q
لماذا تدق اوروبا والديمقراطيات الغربية طبول الحرب؟ أليس من العقل القبول بشروط الرئيس الروسي المزمن فلادمير بوتين؟ التساؤل ليس غريباً، تعلمنا عندما كنا نشاهد الحروب الاسرائيلية لغزو البلدان العربية أن نسمع دعوات الكتاب والمثقفين والغربيين فضلاً عن قادتهم السياسيين التي تدعو لأخذ العبرة من حروب أوروبا العالمية الثانية والأولى وحرب الثلاثين عاماً...

لماذا تدق اوروبا والديمقراطيات الغربية طبول الحرب؟ أليس من العقل القبول بشروط الرئيس الروسي المزمن فلادمير بوتين؟ التساؤل ليس غريباً.

تعلمنا عندما كنا نشاهد الحروب الاسرائيلية لغزو البلدان العربية أن نسمع دعوات الكتاب والمثقفين والغربيين فضلاً عن قادتهم السياسيين التي تدعو لأخذ العبرة من حروب أوروبا العالمية الثانية والأولى وحرب الثلاثين عاماً وغيرها من الشواهد الداعية لوقف نزيف الدم بين العرب والإسرائيليين.

دعوة مغمسة بالتعقل والرغبة في حفظ أرواح الناس من تكرار التجارب الحربية السيئة، وليس من الحكمة معارضتها والوقوف ضدها لما يملكه الأوروبي من تجربة في اقتلاع من ميراث الحرب.

من يقرأ كتابات غربية سابقاً وراهناً يجد ذلك الإجماع على ضرورة خضوع العرب لمنطق السلام وعدم حمل السلاح ضد الغازي الاسرائيلي، فالإنسان المعاصر هو من يقلد دور حمامة السلام وينبذ أدوار الصقر المحارب.

عندما شنت إسرائيل حربها على لبنان عام ٢٠٠٦ كنت قد تعلمت كيف يجب على اللبنانيين أن يكونوا حمائم سلام، لعل ذلك يساعدهم في المضي نحو دولة متحضرة.

وعند مشاهدتي لحروب اسرائيل ضد غزة عام 2008 و2012 و2014 و2021 كانت قد ترسخت قناعة بأن أي محاولة لصد الغزو الخارجي هي نوع من أنواع الهمجية الشرقية التي لا تؤمن إلا بالقوة.

ماذا لو تعلم العرب من التجربة الأوروبية بعدم خوض الحروب؟

حتى اللحظة ما زالت القناعات تطوف في المدن والأزقة رافعة لافتة شديدة الوضوح عنوانها، إنك لكي تبني بلداً متحضراً عليك اتباع الوصفة الأوروبية الغربية المتاحة في كتابات المثقفين وخطابات السياسيين.

ولأن أي نظرية لا تثبت قوتها أو إخفاقها إلا بالتجربة، فقد فشلنا نحن العرب في تطبيق النظرية الأوروبية في التعاطي مع الحروب، نحن نواجه الحرب بالحرب، بينما منطق النظرية يطلب مواجهة الحرب بالسلام والتخلي عن السلاح والتركيز على المسائل الهامة في رفعنا إلى مستوى الشعوب المتحضرة.

لحظة الاختبار

في الثالث والعشرين من شباط الماضي وضعت روسيا جميع الدول الغربية أمام الاختبار الحقيقي نحو تطبيق نظرياتها في السلام ووقف الحروب مهما كان نوع العدو المعتدي ومهما كانت أهدافه المدمرة.

روسيا تشن حرباً ضد أوكرانيا، فهي تعتبرها دولة من مخلفات الاتحاد السوفييتي الذي يمثل الشرق المعادي للغرب.

في التبرير الروسي الضمني والعلني للحرب فإن لغة أوكرانيا وثقاتها شرقية روسية أرثدوكسية، لها مشتركات مع روسيا أكثر من مشتركاتها مع اوروبا.

لكن اوروبا وخلفها حلف عسكري هو الأقوى في العالم اسمه "حلف الناتو" وهو عدو شديد لروسيا يريد ضم أوكرانيا تحت رايته، ليس حبا بالأوكرانيين ولا رغبة في تحسين ظروف معيشتهم، فالتحالفات العسكرية لا تؤسس من أجل البناء إنما من أجل الحرب.

انهم يريدون استخدام أوكرانيا ساحة حرب متقدمة ضد روسيا، كما فعلوا سابقاً عند ضم بولندا واستونيا ولاتفيا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

روسيا ترى أن ضم أوكرانيا للناتو يمثل آخر حلقة من محاولات خنقها ثم قتلها نهائيا كقوة عالمية عظمى.

قدمت شروطها دون استجابة من أحد، دخلت الحرب لمنع مجاورة الناتو لحدودها المختلف عليها في جزيرة القرم وقاعدة أسطول البحر الأسود في سيفاستوبول.

صحيح أنه لا يوجد أي حق لروسيا في غزو أوكرانيا بحجة حماية أمنها القومي، لكن هذه هي الاسباب التي لا بد من شرحها.

