيا وأوكرانيا، وصار الكلام عن إمكانية الوصول الى اشتباك نووي عالمي، بين الدول التي تمتلك الطاقة النووية وتستطيع تدمير العالم بدقائق معدودة، وبذلك تكون البشرية عرضة لتقلب المزاج العام لقادة تلك الدول المالكة لمثل هذه الأسلحة.
لحين ساعة وقوع الهجوم الروسي على المدن الشرقية لأوكرانيا استبعد اغلب المحللين قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بهذه الخطوة، حتى ان الرئيس الاوكراني وشعبه في الساعات الأولى من الهجوم لم تكن ردود افعالهم تتناسب مع حجم الحدث وكأنهم مصدومين، ولم يتخذوا التدابير اللازمة لمواجهة الجيش الروسي الذي اتخذ من المدن هدفا رئيسا له.
وحين دارت عجلة الحرب اخذت التعليقات تصدر من هنا وهناك وتبين ان لها ابعاد أخرى غير المعلومة، وصدرت بذلك مآت التحليلات وعلى جميع المستويات، وهنا يقفز سؤال غاية في الأهمية، ما الذي يضمن عدم نشوب الحرب النووية المتوقعة بين الدول الكبرى المتحكمة في العالم اليوم؟
وقد وصلت حدة الخلافات بين هذه الدول الى درجة مخيفة للغاية ولا يمكن تخطيها ببساطة، فالرئيس الروسي وضع سلاحه النووي على أهبة الاستعداد؛ تحسبا لأي مستجد، وعلى الجانب الآخر كل من الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا لديها السلاح المشابه، وهنا نطرح التساؤل الآخر هل الحروب من هذا النوع ممكنة في وقتنا الحالي، وإذا حدثت بالفعل فما هي نتيجتها ونتيجة البشرية بعدها؟
منذ صيف عام 1945 لم يتم استعمال السلاح النووي، اذ كانت آخر المدن التي اكتوت بهذا النار هي ناغا زاكي وهيروشيما اليابانيتين، وعقب ذلك اخذ هذا السلاح بالتطور، واستمرت الانفجارات الذرية وبات من الأمور الطبيعية ان تعلن العديد من الدول عن امتلاكها الطاقة النووية تحت ذريعة الاستخدام السلمي لها، لكن وبحسب التصريحات الأخيرة لبعض الدول المالكة فإمكانية الوصول الى حرب من هذا النوع لم تكن بعيدة مطلقا.
لا سيما وان جميع الدول المالكة للسلاح النووي طورت من ترسانتها وادخلت المنظومات الحديثة، مع وجود الاتفاقات الدولية خلال الحرب الباردة الطويلة تحكم عمل هذه الأسلحة وتحدد طرق استخدامها وحدودها، لكن مع المعطيات المتوافرة في الوقت الحالي لا يمكن استبعاد احتمالية الوقوع وازدياد إمكانية الصدام العالمي.
امتلاك السلاح النووي لدولة ما يجعلها شريك في قوى التوازن الدولي الى الابد، وهنا تنتج لنا حالة التدمير المتبادل بين تلك القوى، واخذ القلق الدولي يزداد مع السعي المستميت لبعض الأنظمة الى امتلاك ما يسمى بسلاح نهاية الإنسانية، وهنا الكارثة الحقيقة المتوقع حدوثها.
في امتلاك السلاح النووي معادلة متناقضة الى درجة الغرابة، وهي استحالة الامتلاك مع وجوب عدم الاستخدام، ولا يمكن ان ينظم ذلك سوى القانون الدولي الذي يجنب البشرية مخاطر الانزلاق بحرب نووية جديدة قد نكون شارفنا على اندلاعها في الأشهر او السنوات القليلة القادمة، فالقانون القوي الصارم يمكن ان يقوض إرادة الدول العظمى ومنعها من الذهاب صوب هذه المنطقة.
ومع وجود المواد القانونية التي تحكم ذلك تبقى قاصرة او محدودة المفعول، فمن يصدرها ويشرف على تطبيقها هو في الأساس يمتلك سلاحا نوويا فتاكا، يهدد فيه دول العالم التي لا تمتلك الطاقة وبالتالي يبقى الخطر قائم والخوف يستشري في نفوس المليارات من البشر، فالحرب الشاملة لن تأتي الا بالدمار الشامل، ولا يمكن لجماعة ان تنجوا او تكون بعيدة عن محيط الموت.
الامن القومي هو الشماعة الأساسية التي تعلق عليها الاعذار جميع الدول المالكة للسلاح النووي، ووفق هذه النظرية المزيفة، يغيب معيار الامتلاك وحدود الاستخدام، ويصبح من هب ودب لديه القدرة على الامتلاك لنفس الأسباب المذكورة سلفا، وهنا بقي الحبل على الغارب لا يوجد رادع حقيقي يبعد الاخطار من الاحداق ببني البشر.
وعلى الرغم من تعدد معاهدات السلام، تبقى البشرية مرهونة وخائفة من حماقات بعض قادة الدول المالكة، لكن ما يخفف تلك المخاوف او يبددها هو حجم الكارثة الإنسانية المؤكدة الحصول إذا خرجت أسلحة الدمار الشامل عن السيطرة، ومن الممكن ان يكون ذلك عامل منع يجبر المتحكمين على الامتناع حرصا على مستقبل شعوبهم وبلدانهم في الدرجة الأساس، وقد وصلنا الى عدم إمكانية وقوع الاشتباك النووي على المدى القريب.
اضف تعليق