q
هناك كفاح مستميت تقوم به كل الشعوب والأمم الرافضة لمسعى تعميم النموذج التحديثي الغربي.. وعلى رأس هذه الشعوب والأمم، الأمة العربية الإسلامية حيث ان الإسلام بعقيدته وقيمه وتعاليمه ونظمه وأخيراً بحضارته يشكل نموذجاً حضارياً بديلاً لنموذج التحديث الغربي.. وأمام هذا التجاذب والاستقطاب الحضاريين نشأ في العالم العربي والإسلامي...

لا شك أن من السمات الأساسية التي يمكن أن نطلقها على العصر الذي نعيشه، هو أنه عصر تعميم وتوسيع دائرة النموذج الغربي لعملية التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بحيث تشمل العالم بأسره.. وقد انعكست هذه العقلية المركزية الغربية في جميع مرافق ومجالات الحياة. فالايدلوجية الرأسمالية يزعم أقطابها أنها تقوم على حقائق أبدية خالدة، حقائق تتجاوز حدود التطور التاريخي، لتصب في إطار نموذج على الجميع أن يهتدي به ويقلده..

وهكذا أصبحت التجربة الخاصة للتطور في المجتمعات الغربية هي القاعدة العامة والقانون الأساسي لعملية التحليل النفسي والاجتماعي وعلى ضوء هذا أصبحت الثقافة العربية بشقيها الفرنكفوني والانكلوسكسوني، هي مركز الثقافات والمحور الذي تدور حوله بقية الثقافات والحضارات ودونها من الثقافات تابعة - هامشية وذات دور ثانوي في صياغة المسيرة الإنسانية وفي هذا الإطار «إطار العمل على تعميم النموذج الغربي واعتباره النموذج الوحيد الذي ينبغي أن يسود في العالم» جاءت مفاهيم التقدم والتخلف، والتحضر والبربرية، والتمدن والتوحش وغيرها من الشعارات والمقولات التي تعكس معايير ومقاييس الغرب في النظر والتحلل.

ومن هنا فإن الثقافة الغربية (على حد تعبير الكاتب التونسي محسن الميلمي) تساوي بين الزمن والقيمة. فالجديد «زمنياً» هو المتقدم، والقديم «زمنياً» هو المتخلف.. وفي هذا السياق الحضاري صفق «هيجل» لما سماه بانتصار الروح الأوروبية وعودتها إلى مجدها عند احتلال فرنسا لدولة الجزائر واعتبر ماركس وانجلز الاستعمار الفرنسي للجزائر خطوة تقدمية سترتقي بالجزائر من دور الإنتاج الاقطاعي إلى الطور الرأسمالي، كما أن زعيم المدرسة الوضعية الحديثة «أوغست كونت» يرى أن التفكير البدائي كان في مرحلته الصبيانية وهمياً يعتمد الأساطير والأديان، ثم جاء اليونان فولد العقل المجرد ثم تطور إلى التجريب مع عصر النهضة الأوروبية ليبلغ المرحلة الوضعية في هذا العصر وهي المرحلة النهائية..

وقد اعتبر «هيجل» القارة الافريقية خارج التاريخ وعلى عتبة التاريخ وأنها لم تعرف العقل، وأن المقدار القليل من التحضر الذي عرفه شمال افريقيا يرجع إلى صلته بأوروبا، كما أن «لوشان باي» قد حدد مفهوم التنمية السياسية عن طريق استخدام عشرة مؤشرات استقاها من النموذج الغربي للتحديث.. وفي نفس المجال قام «جبرائيل الموند» و«ح. باول» بتصنيف النظام الليبرالي الأمريكي يقع على رأس قائمة النظم السياسية الأكثر تطوراً. وبكلمة أن سمة التعميم والمركزية الشديدة في العقلية الغربية عموماً انتجت ثقافة السيطرة ونزعة النفي، والهيمنة والاقصاء في العقل الغربي.

