العيش في الحاضر لا يعني التوقف عن التفكير في الماضي أو المستقبل فالتفكير في الماضي جيدا نوعا ما لكن ان تكون عالقا فيه فهذا خطير حيث يبقيك في الماضي وانت تعلم بأن الماضي مضى ولن يعود مهما حاولت، واما التفكير في المستقبل لا يمكن التنبؤ به...
يمكنك التخطيط لمستقبلك بتفاصيل رائعة لكن ليس مضمونا استمرار تخطيطك لطوال الوقت، فالحياة لها خطتها الخاصة بها وأحيانا قد تختلف عما كنت تتوقعه، لذا يعتقد البعض على أهمية التوقعات لمستقبل أفضل، وهذا غير صحيح إطلاقاً، فالحياة لا تحتاج إلى توقعات وإنما تحتاج إلى من يفهمها ويعيشها بحاضرها.
الكثير من الأفراد يجعلون عقبات أمام التمتع بما هو موجود بين أيديهم ويرفضون اللحظة التي يعيشونها، لذلك يعيشون في لحظات مستقبلية تستند إلى "توقعات خيالية" تسلبهم السعادة وتجعلهم يكافحون من اجل شيء مجهول، فعلى الأفراد ان يفكروا جيدا في حياتهم ويغتنموا الفرص المتاحة لهم، فروي عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: ما فات مضى وما سيأتي أين، قم فاغتنم الفرصة بين العدمين(1).
العيش في الحاضر لا يعني التوقف عن التفكير في الماضي أو المستقبل فالتفكير في الماضي جيدا نوعا ما لكن ان تكون عالقا فيه فهذا خطير حيث يبقيك في الماضي وانت تعلم بأن الماضي مضى ولن يعود مهما حاولت، واما التفكير في المستقبل لا يمكن التنبؤ به لاننا نشك قد يحدث هذا او ذاك او لا يحدث اطلاقا ولا نملك اليقين المطلق بحدوث الاشياء او عدم حدوثها لذلك يسيطر علينا القلق والخوف وعدم الرضا مما يؤثر على حاضرنا.
فمن الجيد ان يفكر الأفراد في الماضي والمستقبل ويتخذوا العبر والدروس من نجاحاتهم وأخطائهم في الماضي والاستعداد لما سيأتيهم في المستقبل شرط ان لا يبتعدوا من العيش في الحاضر ولا يركزوا على الماضي والمستقبل فقط بل هناك حاجة الى تحقيق التوازن فيما بينهما فالتفكير في أي منهما بمفرده قد يكون له اثارا سلبية على حياة الفرد.
قاربت 2021 على الانتهاء واغلبنا وضع خططا لها واليوم اصبحت ذكرى من الماضي تلاشت ولم تعد موجودة، مرت بسرعة كبيرة جدا بحيث تغيرت من المستقبل إلى الماضي في فترة قصيرة قد لا تشعر بها اطلاقا، وأنت تقرأ هذا المقال وقد تعتقد أن هذا الموقف هو حاضرك، لكن ماذا لو أخبرتك أنه من ماضيك؟ جميع الفقرات التي قرأتها حتى الآن هي بالفعل جزء من ماضيك، فعندما تقرر وتختار قراءة نص كانت القراءة جزءا من مستقبلك القريب، لكن عندما تقرأ تتلاشى وتصبح القراءة جزءا من ماضيك، الماضي الذي نتعلم منه الدروس والعبر لا العيش فيه.
وإليك 5 نصائح حول كيفية تحقيق أقصى استفادة للعيش في الحاضر والتخلص من التفكير في الماضي والمستقبل:
التخلص من الماضي
الماضي جزء من الحياة لم يعد موجودا ونعلم جيدا ان كل ما لدينا هي اللحظة الحالية التي نعيشها، لكن من خلاله نتعلم كيف نعيش هذه اللحظة التي بين أيدينا فهو تجربة مليئة بدروس الحياة من النجاحات والإخفاقات، فليس معيب ان يلتفت الفرد منا الى ماضيه بشرط ان تكون هذه الالتفاتة منتجة لتصحيح مسار ما وعدم الوقوع مرة أخرى.
