q
هاجس التوسع الإيراني في الدول المقربة منها، اخذ بالتنامي في العقود الأخيرة، وعلى وجه التحديد بعد انشاء قواعد عسكرية أمريكية في منطقة الخليج، كحل اوجدته الولايات المتحدة لفرض التوازن، ويقلل من الجموح الإيراني الذي لم يعترف بالحدود الإدارية للدول، وترغب بان تكون لها حزام يحمي مصالحها من الضرر المتوقع...

لم تتمكن إيران من التوغل في المنطقة لو لا وجود التدخل الأمريكي في البلدان العربية، خصوصا بعد دخولها العراق عام 2003، اذ أصبح الشروع الأمريكي في العراق بمثابة الضوء الأخضر للتحرك الإيراني في بلاد الرافدين التي كانت عصية عليها بحكم نظامها الذي يضمر العداء لها وشن معها حرب استمرت لثمان سنوات راح ضحيتها الكثير من الأرواح والممتلكات من كلا الجانبين.

سعي إيران في التوسع بالمنطقة العربية؛ لتكون متحكما قويا ومؤثرا إقليميا لم يتوقف مطلقا، حتى جاءت ساعة الصفر، وفُسح المجال امامها لتحقق ما تحلم بتحقيقه، فعملت على تكوين جبهات داخلية تعمل لصالحها وتنفيذ مخططاتها، وتمكنت من بلوغ هذه المرحلة، ففي العراق كونت الكثير من الجهات المقربة منها، على خلاف الدول العربية الأخرى التي لم تتمكن حكومة طهران من اختراقها بالشكل الذي تريد.

هاجس التوسع الإيراني في الدول المقربة منها، اخذ بالتنامي في العقود الأخيرة، وعلى وجه التحديد بعد انشاء قواعد عسكرية أمريكية في منطقة الخليج، كحل اوجدته الولايات المتحدة لفرض التوازن، ويقلل من الجموح الإيراني الذي لم يعترف بالحدود الإدارية للدول، وترغب بان تكون لها حزام يحمي مصالحها من الضرر المتوقع.

فكلما زاد الضغط الأمريكي على إيران لتقليل دورها في المنطقة، قابل ذلك توسع إيراني كردة فعل على هذه الإجراءات، وبذلك يكون العامل الرئيس وراء تمدد إيران هو الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاوربية الحليفة لها، وحتى مسألة النووي الإيراني فيمكن ادراجه ضمن هذا الإطار، اذ ترى الأخيرة مثلما أمريكا لديها الحق في امتلاك اليورانيوم وتخصيبه، لا يحق لها منع الدول الأخرى من انتاجه للأغراض السلمية بحسب ادعائها.

كلما دارت عجلة المفاوضات الامريكية الإيرانية، بشأن الملف النووي تجد حكومة إيران نفسها امام فرصة يجب استثمارها، للتوغل في المشرق العربي، متخذة من العمق المذهبي في بعض الدول كمدخل لها لبناء كيانات معنوية منظمة تعتمد عليها لتنفيذ برامجها، وإرساء هيمنتها على مفاصل المنطقة البحرية والمنافذ المتحكمة بمنافذ التجارة العالمية، لإثبات قوتها ومساومتها للقوى الدولية بهذه الملف الحيوي والشريان النابض.

في قراءة متمعنة لما يحصل في المنطقة بين طرفي الصراع فيها وهما إيران واصدقائها، والولايات المتحدة وحلفائها، نلحظ ان أمريكا لا يمكن ان تنهي الدور الإيراني في بعض الدول العربية، ففي حال الانتهاء، تنتفي الحاجة من وجودها بهذه الكثافة، اذ من الممكن ان يقتصر على عدد من المستشارين والمدربين، الى جانب عدد محدود من المعسكرات، مع وجود احتمالية تعرضها للقصف بين حين وآخر.

وجود الازمات في المنطقة وبهذا الزخم يجعل الدول العربية تندفع بتجاه الحليف الأقوى لحمايتها من التوسع الإيراني، واجبارها على الدفع المسبق والخضوع التام لما يفرض عليها من جانب الدول القوية الاوربية وغيرها ممن اجادت قواعد السيطرة على سير الأمور السياسية، يقابل ذلك تقديم ضمانات لأمراء الدول العربية بعدم المساس بكراسي حكمهم.

لم يحصل التوسع الإيراني في المنطقة بمعزل عن العلم الأمريكي او خارج دائرة الاهتمام الأجنبي، فالكثير من النشاطات التي تقوم بها إيران بالتشارك مع بعض الدول العربية، بما فيها التبادل التجاري الذي يحصل مع دولة الامارات العربية المتحدة وتبادل المنفعة بين الطرفين.

بعد ذلك تحولت إيران الى شريك أساسي وفاعل، استطاع ان يتمدد من العراق خروجا بتجاه سوريا عبورا الى لبنان، وصولا الى اليمن، اذ استثمرت الحرب الأخيرة والحاجة اليمنية ليد المساعدة لمواجهة الخطر الداهم من الاخوان العرب، وذلك جعل من إيران متمركزة ومسيطرة على منذ تجاري مهم يطل على خليج عدن والبحر الأحمر وما يشكلان من أهمية للمحاور الدولية.

ومع الاختلاف بوجهات النظر ومديات الصراع، يبقى هنالك تعاون وتقارب بين الخصمين، وفي أكثر من موضع، آخرها الحرب جنبا الى جنب ضد تنظيم داعش، ما يعني وجود مصالح مشتركة واهداف متشابهة تربط الولايات المتحدة بإيران سواء من الناحية السلبية او الإيجابية، بعيدا عن مصالح دول المنطقة وما يعكسه هذا العداء عليها.

اغلب الحركات الاحتجاجية على الأدوار التي تؤديها الأطراف الدولية في المنطقة تصدر من مؤيدي محور على حساب المحور الآخر، بعيدا عن التأثير العام لهذا المحور على البلد المتحرك فيه والمؤثر في سياسته الداخلية أولا والخارجية، ولم يحصد العالم العربي إلا اهتزازاً في أمنه واستقراره وسيادته، على مر الحقب العابرة.

عقد بعد آخر تواجه المنطقة العربية مزيدا من التحديات، الى جانب التحركات التوسعية المستمرة من قبل الطامعين فيها والحالمين بإرجاع زمن الامبراطوريات، فلا خطابات التنبيه والتحذير الغربية تنفع لإيقاف حالة التغير المستمر في التعامل المتفرد من قبل بعض الأطراف إزاء القضايا المهمة، ولا أبناء تلك الشعوب لديهم القدرة على صد هذه الهجمات، معلقين الامل على العامل الخارجي الذي نراه ويراه الكثير هو السبب وراء الكثير من التداعيات الإقليمية.

اضف تعليق