وقد انتقد المفكر الفرنسي «روجيه غارودي» هذه النزعة بقوله (الغرب عرض طارئ، وثقافة شوهاء، فليس الغرب إلا طوراً من أطوار الحضارة، ليس أحسنها ولا أفضلها ولا أكثرها إنسانية وتقدمية) وقد اعتبر «كارداي فاكس» أن تقدم المسلمين المعرفي في مختلف المجالات كان سبباً رئيسياً ومباشراً وراء تحفيز القدرات الأوروبية على استقاء المعرفة والنهوض بها في عهد النهضة الأوروبية، أي أن الحضارة الغربية لم تتطور من العدم وإنما اعتمد الغربيون في تشكيلها على سابقاتها من الحضارات حيث نهلوا منها نتاج تراكم المعرفة الإنسانية، وما أدت إليه من تنام في قدرة الإنسان على التحكم بالبيئة فكانت لهم الأساس الذي شيدوا عليها لبنات حضاراتهم الرائدة الحالية.

وفي مقابل هذا السعي الحثيث لتعميم نموذج الحضارة الغربية على العالم بأسره، هناك كفاح مستميت تقوم به كل الشعوب والأمم الرافضة لمسعى تعميم النموذج التحديثي الغربي.. وعلى رأس هذه الشعوب والأمم، الأمة العربية الإسلامية حيث ان الإسلام بعقيدته وقيمه وتعاليمه ونظمه وأخيراً بحضارته يشكل نموذجاً حضارياً بديلاً لنموذج التحديث الغربي.. وأمام هذا التجاذب والاستقطاب الحضاريين نشأ في العالم العربي والإسلامي تياران يحاول كل منهما أن يبشر بنموذج حضاري معين بعد محاولة وممارسة عملية النقد الغربي لعملية التحديث، والذي يهمنا في هذا الإطار هو مناقشة آلية عملية النقد التي قام بها هذان التياران.

أولاً - تيار التغريب والتذبذب الحضاري:

ويضم هذا التيار مجموع القوى والشخصيات التي انطلقت في عملها الفكري أو الاجتماعي أو السياسي من منطلق عقدي أو فكري ينتمي حضارياً للغرب فهو يضم كل المنبهرين بالحضارة الغربية الذين ربطوا مصيرهم بمصير الغرب سياسياً وحضارياً ولكي تتضح عملية النقد التي قام بها هذا التيار نقول: انه مع بداية استقلال بلدان العالم العربي والإسلامي بدأت الدوائر الأكاديمية الغربية في تطوير حل أكاديمي جديد هو حقل التحديث والتنمية.. وتهدف هذه الدوائر الغربية في هذا الإطار بتطوير مجموعة من النظريات والمناهج التي تتعلق بعملية التحديث للمجتمع والدولة.. وخلاصة هذه المناهج والنظريات يمكننا أن نختصرها في المقولة التالية:

إن تحقيق التنمية والتحديث في البلدان العربية والإسلامية لا يمكن أن يتأتى أو يتحقق إلا إذا حذت هذه الدول حذو الدول الغربية واتبعت نموذجها التحديثي... وبتعبير آخر: أن النهج الوحيد للدخول في عالم التحديث هو الالحاق والتبعية السياسية والثقافية والاقتصادية للغرب.. فالغربنة هي شرط التحديث وطريقه.

ومن هنا نجد أن مفكري العالم الغربي هم الذين نظروا إلى العالم الثالث وهم الذين حاولوا تشخيص مأساته، واستند جهدهم التحليلي والنظري إلى الاطار المرجعي الغربي وهو اطار يعني التحيز أو التمركز حول الذات الأوروبية ودائماً كان التفكير في مأساة العالم الثالث تفكيراً بالوكالة.. فالفهم الذي قدمه الأدب التنموي لطبيعة العالم الثالث فهم مشوه.. ولقد كان من نتائج هذا التشخيص الخاطئ أن نسبت أسباب التخلف إلى الأوضاع البنيوية والاجتماعية والحضارية لهذا العالم.

بل وصلت بهم الجرأة أن قالوا ان الظاهرة الاستعمارية ذاتها لعبت دوراً رئيسياً في تطوير العالم الثالث وتحديثه وتنمية هياكله الأساسية. فالدول الغربية تحاول الابقاء على الدول النامية، نامية إلى الأبد حيث تعتمد في تحديث هياكل الدولة ومؤسسات المجتمع على النموذج الغربي.. يجعل ويربط مصير هذه العملية بما تمنحها هذه إلا بالقدر الذي يحافظ على تبعيتها والحاقها الحضاري بها.

