q
فهل تبدأ الوحدة بإقصاء كل حالات التنوع والتعدد الطبيعية والتاريخية المتوفرة في الساحة لصالح صيغة وحدوية قائمة على نمط رتيب من التوحد السياسي والثقافي والاجتماعي، لا ترى من الضروري أو من مقتضيات الوحدة العناية بتلك التنوعات وأشكال التعدد الطبيعية. فهل طريق الوحدة المطلوبة يمر عبر القفز...

من خلال العديد من التجارب العربية والأجنبية، نرى ان استخدام القوة والقسر والفرض، لا يؤدي إلى الوحدة الحقيقية بين الشعب الواحد أو الشعوب المختلفة.

وذلك لأن استخدام القوة، لا يفضي في هذا الاطار، إلا إلى المزيد من اكتناز المشروع الذاتي أو الخاص، ويتحين أصحابه الفرصة السانحة لإنهاء الوحدة المفروضة بقوة الحديد والنار. فالقوة التي استخدمت لإنجاز الوحدة بين شعوب الاتحاد السوفيتي السابق، لم تنه الطموحات الذاتية لدى الشعوب التي استغلت ونهبت ثرواتها وخيراتها تحت يافطة الوحدة بين شعوب الاتحاد.

وإنما جعلتها كامنة ومضمرة، ومع الزمن والقسوة التي استخدمت من قبل أجهزة السلطة السوفيتية، تبلورت ونضجت وانتظرت الفرصة المواتية للخروج من هذا القيد والأسر.

وسائل الوحدة:

فالوحدة بين الوجودات الاجتماعية والكيانات البشرية، لا يمكن أن تنجز بالفرض والقوة، وأي وحدة تنجز بهذا السبيل فإن مآلها الأخير هو الفشل والتشظي والهروب من كل الأشكال الوحدوية والارتماء في أحضان المشروعات الذاتية الضيقة، كوسيلة من وسائل الدفاع عن الذات لتقليل بعض أخطار الوحدة التي فرضت بالقسر والقوة.

وذلك لأن الوحدات الاجتماعية، التي تفرض بقوة الحديد والنار، تقضي باستخدامها القوة، على كل القيم والمبادئ الضامنة لمشروع التوحيد والوحدة والمحافظة على الأخلاقية المطلوبة في هذا الاطار.

فالقوة والعسف من وسائل الافتراق بين البشر والكيانات الإنسانية، واستخدامها من أجل التوحيد والجمع لا يؤدي إلا إلى المزيد من التفتت والتشرذم والتشظي.

لأنها تريد النفوس ابتعاداً عن بعضها، وتنفر العقول من البحث عن المشترك ووسائل التعايش والوحدة وتهيأ الأوضاع والظروف للهروب من كل مقتضيات الوحدة ومتطلباتها الاستراتيجية.

فالتجارب الإنسانية جميعها، تقف بقوة ضد كل المشروعات الوحدوية التي تبنى بالقسر والعسف والإرهاب، لأن مردوداتها السلبية والعكسية خطيرة وآثارها البعيدة تزيد من عوامل التفتت والاحتماء بالمشروعات الضيقة، التي تزيد الناس انغلاقاً وتعصباً وبعداً عن أخلاق الوحدة وثقافة التعايش والمشترك الإنساني.

من أين تبدأ الوحدة:

والسؤال الذي يبرز في هذا الصدد هو: من أين تبدأ الوحدة سواء بين الشعب الواحد أو الشعوب المختلفة؟

فهل تبدأ الوحدة بإقصاء كل حالات التنوع والتعدد الطبيعية والتاريخية المتوفرة في الساحة لصالح صيغة وحدوية قائمة على نمط رتيب من التوحد السياسي والثقافي والاجتماعي، لا ترى من الضروري أو من مقتضيات الوحدة العناية بتلك التنوعات وأشكال التعدد الطبيعية.

فهل طريق الوحدة المطلوبة يمر عبر القفز على تلك الحالات والحقائق، وتجاهلها في استراتيجية العمل الوحدوي، واعتبار أن تلك الحالات والحقائق هي وليدة عصور التخلف والانحطاط ومرحلة ما قبل الدولة الحديثة.

