q
المشكلة الأساسية التي أدت إلى هذا الإنسداد السياسي هي أن الجميع يريد أن يلعب، بينما لا يتسع الملعب إلا لعدد محدود من اللاعبين، وقواعد اللعبة السياسية تفرض وجود لاعبين خارج الملعب يجلسون على كراسي الاحتياط يمكن اللجوء إليهم في حال فشل اللاعبين الموجودين في الميدان...

طرح الإعلامي أحمد ملا طلال سؤالاً على السياسي العراقي عزت الشابندر، وقال له: إذا كانت الأطراف المنضوية تحت خيمة الإطار التنسيقي تملك عدد المقاعد الذي يؤهلها لتكون الكتلة الأكبر، لماذا لا تعلن عن هذه الكتلة وتنهي الأزمة السياسية الحالية وتمضي في طريقها لتشكيل الحكومة بعد تصديق النتائج من قبل المحكمة الاتحادية؟

أجاب الشابندر بأن قوى الإطار لا تنظر للمرحلة المقبلة من منظار عدد المقاعد البرلمانية، لأنها ترى أن استخدام هذا الشكل من العمل السياسي سيدفع التيار الصدري إلى المعارضة، وإذا حدث هذا لن يكون هناك استقرار سياسي.

ويقصد الشابندر بأن التيار سوف يعمل على تحريك جماهيره في تظاهرات تربك المشهد السياسي وتزيد من شدة الأزمة الراهنة كما حدث في عدة مرات سابقاً.

ويواصل الشابندر حديثه بالقول: أنه في حال أخفق الإطار التنسيقي بتشكيل الحكومة وقيادة التيار بتشكيل الحكومة ولوحده سوف يسبب مشكلة سياسية للأطراف الأخرى التي تملك من الوزن الجماهيري والسياسي ما يمكنها من فعل ما تريد من أجل منع حدوث الاستقرار لأي حكومة يشكلها التيار الصدري.

بمعنى أن الطرفين يخيفهما الدخول في المعارضة، ويخيفهما تشكيل الحكومة بدون مشاركة الخصم السياسي حتى لا يتعرضون للسقوط بأسرع وقت.

ما تحدث به الشابندر لم يأتي بجديد، فهذه المخاوف ليست مخفية على أحد، وهي متداولة في وسائل الإعلام بشكل أكثر تفصيلاً، وأغلب الكتاب والمتابعين للشأن السياسي لديهم هذا التحليل للوضع الراهن.

كما أن أغلب القيادات السياسية تعرف وتمارس هذا الفعل تحت شعار "أنا أو الفوضى"، وباللهجة العامية "لو ألعب لو أخرب الملعب".

المشكلة الأساسية التي أدت إلى هذا الإنسداد السياسي هي أن الجميع يريد أن يلعب، بينما لا يتسع الملعب إلا لعدد محدود من اللاعبين، وقواعد اللعبة السياسية تفرض وجود لاعبين خارج الملعب يجلسون على كراسي الاحتياط يمكن اللجوء إليهم في حال فشل اللاعبين الموجودين في الميدان.

كرسي الاحتياط هذا تمثله مقاعد المعارضة التي يرتعب الجميع من الجلوس عليها لأنهم يعتبرون المدة التي ينزل فيها خصمهم على الملعب لا تعطيه القدرة على اللعب فقط، بل تدفعه للاستحواذ على الملعب بشكل كامل بما فيه من منشآة وحكام وجماهير وبدون الخصوع لأي معايير تحد من قدرته على التحكم في مسارات العملية السياسية.

كل هذا يفرز لنا مسألة الثقة المفقودة بين أطراف العملية السياسية في العراق، نتيجة تراكم الأخطاء وتأجيل الحلول، واستخدام الترقيع السياسي كجزء من أساليب الهروب إلى الأمام.

عقد ثقة جديد

مسألة الثقة كانت حاضرة في أطروحات القيادات السياسية، وعلى رأس القائمة رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي طرح في أكثر من مناسبة فكرة انشاء عقد اجتماعي جديد، كان آخرها ما قاله في بيانه بشأن مئوية الدولة العراقية الحديثة وشدد على ضرورة انشاء عقد اجتماعي جديد.

بمجرد طرح رئيس الجمهورية لفكرة انشاء عقد جديد هو اعتراف واضح بفشل القواعد التي تحكم العلاقة بين الحكام أنفسهم من جهة، وبين الحكام والمواطنين من جهة أخرى.

لكن الإشكالية في طروحات الرئيس صالح، وغيره من السياسيين هي الغياب التام للثقة بين الأطراف السياسية لدرجة أن كل واحد منهم لا يثق بطروحات غيره مهما كانت مجردة من الانحيازات الحزبية والذاتية، فمن وجهة نظر خصوم صالح تعني مسألة طرح عقد جديد بمثابة محاولة للإلتفاف على المكاسب التي حصلوا عليها خلال السنوات الماضية.

والسبب الحقيقي لانعدام الثقة الذي نعاني منه الآن، هو حالة التحول والتي ترافقها دائماً الفوضى.

بمعنى اننا نعيش منذ عام 2003 وحتى الآن مرحلة من التحول أو مرحلة انتقالية بين نظام ديكتاتوري مغلق شديد المركزية إلى نظام جديد لم تتضح قواعده بعد، إذ لم يستطع الدستور أن يكون القاعدة الناظمة للعلاقة بين الأطراف السياسية، كما فشلت أغلب القوانين في وضع قواعد واضحة.

لم يتبق أمام هذه الأطراف أي حاجز لمنعها من الاستيلاء على السلطة أو إحداث فوضى، وتستخدم بشكل أوسع القوة بمختلف أشكالها سواء كانت السياسية عبر التحالفات الداخلية والخارجية أو القوة العسكرية التي تستخدم السلاح كوسيلة للتحرك السياسي.

وإذا فشلت إحدى القوى في السيطرة على السلطة، تستخدم نفس القوة (عسكرية كانت أم سياسية)، من أجل إرباك المشهد وقلب المعادلة لصالحها، أو إحداث الفوضى حتى لا يستقر حال خصومها وتحسب له انجازاً.

يبقى الرادع الأخلاقي هو الحاجز الأخير الذي يمكن الركون إليه، وهذا الرادع يمكن التعبير عنه بالمصلحة الوطنية وغيرها من التسميات التي لا تخرج من إطارها الأخلاقي.

الأطراف السياسية تعرف أن هذا النوع من التعامل غير الأخلاقي وغير الدستوري مربك وغير مريح، وتريد الخروج منه، لكنها لا تملك الجراة والإرادة لتحقيق هذا الانتقال من حالة غياب القواعد الدستورية والقانونية والأخلاقية إلى بناء أسس رصينة للتعامل تضمن سلاسة انتقال السلطة من طرف إلى آخر دون أن يشعر بالغبن أو الخوف من سطوة الطرف الحائز على السلطة، ومن دون محاولات الطرف الخاسر لتدمير هذه السلطة والاستيلاء عليها بدون مسوغ قانوني أو أخلاقي.

اضف تعليق