هناك قوى تحكم، وأخرى تعارض، والعكس صحيح وفي ظل وجود المراقبة والمعارضة وما الى ذلك من مبادئ ترصن من مبادئ العمل السياسي الدستوري العقلاني، اما التفكير بمنطق السلطة بأنماطها الشمولية فهذا لا يمثل الا العودة الى مراحل تاريخية مظلمة مثلت انتكاسة للبلد ومواطنيه واثرت بشكل كبير...
ما تثيره السلطة من تساؤلات واشكاليات وتداعيات ظلت محل دراسة، وتحليل، وتفسير في بنيتها ونمطها وسلوكها، من هنا تدارست من قبل العديد من المفكرين قديما وحديثا ومعاصرا في ظل تجارب مختلفة، فقد حاول المفكر العربي المعاصر نصيف نصار على سبيل المثال ان يفسر لنا في احد اهم مؤلفاته القيمة منطق السلطة وفلسفة الامر من خلال تحديد خمسة مبادئ يضبط من خلالها حدود السلطة السياسية وهي ان:
لا يحق لسلطة الحاكم التماهي مع سلطة الدولة، ولا يحق للحاكم احتكار النشاط السياسي في المجتمع، ولا يحق للدولة انتهاك الحقوق الطبيعية لأعضائها، ولا يحق للدولة انتهاك حقوق الدول الأخرى والنوع البشري، ولا يحق للدولة التدخل فرضا أو منعا في ميادين السلطة غير السياسية ونشاطاتها إلا المحافظة على الأمن والنظام العام والازدهار في المجتمع.
وقد يبدو أيضا منطق السلطة السياسية مختلف من نظام سياسي الى آخر، ففي الأنظمة الشمولية عادة ما تتسم السلطة السياسية بظاهرة القمع والخوف وطور الاستبداد، في حين تتسم السلطة السياسية في الأنظمة الديمقراطية بالاعتدال والفصل بين السلطات مع سيادة حكم القانون وحاكمية الامة، لكن يظهر من الممارسة السياسية في العراق ان منطق السلطة السياسية يعتمد على مزاجية الحاكم وطبيعة كل مرحلة وتعارض المصالح بغض النظر عن الصنف السياسي من الأنظمة السياسية التي تسود البلد.
في عراق ما بعد سلطة الاستبداد ومنطق الاكراه والفرض والارغام حكمت البلد أحزاب من اتجاهات مختلفة قومية وإسلامية وحتى ذو ميول ليبرالية واشتراكية، بعد سنوات طويلة من المعارضة تحت دستور مكتوب، وتداول سلمي للسلطة، وسلطة تشريعية تقر القوانين، لكن في الوقت ذاته يبدو هناك متغيرات تكاد توازي القيود القانونية والمبادئ السياسية من أبرزها التوسل بأدوات العنف، من هنا وصف باحثون العنف السياسي في العراق هو الأداة الفعلية لجميع القوى السياسية التي وصلت إلى السلطة، لاسيما أن بعض هذه القوى قد استبدلت بوجودها العسكريّ وجودا سياسيا أكثر خطورة، في الوقت نفسه فإن هذه القوى قد فشلت في توجيه قنوات الصراع السلمي، والتعامل مع مشروع الأقليات والمعارضة السياسية أو الدينية.
من جانب آخر، ان منطق السلطة في العراق يتمثل في أحيان كثيرة اذا لم يتحقق بأدوات الديمقراطية والقانونية فانه قد يجعل بعض القوى السياسية تتوسل العنف السياسي او التهديد بالقوة بأساليبها المختلفة، ومن الامثلة على ذلك تداعيات ما بعد انتخابات تشرين الأول عام2021 اذ هناك سلوكيات ومواقف وبيانات خشنة وذات دلائل عنيفة من بعض القوى السياسية خاصة تلك التي خسرت الانتخابات حيث هددت باللجوء الى العنف او تهديد السلم الأهلي وما شابه، وهو ما يشكل خرقا واضحا لقواعد اللعبة الديمقراطية، ومبادئ العمل السياسي الوطني، كل ذلك لمحددات جهوية ومادية ناجمة عن مغريات السلطة.
مما تقدم نخلص الى اهم المبادئ عن تقنين السلطة وآليات منعها من العدوان وترسبات الاستبداد والفساد والتغول والتوسل بآليات العنف السياسي انطلاقا من مبادئ العمل الديمقراطي القائم على أساس التداول السلمي للسلطة، وسيادة حكم القانون، ومن هذه المبادئ الركون الى تحكيم لغة القانون، وعدم الركون الى العنف او التوسل به في محاولة لي الاذرع او تنفيذ الاجندات السياسية، فإن السلطة في الأنظمة الديمقراطية اشبه باللعبة السياسية تقوم على أساس الفائز والخاسر وهي من ابجديات السياسة.
وبالتالي هناك قوى تحكم، وأخرى تعارض، والعكس صحيح وفي ظل وجود المراقبة والمعارضة وما الى ذلك من مبادئ ترصن من مبادئ العمل السياسي الدستوري العقلاني، اما التفكير بمنطق السلطة بأنماطها الشمولية فهذا لا يمثل الا العودة الى مراحل تاريخية مظلمة مثلت انتكاسة للبلد ومواطنيه واثرت بشكل كبير على تنمية مختلف القطاعات البشرية، فاذا لم يكن اهداف بإصلاح السلطة ومؤسساتها فلا يصح بالمرة ان تفكر وتنهج أساليب السلطة الغاشمة.
اضف تعليق