وبالتالي تتحقق ضرورة ومشروعية محاربة وإقصاء تلك الحقائق من الوجود، تحت يافطة ومبرر انها جزء لا يتجزأ من آليات التخلف ومرحلة ما قبل الدولة الحديثة بتشظياتها العديدة.

إن التاريخ العربي الحديث، يؤكد لنا أن العديد من المدارس الفكرية والسياسية التي جعلت من الوحدة العربية محور عملها ونشاطها، نظرت إلى تلك الحقائق وفق منظور أن الوحدة تعني التوحد القسري القائم على نفي كل أشكال التعدد الطبيعية والتاريخية المتوفرة في المجتمعات العربية.

لذلك فقد استخدمت هذه المدارس كل ترسانتها وامكاناتها النظرية والعملية في سبيل محاربة تلك الحقائق واقصائها من الفضاء الاجتماعي والسياسي العربي.

ولكن وبعد تطورات عديدة شهدها العالم، والعالم العربي بالخصوص، نجد أن كل الوسائل والأساليب المستخدمة من قبل تلك المدارس لتذويب هذه الحقائق ونفيها من الخريطة العربية باءت بالفشل والإخفاق، ولم تستطع هذه المدارس أن تحقق مفهومها للوحدة القائم على القسر والنفي، بل أوجدت أثراً عكسياً في الواقع العربي، حيث ازدادت الكيانات الصغيرة التي تعمل على الحفاظ على هويتها الخاصة وعوامل تميزها أو اختلافها التاريخي أو الطبيعي.

وبهذا نستطيع أن نقول، بأن الوحدة الوطنية لا تبدأ من إقصاء الحقائق الطبيعية والتاريخية، واستخدام القوة في مشروعات وحدوية قسرية. فمن أين تبدأ الوحدة بين الشعوب العربية؟

في تقديرنا أن الوحدة بين الشعوب العربية، هي الخيار الحضاري لنا نحن العرب. ولكن هذه الوحدة لا تنجز عبر التوحد القسري والقفز على حقائق العصر والراهن، وإقصاء وقائعهما.

فالوحدة الوطنية أو العربية، لا تعني التطابق التام في وجهات النظر ومشروعات العمل أو أولوياته أو في طرق التفكير والتخطيط، وإنما تعني ابتداءً احترام الحقائق والوقائع التاريخية والطبيعية، والعمل بشكل وحدوي على ضوء تلك الحقائق والوقائع.

وتاريخياً لم تكن الوحدة التي صنعها العرب والمسلمون، تعني التوحيد القسري أو التطابق التام في كل شيء، وإنما العرب والمسلمون صنعوا وحدة قائمة على احترام حقائق التاريخ والمجتمع، لأنها حقائق طبيعية ومثرية لمشروع الوحدة، ومتناغمة مع نواميس الوجود الإنساني.

فالوحدة تبدأ باحترام حقائق التنوع والتعدد، لأنها ليست حالات أو وقائع مضادة للمنظور الوحدوي. بل هي عناصر تثري مفهوم الوحدة الوطنية والعربية، وتزيد مضمونهما حيوية وفاعلية.

وفي المقابل ومن خلال تجارب العديد من النخب السياسية العربية، فإن إقصاء هذه الحقائق لا يوصلنا إلى الوحدة على المستويين، بل بالعكس يفرغهما من مضمونهما الاستراتيجي والحضاري، ويجعلهما وبالاً حقيقياً على العالم العربي بأسره. ويشير إلى هذه الحقيقة الكاتب المغربي (عبدالإله بلقزيز) بقوله: ان المواطنية إذا كانت جامعاً سياسياً يستوي أمامه الجميع، فإنها لا تكتسب مضمونها الكامل إلا متى اعترفت للمواطنين بحق حيازة ملكيتهم الرمزية، أي جملة العناصر والعوامل التي تصنع شخصيتهم الدينية والثقافية واللغوية على النحو الذي يساهم في انتاج الاستقرار الاجتماعي والسياسي من خلال إعادة انتاج الاجتماع الوطني الموحد.