رد الفعل الروسي هذا المترجم بالحرب ضد أوكرانيا نشر الخوف لدى الغرب الاوروبي، فإذا نجحت موسكو في قضم أوكرانيا، من يضمن إلا تعبر حدود الدول المجاورة على نفس طريقة هتلر، إنه رعب خيانة ميونخ يطل برأسه من جديد بصورة فلادمير بوتين.

تعلموا من العرب

لكن المخاوف الاوروبية غير مبررة بالمطلق حتى وإن قامت روسيا فعلاً بضم دول جديدة تحت عباءتها، فنحن العرب شاهدنا طوال سبعين عاماً كيف بدأت اسرائيل بالاستيطان في فلسطين، بينما نطبق دعوات الاوروبيين لتقبل الأمر الواقع والركون إلى السلام.

شاهدنا كيف تم احتلال أراضي عام 1948 و1967 والضفة الغربية، وقطاع غزة، وجنوب لبنان ومرتفعات الجولان في سوريا وصحراء سيناء في مصر.

نحن العرب حمائم سلام، رغم إبقاء اسرائيل على كل هذه المناطق تحت سيطرتها مباشرة أو هيمنة، فإننا نعقد معها اتفاقيات تطبيع وسلام، حتى إن الدول الخليجية استوردت برنامج بيكاسوس للتجسس على أي شخص يطالب بحريته من حكامه المستبدين المتصالحين مع إسرائيل.

أدخلنا أخطر برنامج تجسس من الديمقراطية الأولى في الشرق الأوسط اسرائيل والنسخة الشرقية من القيم التحررية الغربية، لنستخدمه ضد الناشطين السياسيين والمطالبين بالديمقراطية على الطريقة الاوروبية الغربية.

ليس هذا فحسب، زعماؤنا المستبدون أعداء الحرية هم أعز أصدقاء إسرائيل، كما هم الأكثر حظاً عند زعماء أوروبا الحرة.

صحيح أن حكامنا غير ديمقراطيين ومستبدين ومجرمين وأعداء للحرية، لكنكم تعتزون بهم وتمدونهم بالأسلحة الفتاكة لقتل المواطنين المطالبين بالحرية على طريقتكم التي تذيعونها في وسائل إعلامكم.

حكامنا تعانوا مع المعتدي فضمنوا السلام، لماذا لا تتعلمون منهم، لقد مسخوا شعوبهم وجعلوها مقيدة بالأغلال وكل افعالهم تجري تحت شعار رفض الحرب.

لماذا لا تمارسون فعل السلام مع روسيا على نفس طريقتكم بدعوتنا للسلام مع اسرائيل؟

لماذا لا تتركون فلادمير بوتين الهائج أن يمارس ألعابه العسكرية ضد اوكرانيا والدول الاوروبية التي يعشقها كما كان شارون وأولمرت ونتنياهو يقيمون حفلات الشواء للنساء والأطفال الفلسطينيين؟

لم يشعر العرب بالخطر من آثار الغزوات التي قامت بها اسرائيل ضدهم وبمعاونة الدول الغربية، لأننا ببساطة نتبع مقولات المثقفين الغربيين وقادتهم التي تدعو للسلام وترك الحرب، فقد ولى هذا الزمن ولن يعود أبداً.

مكيال أبيض

المسألة ليست بالسلاح ولا الحرية ولا الديمقراطية، كل ذلك مجرد خطاب للاستهلاك الإعلامي.

لا توجد قيم غربية تحررية ولا أي شيء من هذا القبيل، إنما المسألة تتعلق بالتمييز بين البيض الأوروبيين المسيحيين، وكل ما دونهم لا يستحقون الحياة وبالإمكان قتلهم واحتلال أراضيهم والاستيطان فيها.

عندما تم تصنيف سكان الأرض إلى عالم أول وثاني وثالث، فالقصد منه أحقية العالم الغربي الأول بالعيش وواجب العالمين الثاني والثالث ليكونوا عبيداً لهم.

إنها ذات القيم الغربية التي كانت تبيح استيراد العبيد من أفريقيا، تبيح الآن قتل العربي والأفغاني لأنه اسمر البشرة وغير مسيحي، بينما تحرم تحريماً شديداً قتل أصحاب العيون الزرقاء.

قد تربح أوروبا الحرب ضد روسيا في أوكرانيا، لكنها خسرت في أول أيامها قيمها التي أثبتت مرة أخرى ازدواجيتها في التعاطي مع ملفات مشابهة، عقوباتها قاسية جداً ضد روسيا لأنها تحارب أوكرانيا، بينما كانت صامتة عن جميع الحروب الأميركية والاسرائيلية، بل وتدعم بعضها وتشارك فيها وتقتل المدنيين وتعلقهم في سجون أبي غريب وغوانتنامو.

القيم الغربية التي فرضت عقوبات حتى على الرياضة الروسية لأنه جيشها حارب أوكرانيا، لم تحرك ساكنا ضد الانتهاكات الأميركية الصارخة في العراق وأفغانستان ومعسكرات الاعتقالات في أرجاء الأرض.

لقد خسرت أوروبا مصداقيتها وبينت أن كل دعوات التحرر ما هي إلا شكل من أشكال التدخل في شؤون الدول الأخرى وأسلوب محدث لفرض الهيمنة وإعادة سطوة الدول الاستعمارية على العالم غير الأوروبي أو العالم الثالث.

اضف تعليق