التفكير الإيجابي
العقل البشري هو من يخلق السعادة والمعاناة، نحن سعداء وتعساء بأفكارنا، فالأفكار الايجابية تجعلنا نشعر بالرضا وراحة البال، واما السلبية منها تجعلنا نشعر بالسوء وعدم الرضا، فالأفكار بحاجة الى تعبئة علمية فروي عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: (اعملوا بالعلم تسعدوا)، فالعلم هو المرشد والمنقذ للعقل البشري وبه تصلح الامور شرط ان يعمل به لذا ورد في الحديث (اعملوا) فعلم من دون عمل لا تتحقق السعادة. (2)
القناعة بما لديك
ان تكون مقتنعا بما لديك في الوقت الحالي، لا تجعل تفكيرك في دائرة الماضي والمستقبل، فكل واحد منا لديه الكثير من النعم في حياته، فعائلتنا، وأصدقائنا، وصحتنا، ومنازلنا، ووظائفنا، وسمعتنا الجيدة بين الناس، كل هذه نعم يمتلكها الفرد في حاضره، الا انه غير قنوع وفي بعض الاحيان غير راض بما قسمه الله له لذا يفقد لذة الحياة الطيبة التي يعيشها، فعندما سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قوله تعالى: "فلنحيينه حياة طيبة" قال: "هي القناعة" (3) فمن ابرز مصاديق الحياة الطيبة هي القناعة فلو أعطيت الدنيا بأكملها للفرد وسلبت منه روح القناعة سيعيش في عذاب وألم وحسرة.
السلام الداخلي
السلام الداخلي هو حالة من التوازن والصفاء الروحي مع أنفسنا ومع الآخرين فبه نستطيع التغلب على جميع تحديات الحياة، ومن خلاله نبتعد عن التفكير القهري الذي يجعلنا نفكر في الماضي او نخطط للمستقبل، نحن قادرون على تبادل ما بين 60 و 80 ألف فكرة في اليوم الواحد، تخيل تنزيل الكثير من البرامج أو التطبيقات على هاتفك المحمول ماذا سيحدث لها؟ سوف يتجمد نظامه ويتوقف عن العمل وان لم يتوقف يصبح بطيئا هذه هي الطريقة التي نتجمد بها ونحترق، فالسلام الداخلي يعني معرفة كيفية تمييز الاشياء وخلق التوازن فيما بينها، وهذا لا يأتي بين ليلة وضحاها بل يحتاج الى المزيد من الجهد وتطوير الذات.
مسامحة الآخرين
قد يكون آخر شيء تريد فعله حاليا لشخص أساء إليك هو ان تسامحه، لا أحد كامل والجميع يخطئون، فيجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الطرف الآخر الذي تسبب في موقف معين لك ربما لم يؤذيك عن قصد وأن كل ما حدث كان عبارة عن مجموعة من الظروف المؤسفة لهذا السبب تحتاج إلى مسامحة هذا الشخص على الأخطاء التي ارتكبها بحقك، فروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: إذا أوقف العباد نادى مناد: ليقم من أجره على الله وليدخل الجنة، قيل: من ذا الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس (4).
توجهنا الحياة دائما لنحصل على ما نريد وفي بعض الاحيان ترسل لنا إشارات بأننا نسير على الطريق الصحيح، أو أننا نقنع أنفسنا أننا نسير على الطريق الصحيح نخشى أن يكون هذا هو قطارنا الأخير، وان لم نستخدمه فلن يكون لدينا المزيد من الفرص، كل هذا قد يحدث بسبب تراكمات الماضي، فإذا لم تكن مستعدا للتخلي عنه فلن تكون مستعدا للسماح لأشياء جديدة بالدخول إلى حياتك، فالقرارات القديمة التي كنت تتخذها هي القرارات الصحيحة في ذلك الوقت الذي انتهى ولم يعد موجودا، نحن نعيش في الوقت الحاضر لذا تحتاج الى مسار جديد وتفكير جديد يخرجك من قوقعة الماضي والعيش في الحاضر.
اضف تعليق