والتحدي الأكبر الذي يواجه المجتمعات العربية المعاصرة، هو (كما يقرر بلقزيز): تحقيق معادلة اجتماعية جديدة تقوم على توليد دينامية لربط المواطنين بولاء مشترك للوطن والدولة، وصيانة ثوابت الأمة، دون إكراه وتسلط شمولي، وتوليد دينامية موازية لتحرير الولاء الرمزي للناس من الحجر دون الانزلاق إلى فئوية عصبوية أو إلى التشريع للفتنة.(1)

من هنا لابد من القول: ان النواة الأولى لتحقيق مشروع الوحدة الوطنية والعربية، هي تعميق جميع القيم والمبادئ الإنسانية والحضارية، وفسح المجال لجميع المؤسسات والأطر، التي تأخذ على عاتقها نشر قيم احترام التعدد والتنوع، ونسبية الحقيقة والتسامح. لأنه في مثل هذه الأجواء، تتبلور قيم الوحدة الحقيقية وسبلها الحضارية. وبدون هذا العمل سيبقى شعار الوحدة الوطنية شعاراً أجوفاً يثير خوف الآخرين، ويزيد من هواجسهم الأمنية والسياسية، ولكن بدون أن يتحول هذا الشعار إلى حقائق ووقائع تملأ كل أوطان العرب وبلدانهم. فالوحدة الوطنية تتطلب من كل مواطن، أن يبدأ من واقعه ومحيطه في غرس حقائق الوحدة ووقائع الاتحاد، حتى تنمو هذه الحقائق، وتزداد هذ الوقائع، حتى نصل إلى مستوى أن تكون الوحدة حقيقة فعلية قائمة، وليست شعاراً يتغنى به الإنسان ويحلم به، دون أن يكون له نصيب من وقائع الوطن وحقائق العصر الراهن.

ان الوحدة الوطنية من المشروعات التي تتطلب بنية تحتية قوية، وينبغي أن يشارك كل مواطن بجهد في سبيل توفير البنية التحتية لمشروع الوحدة الوطنية.

فالوحدة تبدأ من كل إنسان عربي، يعمل على طرد كل العوامل المضادة لهذا المشروع من واقعه ومحيطه، ولكن دون الاكتفاء بالصراخ والعويل، وإنما يعمل ويسعى إلى خلق حقائق الوحدة في محيطه الاجتماعي. فحقائق الوحدة الصغيرة والبسيطة، هي طريقنا إلى انجاز الوحدة الكبرى.

السلم الأهلي البوابة الأخلاقية

من الطبيعي القول إنه لا يمكن إنجاز أي مستوى من مستويات الوحدة في المجتمعات الإنسانية، بدون قاعدة أخلاقية وشبكة من المفاهيم والقيم والمُثل التي تعمق هذا الخيار لدى جميع الأطراف والقوى.

والوحدة الوطنية ليست نشازاً عن هذا القانون، وإنما هي أيضاً بحاجة إلى القاعدة الأخلاقية والمثل والقيم الإنسانية، التي تساهم في توطيد أركان الوحدة مهما كان مستواها وحجمها. وفي تقديرنا أن السلم الأهلي هو البوابة الأخلاقية والسلوكية لمشروع الوحدة الوطنية. والعالم العربي اليوم بحاجة أن ينجز مشروع السلم المجتمعي كضرورة ملحة لإنجاز مشروع الوحدة في مستوياتها العليا.

وذلك لأن وقائع الاحتقان والتعبئة النفسية والثقافية بين القوى المتنافسة أو المتصارعة في الكثير من مناطق المجالين العربي والإسلامي، تساهم في توتير الأوضاع وتنذر باحتمالات كارثية. ولا شك أن المطلوب هو امتصاص أسباب الاحتقان والصراع وتفريغ ضغط الاحتقان في إطار مشروع السلم المجتمعي الذي يتضمن بدائل سياسية واجتماعية وثقافية تعمق من خيار المصلحة المدنية، وتوفر الظروف الذاتية والموضوعية لميلاد واقع جديد قوامه التسامح ونبذ العنف والاقتتال، وثقافة سياسية جديدة تدافع عن السلم المجتمعي. ولا ريب أن السلم الأهلي والتعايش الاجتماعي، على قاعدة الاحترام المتبادل من القيم النبيلة، التي يسعى إليها الدين الإسلامي الحنيف، ويربي أبناءه وفق مقتضاها الأخلاقي والعملي.

