قبل أشهر قليلة، وتحديدا بعد الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية في انتخابات مجالس البلدية، لم يكن في تركيا من يستطيع ان ينتزع مكانة "اردوغان" او "حزبه" في الحياة السياسية هناك... وكان التفوق واضحا على الخصوم، (من أمثال غولن)، بعد ان أطاح بهم بالضربة القاضية، التي شملت حملات الاعتقال ومصادرة الأموال واغلاق كافة نشاطاتهم الخيرة في تركيا، فضلا عن التهديد والوعيد الذي طال الشخصيات والصحافة المتعاطفة مع خصومه.

اما المعارضة واحزابها... فلم تكن بأفضل حال من خصومه السياسيون، التهميش والضعف، كان السمة الاوضح والتي طبعت المعارضة من العلمانيين والقوميين، حتى انهم فشلوا في تحريك الشارع او إدارة دفة الراي العام والاستفادة منها... بعد حركة الاحتجاجات الواسعة التي لامست حركات "الربيع العربي" في وقتها... لكنها لم تحافظ على زخمها واندفاعها بسبب غياب وضعف المعارضة.

اردوغان اعتمد في بناء شعبيته داخل تركيا... على قدرته في تحريك عجلة "الاقتصاد"، والدعوة التدريجية الى بناء نظام جمهوري "إسلامي" متطور... بواجهة "اخوانية-عثمانية" في تركيا، كبديل عن النظام الجمهوري "العلماني" فيها، وقد نادى بالدعوة الى "تركيا الجديدة" التي يرى فيها حضورا متميزا لتركيا الشرق الأوسط على المستوى السياسي والديني والاقتصادي...

ومنذ أكثر من عقد، دارت تحركات اردوغان، (منذ ان كان رئيسا للوزراء وحتى أصبح رئيسا للبلاد)، حول هذه المحاور (الاقتصاد، السياسية، الدين) والتي حكمت اغلب طموحاته، في السيطرة الداخلية، والتطلع نحو صدارة الشرق الأوسط الجديد من وجه نظر اردوغان.

لكن طموحات اردوغان لصدارة الشرق الأوسط، اصطدمت بعدة "أخطاء"... بعضها "استراتيجي" والاخر "تكتيكي"، لم يحسن ادارتها مع العقل المدبر للسياسية الخارجية وشريكة السياسي، "احمد داود اوغلو"، (كان وزير خارجية حكومة اردوغان وأصبح رئيسا للوزراء)، وربما نسطر بعض أبرز هذه "الأخطاء" في:

- التسرع في اعلان نهاية حكم نظام "الأسد" في سوريا... ودعم الفصائل المسلحة والمنظمات المتطرفة لتسريع عملية أسقاطه بي ثمن، وهي حقيقية تحدث عنها نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن"... وذكر تركيا (إضافة الى الامارات والسعودية) بالاسم، طبعا هذا التسرع وتر علاقتها مع الدول الداعمة لسوريا (إيران وروسيا).

- دعم نظام "الاخوان المسلمين" في مصر، كمشروع يمكن تعميمه على باقي العواصم العربية والاسلامية... لكن فرحة اردوغان لم تكتمل بعد سقوط "مرسي" على يد "السيسي" بدعم من "الخليج"، وهو ما ولد قطيعة مع مصر، وفتور مع الخليج، وغضب على اوربا والولايات المتحدة الامريكية.

- دعم وتقوية إقليم كردستان العراق على حساب الحكومة الاتحادية في بغداد... انعكس سلبا على علاقة تركيا بالأكراد في سوريا وفي تركيا نفسها، ففي تركيا استطاعت الأحزاب التركية الوصول للمرة الأولى الى البرلمان، اما في سوريا... ما زالت "وحدات حماية الشعب" الكردية تواصل سيطرتها على المزيد من الأراضي السورية الحدودية مع تركيا، ما يعني ولادة حلم إقامة "دولة كردية" في سوريا... الامر الذي رفضه "اردوغان" رفضا قاطعا.

- الإصرار على "شروط" من نوع "خاص" للمشاركة في "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، لاحتواء خطر التنظيمات المتطرفة واهمها تنظيم "داعش" الذي يخوض العديد من المعارك قرب حدودها مع سوريا.

- العديد من الاتهامات التي وجهها مسؤولون وصحف غربية وعربية الى تركيا (بدعمها) او (تغاضيها) عن تنظيم "داعش"، من خلال السماح للمتعاطفين مع التنظيم بالعبور الى سوريا عبر أراضيها، إضافة الى تسهيل عمليات نقل السلاح والذخيرة والأدوية إليهم، (وهي عملية تم الكشف عنها داخل تركيا وبعلم مسبق من قبل المخابرات التركية)، والتغاضي عن تعاملات مافيا السلاح والنفط عبر عمليات تهريب وغسيل أموال واسعة النطاق تجري مع التنظيم.

لكن ما الذي حققته تركيا سياسيا منذ أيام الربيع العربي عام (2011) وحتى الوقت الحاضر في الشرق الأوسط؟

اغلب الظن ان الإنجاز كان بنسبة (0%)...

فهي لم تستطع اسقاط الأسد، او تبقي الاخوان في صدارة المشهد السياسي الإسلامي، كما لم تستطع احتواء تطلعات الاكراد الاستقلالية في تركيا او العراق او سوريا... بل زادت من قوتهم وتحول ارهابيو الامس الى شركاء في مكافحة الإرهاب مع دول كبرى كالولايات المتحدة الامريكية... بعد ان ادارت تركيا بظهرها عن "التحالف" ووضعت الشروط سلفا.

وللزيادة... تركيا في زمن اردوغان لم تستطع الاستفادة من "التنظيمات المتطرفة" التي دعمتها، (ان صح هذا الحديث)، فتفجيرات الامس واعتداءات اليوم، كشفت عن وجه اخر لداعش، وستكشف عن وجه اخر لتركيا أيضا... ولعل اول الغيث بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية، هي موافقة تركيا على فتح قاعدة "انجرليك" الجوية امام طيران التحالف.

الإرهاب سيرتد على من يدعمه او يتغاضى عنه، امر لا يحتاج الى نباهة لفهمه او التعليق عليه، ومن الغباء الاعتقاد بخلاف ذلك، اما تصرفات اردوغان وردوا أفعاله السياسية، طوال السنوات الماضية، فقد شابهت حركات "البهلوان" في السرك، الذي لا يجيد شيئا في العالم بقدر اجادته "للقفز من مكان الى اخر".

اضف تعليق