ويشير إلى هذه المسألة (س. ايزنستادت) بقوله إن عملية التحديث هي التغير نحو تلك الأشكال من الأنماط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تطور في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية منذ القرن التاسع عشر حين ابتدأت عندئذ بالامتداد إلى البلدان الأوروبية الأخرى.

وفي القرنين التاسع عشر والعشرين امتدت إلى بلدان أمريكية جنوبية وآسيوية وأفريقية فيقدم لنا «ايزنستادت» وغيره مثالاً جلياً على عدم وجود تمييز واضح عند الكثير من خبراء التحديث والتنمية الغربيين أن النخبة السياسية والثقافية التي مارست عملية النقد والاقتباس استعارت ذات أدوات البحث والتحليل الغربية، بمعنى أن المجهود الفكري والثقافي والتحليلي الذي بذلته هذه النخبة كان يكرس عملية التبعية والخضوع للغرب ولم يكن هذا المجهود في اتجاه التحرر والانعتاق من السيطرة الغربية ولهذا نجد أن النخب المتغربة هي صدى للتيارات والمدارس الفلسفية والفكرية في العلم الغربي.

ففي عالمنا الغربي والإسلامي هناك امتداد لتطورية داروين ووضعية كانت ونشوئية سبنسر وحتمية انجلر وماركس المادية وفرويد الجنسية ودور كهايم الاجتماعية ووجودية سارتر وهيدكير وعبثيتهما وبنيوية ميشيل فوكو وصنمية الإنسان عند جوليان هكسلي ونيتشة ورسل.. إنها صورة فسيفسائية لواقع النخب المتغربة في عالمنا العربي والإسلامي.

وينبغي التأكيد في هذا الاطار: أن الخطيئة الحضارية الكبرى التي وقع فيها الغرب أنه قام بعملية الربط والالتقاء بين تقدمه وتطوره كعمليتين تاريخيتين منفصلتين فالعمليتان بالنسبة لهم تشكلان عملية واحدة وحسب، وقد تناسى هذا وأمثاله أن عملية التفاعل بين الكائن البشري والطبيعة ابتدأت منذ وجود الإنسان على وجه هذه المعمورة وأن ما نعايشه الآن قدرة هائلة في التحكم والسيطرة في شؤون الطبيعة المحيطة به، ولنا ملاحظتان على عملية النقد والاقتباس التي مارسها هذا التيار وهي:

- التقني والمادي وتقدمه في مجال القيم والأخلاق والسلوك لذلك فهو يصدر تكنولوجيته مع قيمه وتطوره الأخلاقي ونمط معيشته.

- إن عملية التحديث تعتمد اعتماداً كلياً على تفعيل القدرات الذاتية للمجتمع. ولا تعتمد علمية التحديث على مبدأ التقليد الأعمى المفرغ من عملية الاستيعاب والإبداع كما أن عملية الحديث ليست عملية ميكانيكية بحتة حتى نجعل مؤشرات ومتغيرات كمية من قبيل الرفاه الاجتماعي ونسبة سكان المدن للريف وعدد المدن الذي يزيد عدد سكانها عن ومن هنا نجد أن غالبية نماذج التحديث التي تأتي من الخارج يلازمها استبداد سياسي وكبح لقوى المجتمع الذاتية حد معين ونسبة العمال الصناعيين للعدد الاجمالي للقوى العاملة ومستوى دخل الفرد وما أشبه. بل ان عملية التحديث يجب أن تكون ديناميكية، تعتمد على أسس راسخة وعوالم ثابتة في المجتمع لعملية النهوض والتحديث.

وأن عملية التحديث السياسية لا تبدأ بالمظاهر والمؤشرات الكمية. وإنما تبدأ بالمضمون والجوهر هو الانسان فبدون أن يتغير الإنسان في ثقافته وقيمه ونظرته إلى الذات والآخر تبقى عملية التحديث ظاهرية - مزيفة ولا تعكس الواقع بأمانة... (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فمربط الفرس في عملية التحديث هو الإنسان والنظام القيمي الذي يتحكم فيه على المستوى الشخصي والاجتماعي، وبكلمة فإن هذا التيار في اطاره العام يأمل بالانعتاق السياسي والاستقلال الاقتصادي، ولكن في ذات الوقت يدعو للسير في الركب الحضاري الغربي بمنطلقات مغايرة للخصائص العقدية والتاريخية لواقعنا العربي والإسلامي.