لذا فقد أولت النصوص الإسلامية، العناية الرفيعة، بكل المفردات والقيم والأخلاقيات، التي توصل المجتمع الإنساني، إلى حالة من السلم والتنافس في مجالات البناء والتعمير. إذ أن القاعدة الأخلاقية لمفهوم السلم الأهلي والتعايش الاجتماعي، تدفع باتجاه مطابقة الباطن للظاهر، وليس على قاعدة الاضطرار، وإنما على قاعدة الأصل الإنساني العام.

ومن القيم والقضايا الأساسية التي تؤكد على مفهوم السلم الأهلي، وتكرس خيار التعايش الاجتماعي في المجتمع الإنساني الأمور التالية:

مساواة الآخر بالذات:

إن البداية الفعلية للتغلب على الكثير من النوازع والغرائز، التي تفصل بين الإنسان، وتزرع الشقاق، وتؤكد الخصام، هو طغيان حب الذات وتضخيمها، بحيث لا يرى الإنسان إلا ذاته ومصالحها.

أما التوجيهات الإسلامية، فتؤكد على ضرورة أن يتم التعامل مع الاخرين، وفق القاعدة النفسية والاجتماعية، التي يحب الإنسان نفسه، أن يُعامل وينظر إليه من خلالها، (ما كرهته لنفسك فاكرهه لغيرك، وما أحببته لنفسك فأحببه لأخيك، تكن عادلاً في حكمك، مقسطاً في عدلك، محباً في أهل السماء، مودوداً في صدور أهل الأرض).

فالقاعدة العامة التي ينبغي أن يتلزم بها كل إنسان في مسألة العلاقات الاجتماعية والإنسانية هي (عامل الناس بمثل أن تحب أن يعاملوك).. من منا لا يحب أن يحترمه الآخرون، ويتعاملوا معه بإنسانية راقية وأخلاق حضارية. من منا لا يشعر بالاشمئزاز، حينما لا تكون علاقة الآخرين معه سوية وسليمة، وذلك لدواع ليست من كسبه.

إن بوابة تصحيح هذا الإعوجاج، تبدأ بتعاملي مع الآخرين، فإن مساواة الآخر مع الذات، هي التي تخلق النسيج الاجتماعي المتداخل، والمتواصل، والمنسجم في حركته وعلاقاته المتعددة.

ولا شك أن مساواة الآخر مع الذات، ستعلي من شأن القيم المشتركة، وستجعلها حاضرة باستمرار في الوسط الاجتماعي. كما أنها تزيد من حالة الإحساس بالمسؤولية المشتركة تجاه بعضنا البعض.

وكل هذه العناصر ضرورية لبناء سلم اجتماعي متراص ومستديم وتعتمد هذه المساواة، على مبدأ آخر يشكل ركناً أساسياً في التوجيهات الإسلامية، ألا وهو التسامح، ولا ريب أن التسامح كقيمة إنسانية عليا تضع روابط إضافية في العلاقات الاجتماعية المشتركة.

اللاعنف:

وهذا العنصر ليس وليد الضعف في الذات، أو القوة الضخمة لدى الآخر، وإنما هو جزء من بنية المنظومة العقدية والفكرية الإسلامية التي ترى في اللاعنف الطريق السليم في التعامل مع المغاير الثقافي أو السياسي.

وينبغي أن ندرك، أن شعوب العالم، قدمت الكثير من التضحيات الجسام من جراء الحروب، واستخدام العنف والقوة العسكرية في العلاقات الاجتماعية والدولية.

وقد جاء في نص تقرير لجنة إدارة شؤون المجتمع العالمي (جيران في عالم واحد)، أنه وفقاً لأحد التقارير شهدت الفترة بين عامي ( 1945- 1989م) (138) حربا، أسفرت عن مقتل (23) مليونا من البشر، كما حدث في هنغاريا عام (1956م)، وفي تشيكوسلوفاكيا عام (1968م)، وفي غرينادا عام (1983م)، وكانت الحروب الكورية، التي أسفرت عن مقتل مليون نسمة، هي أكثر النزاعات إهلاكاً.

وقد وقعت الحروب الـ(138) جميعها في العالم الثالث، وأدت إلى اشتعال الكثير منها، الأسلحة التي قدمتها القوتان العظميان أو حلفاؤهما، فمنهج اللاعنف، وسيادة قيم السلم، هو الذي يمنع هذا الانهيار، والنهم المتعاظم لامتلاك وسائل القتل والدمار، وتوجيه ثروات الشعوب والأمم إلى مشاريع التنمية والبناء.

