ليس من الصحيح نعت جميع الأحزاب العراقية بالتسلطية وتغليب مصلحة الزعيم فوق كل مصلحة، ومن الخطأ وصف بعض الأحزاب الأقل عبودية للزعيم بأنها أحزاب ديمقراطية، المسألة نسبية لكنها لا تخرج عن الأعراف السائدة المطعمة بالخصوصية العراقية بعيداً عن النظريات السياسية العامة. ماذا نسميها أذا؟
ليس من الصحيح نعت جميع الأحزاب العراقية بالتسلطية وتغليب مصلحة الزعيم فوق كل مصلحة، ومن الخطأ وصف بعض الأحزاب الأقل عبودية للزعيم بأنها أحزاب ديمقراطية، المسألة نسبية لكنها لا تخرج عن الأعراف السائدة المطعمة بالخصوصية العراقية بعيداً عن النظريات السياسية العامة.
ماذا نسميها أذا؟
الفئة الأولى من الأحزاب القائمة على مركزية الزعيم في حركة الحزب أو التيار السياسي، لو تعمقت أكثر فيها تجد من الصعوبة نقدها حتى وإن ارتكبت الفظائع.
أتباعها يتصفون بالانغلاق وعدم ترك مساحة للحوار مع الآخر، الفيصل في القضايا الوطنية هو زعيم الحزب، إما أن تطيع كلام زعيمنا، أو تخرج عن ملتنا.
تعرضت للتنديد في المرحلة الأولى، إن لم تفهم الرسالة الغاضبة وبقيت على نهجك الناقد لآراء الحزب التي هي في الأصل آراء الزعيم وحده، فتلك جريمة تجعل قتلك مسألة قرار قد ينفذ في أي لحظة، حسب مزاج اللحظة.
لدينا من هذه الفئة نسبة لا يستهان بها من الأحزاب وهي مسيطرة لدرجة فوزها في الانتخابات الأخيرة وهي تتفاوض على تقاسم السلطة مع نظرائها في الفوز البرلماني مضافاً إليها تقاسمهم ديكتاتورية الزعيم.
بالطبع يتحدث المثقفون عن الإزعاج الذي تمثله حالة مثل هذه، ويتحدثون عن سلبياتها في جلساتهم ومقالاتهم ولو بطريقة إيحائية، أي أنهم لا يستطيعون إظهار جميع ما لديهم من آراء تجاه الأحزاب الديكتاتورية القائمة على الزعيم الأوحد.
وبسبب شح الديمقراطية لدينا، يتحدث المهتمون بالشأن العام عن أحزاب أفضل من غيرها ليس لأنها ديمقراطية وتحررية، فزعاماتها نفس الزعامات المزمنة، وأسلوبها في تقاسم مغانم الدولة يقترب من أسلوب أقرانها.
ميزة فئة قليلة من الأحزاب أنها قابلة للنقد
يعني هذا أنك لو وجدت بحسب رأيك أن القرارات التي اتخذها الحزب مؤخراً غير صحيحة، وكتبت عن ذلك حسب ما تراه مناسباً، لن تجد ذلك التهديد الذي يأتيك على شكل تحذير بحجة الخوف عليك من جهة مجهولة سوف تقتلك أو تضايقك في شؤون حياتك.
الأحزاب القابلة للنقد لا تتبع الديمقراطية داخل صفوفها والزعيم هو ذاته منذ نشأته الأولى، وكأنه ملتصق بتزعمها، متحكم في أغلب قراراتها، لكنها متميزة عن تلك الديكتاتورية المغلقة بأنها تتقبل النقد بتلقائية مطلقة، بحيث لا تحذر عندما تجد نفسك تكتب عنها مقالاً سلبياً أو رأياً ضدها في مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه مرحلة متطورة في العمل السياسي رغم عدم كفايتها وحاجتها إلى المزيد من العمل الجاد والانفتاح على تحويل الحزب على عمل مؤسسي قائم على الانتخابات وتبادل الآراء دخل الحزب الواحد، فإنها تعد خطوة مهمة يمكننا التأسيس عليها في السنوات المقبلة.
الشرط الأساسي للعبور إلى المرحلة التالية، هو وجود أرادة وتخطيط لدى هذه الاحزاب لتتحول إلى مؤسسات ديمقراطية، إلا أن خطوة كهذه تكون محفوفة بالمخاطر في حال استمرت الجماعات والأحزاب الأخرى على نفس طريقتها في الزعامة المتشددة واستخدام السلاح في أحيان كثيرة لفرض الإرادة السياسية على الآخرين.
تريد الاحزاب القابلة للنقد اظهار صورة مختلفة عن الأحزاب الديكتاتورية المغلقة، عن طريق فسح حرية الرأي والتعبير، وعدم مضايقة خصومها بالتهديدات وتسويق نفسها على أنها النموذج الديمقراطي المنتظر.
لكنها في ذات الوقت تعلم جيداً صعوبة المضي إلى مساحات أبعد، أي تحويل الحزب نفسه إلى مؤسسة ديمقراطية قائمة على تبادل الأدوار بأسلوب الانتخاب الحر، والابتعاد عن الزعيم الأوحد المزمن، لأنه من غير الممكن ضمان استمراريتها في ظل وجود كيانات لها من مصادر القوة خارج الدولة ما يمكنها من التهام حزب ديمقراطي.
أي حزب له جناح مسلح سوف يجد الأحزاب الديمقراطية تهديداً لوجوده، وسوف يعمل بكل الطرق المتاحة من أجل إفشال التجربة أو التهام الأحزاب الديمقراطية نفسها، كما يحدث الآن مع مؤسسات الدولة، إذ لم تسمح الأحزاب ذات الأجنحة العسكرية للدولة أن تقوم بدورها لخطورته على وجودها.
اضف تعليق