لا شك أن العالم العربي والإسلامي، أصيب بأزمة حادة ومتعددة الجوانب والحقول من جراء السيطرة الغربية وسعيها الحثيث للقضاء على كل مقومات البناء الذاتي للمجتمع، لكي يبقى هذا المجتمع رهيناً وأسيراً للقوة الغربية..

وحالة الصدام والمواجهة التي جرت بين بلدان العالم العربي والإسلامي، والحركة الاستعمارية الغربية.. خلقت مجموعة دوافع وحوافز لدى أبناء هذه البلدان، للعمل على نقد النموذج التحديثي الذي حاولت الحركة الاستعمارية وبالخصوص في الحقبة الأخيرة من استعمارها المباشر، وتكريمه في الواقع العربي والإسلامي.

ثانيا: التيار التقليدي الكلاسيكي

ومن هنا تبلور التيار الثاني الذي يبشر بنموذج حضاري معين ويمارس عملية النقد للنموذج الغربي وأنماطه التحديثية.. وهو التيار التقليدي «الكلاسيكي» وأهم ما يمكن أن نلاحظه في عملية النقد التي تنطلق من الأرضية التقليدية هو التأكيد على المسألة الأخلاقية في تحديد واستشراف مستقبل هذا النموذج التحديثي وقد تكون خلفية هذا الموقف هو حالة الانهيار التي أصابت قطاعاً واسعاً من المجتمعات العربية والإسلامية.. حتى أن بعض علماء الأمة وزعمائها بدأوا يحاولون تكييف قيم الإسلام ونظمه، مع المؤسسات والهياكل والأطر التي أوجدها النموذج التحديثي في الأمة.

وينبغي التأكيد في هذا المجال أن عنصر الأخلاق لوحده لا يصنع حضارة، كما أن الانحرافات الخلقية والجرائم الاجتماعية المختلفة، تشكل مظهراً لخلل كامن على الصعيد العقدي والفكري والاجتماعي في ذلك البلد.. فحينما نرى هناك ازدياداً هائلاً في معدل الجريمة وارتكاب الموبقات، وتناول المخدرات، هذا يكشف لنا عن خلل جذري يعيشه هذا المجتمع.

فالإسلاميون التقليديون في عملية نقدهم للنموذج التحديثي في الأمة وقفوا فقط أمام هذه الانحرافات دون سبر لأغوار المشكلة، وبدون التعرف على النظام والهيكل الذي انتج هذه المشكلات والانحرافات، بينما عملية النقد المثلى هي التي تتجه إلى النظام الداخلي ونمط وهيكلة الدولة والمؤسسات، التي يعتمد عليها النظام السياسي والاقتصادي في تسيير أموره وقضاياه.. لا انتقاد مظاهر عمل هذه الدوائر فقط، فإن الانحرافات الخلقية، وازدياد الجريمة، وتعاظم نسبة تعاطي المخدرات والكحول لا شك أن لها تأثيراً في الاندثار والسقوط بينما المطلوب هو إيجاد مؤشرات جديدة لقياس عملية الحداثة وتكون ذات دلالة جوهرية ومفصلية في مسيرة المجتمع وعملية النقد المطلوبة، هي التي تبدأ بالأساس والقاعدة لا النتائج والظاهر وحسب. وبكلمة واحدة فإن التيار التقليدي حاول فقط أن ينقد القيم المادية التي يعتمد عليها الغرب ويستمد منها تصوراته واستراتيجياته في الداخل والخارج ويمكن أن نلاحظ على هذه العملية التي قام بها هذا التيار تجاه نمط الحداثة الغربية الأمور التالية:

- من المسائل الأساسية التي ينبغي أن يدركها الجميع إن عنصر الأخلاق وحده لا يصنع حضارة.. صحيح أن العنصر الأخلاقي ركن أساسي في عملية البناء والتطور. لكن لا يمكننا أن نستغني عن العوامل المادية والفنية التي تشارك في التقدم والازدهار الحضاري. واقتصار النقد على الجوانب الخلقية أو الاستقلالية للشعوب الأخرى أو المظالم العالمية المختلفة يحصر الحديث حول بديل فاضل خلقياً، وعادل عالمياً، ثم يبقى الباب مفتوحاً للانهيار بمؤسسات الحضارة الغربية من الدولة إلى البنوك إلى الشركات والجمعيات المختلفة وابتلاعها مع بعض التحويرات الفوقية والشكلية مما قد يحمل البديل الإسلامي بذور خرابه وانحرافه، لأن تلك المؤسسات ليست مجرد آلات صماء لا قبل لها على فعل شيء إلا وفقاً لما تعاطاه من أوامر. وإنما هي مقومات قاعدية وهيكلية لنظام متكامل ولها آلياتها وأحكامها ومن ثم يؤثر في راكبها ربما أكثر مما يؤثر هو فيها حتى لو حمل أخلاقاً غير تلك التي حملها راكبها السابق من أهل الحضارة الغربية.

- إن نموذج التحديث الغربي قد غزا العالم بأسره وأصبح متغلغلاً في داخلنا وبيوتنا ومدارسنا ومصانعنا، في عقول شبابنا وفتياتنا، في نمط الإدارة والحكم، في مؤسسات القطاع العام والخاص، في النظام التعليمي والاقتصادي والإعلامي وما أشبه ذلك لا يمكننا أن نواجه هذا الغول بمنطق المتصوفين والمهزومين في الحياة أو بحقل من حقول معرفتنا ونظامنا الفكري المرجعي وإنما ينبغي أن نواجه التحديثي بأصالتنا العقدية على أساس شموليتها وقدرتها على المواجهة الحضارية مع نمط الحداثة الغربية.

من المؤكد أن عملية التحديث هي عملية إنسانية مستمرة ودائمة ترتبط ارتباطاً مباشراً باستخدام وتطوير الإنسان الدائم للجانب المادي والفني من المعرفة البشرية التراكمية واستغلاله في تفاعله مع البيئة المحيطة بهدف تطويعها واستخدامها ايجابياً لتحقيق التقدم البشري بصورة دائمة.. فالحداثة بالدرجة الأولى مفهوم نسبي يعكس قدرة الإنسان الفرد والمجتمع على التفاعل واستخدام الطبيعة بصورة حسنة.

لذلك ينبغي أن لا نغفل عن المجهود الإنساني المستمر عبر التاريخ، الذي صنع عبر التراكم الايجابي هذا التطور الهائل الذي يعيشه إنسان هذا العصر.. وفي رأينا إن كلا التيارين لم يوفرا الأسس المطلوبة للفهم والمعرفة العلمية والعصرية الدقيقة للحضارة الغربية لذلك فإن أغلب الجهود الفكرية والمعرفية التي بذلت في نقد الحضارة الغربية، لا ترقى إلى مستوى التحليل العلمي الرصين والموضوعي في ذات الوقت..

بمعنى أن تلك الجهود قدمت لنا الغرب باعتباره غابة من كل الانحرافات والمشاكل المستعصية عن الحل، وكان محورها حالة الفراغ الروحي الذي يعيشه المواطن الغربي.. مما بسط المسألة واعتبر العالم بمثابة ساحة فارغة من الإرادات العقدية والسياسية.. وقد أشار إلى هذه المسألة الدكتور عبدالله النفيسي بقوله: «والذي يتأمل نتاج المطبعة الإسلامية وفكر الدعوة إذ جاز التعبير، يلحظ بعض التصورات الخاطئة المبثوثة بين الإسلاميين ومنها أن هذا العالم يعيش في حالة (الفراغ) فكري وروحي وقيمي وحضاري وأن الحركة الإسلامية جاءت لتملأ هذا الفراغ وتسده». وأغفلت هذه الجهود بشكل أو بآخر، نقاط القوة التي اتكأت عليها الحضارة الغربية في تقدمها ومدنيتها المعاصرة.

وجماع القول في هذه المسألة: ان الموقف المطلوب في عملية التحديث والعصرنة.. هو موقف الاستيعاب والتجاوز.. استيعاب ما لدى المجتمع المتفوق من تراكم معرفي، ومقدرة على التحكم في شؤون البيئة والطبيعة، واستيعاب أسرار التقنية الحديثة، وتجاوز لكل عناصر النموذج التحديثي الأخرى.

اضف تعليق