المناقبيات الأخلاقية:

إن السياج القوي، الذي يحافظ على السلم الأهلي ويعمق مفاهيمه، ويجعله ثابتة من ثوابت الواقع المعاش، هو وجود منظومة أخلاقية، ترعى هذه المسيرة، وتلجم كل النوازع الشريرة، التي تهدد السلم وجعله على شفا جرف هار.

ولهذا نجد أن النصوص الإسلامية، تؤكد على مجموعة من المناقبيات والفضائل الأخلاقية، كالصدق والاحترام وحسن الظن وما أشبه، التي لو جعلناها في السياق الاجتماعي العام، فسنجد أنها الضامن العام لمسيرة السلم الأهلي

ولا شك أن تعميق هذه الفضائل في الوسط العام سيغير نظرة الجميع إلى بعضهم البعض، وستتم وفق هذه النظرة قراءة الوقائع وفق النسق الفكري الجديد، الذي يجعل من السلم الأهلي لازمة من لوازم تقدم المجتمع الإنساني ورقيه الحضاري.

وتنبع أهمية تأكيد البعد الأخلاقي في مسيرة السلم الأهلي في النقاط التالية:

1) دفع الجماعة الوطنية إلى الالتزام بالقيم الأخلاقية النبيلة المتعلقة بنوعية الحياة والعلاقة بين مجموع الأطراف، وتعزيز مشروع المسؤولية المتبادلة في الوسط الاجتماعي.

2) البحث عن أطراف وصيغ مجتمعية مناسبة للحظة التاريخية التي نعيشها، للتعبير عن تلك الفضائل الأخلاقية، وبهذا تتحول هذه القيم الأخلاقية من قيم فردية إلى قيم ذات طابع مجتمعي - مؤسسي.

3) حضور هذه الفضائل الأخلاقية في مسيرة بناء السلم الأهلي، حتى تمارس دورها الإيجابي، في تجميد بؤر التوتر، وتوفير الظروف الذاتية والموضوعية في حركة المجتمع بما يناسب تصورات واستراتيجيات مشروع السلم الأهلي، وتنبع أهمية حضور القيم الأخلاقية في ذلك المجتمع المتعدد الثقافات والمرجعيات، وذلك حتى تساعد وتنظم هذه القيم تعاقد مساواة بين جميع أطراف المجتمع، وبهذه العملية يستطيع المجتمع أن يحقق توليفة عملانية بين ضرورة الوحدة والعيش المستقل أيضاً.

وأن الاحترام المتبادل، يشكل حجر الزاوية في مشروع السلم الأهلي، لأنه يعمق الاستقرار، ويحترم التنوع الذي يغني مشروع السلم الأهلي.

وأن تعميق القيم المشتركة الذي توفره الفضائل الأخلاقية، سيساعد الجميع على تجاوز الصدمات والتوترات المرتبطة بشكل مباشر بمصالحهم، والتصرف على ضوء وهدى مصالح متبادلة وعامة.

لذلك فإن السلم الأهلي قوامه، تسالم الإرادات الوطنية، وانصهار مصالحها في الكيان الاجتماعي الوطني.

وفي الأخير إننا نرى، أن حماية الاجتماع الوطني من المخاطر والتحديات، وتحصين الأوضاع العربية الداخلية بالمزيد من التسامح والعدالة وبناء المجال السياسي والوطني على قاعدة من التراضي والتسالم والفعل المؤسسي. كل هذه العناصر تفضي إلى بناء وحدة اجتماعية ووطنية متينة، وهي لبنة من لبنات بناء الوحدة العربية على أسس أكثر عقلانية وديمقراطية. وأنه آن الأوان أن نحرر كل استراتيجيات ومشروعات الوحدة، من تلك الأفكار والقناعات والنظريات التي تبرر استخدام القوة والعنف في سبيل إنجازها. وذلك لأن العنف لا يفضي إلى وحدة، بل إلى تشظيات وانقسامات واستئصالات تزيد من الفرقة وتعمق التجزئة وتحول دون الانطلاق الفعلي في مشروع الوحدة.

.............................
الهوامش:
(1) عبدالإله بلقزيز - العنف والديمقراطية - ص 84- 85، منشورات جريدة الزمن - المغرب.

اضف تعليق