اغلب المهاجرين او نسبة كبيرة منهم هم من البلدان التي تشهد أوضاع سياسية غير مستقرة، وتحديدا في العراق وسوريا التي لا يزال نظامها ينازع من اجل البقاء والصمود بوجه التحالفات والارادات الدولية التي تريد ان تكرر تجربة البلدان العربية الفاشلة في تغيير الأنظمة، حيث سادت الفوضى وعم الانهيار الأمني...
لم يتخيلوا هؤلاء الشباب العالقين على الحدود البيلاروسية البقاء بهذه الأجواء لإيام يحاصرهم مناخ قارص البرودة، ويحيطون بنار استوقدوها لتخفف عنهم شراسة الموقف العصيب الذي يتعرضون له بعيدا عن ديارهم التي تركوها بحثا عن الراحة والطمأنينة فازدادت معاناتهم.
الحالمون من الشباب المهاجرين شربوا من كؤوس عدة في بلدانهم، وأفرغوا ما بداخلها من مرارة في جوفهم، ولم يتركوا خطوة لعلها توصلهم الى جادة الأمان الا وسلكوها ولم يجدي ذلك نفعا، حتى ساقهم القدر وانتهى بهم المطاف على الحدود تمنعهم القوات الأمنية من الدخول الى الجنة الاوربية التي ضنوا انها الجنان السبع ولا يعلمون بعد ماذا ستكون.
اغلب المهاجرين او نسبة كبيرة منهم هم من البلدان التي تشهد أوضاع سياسية غير مستقرة، وتحديدا في العراق وسوريا التي لا يزال نظامها ينازع من اجل البقاء والصمود بوجه التحالفات والارادات الدولية التي تريد ان تكرر تجربة البلدان العربية الفاشلة في تغيير الأنظمة، حيث سادت الفوضى وعم الانهيار الأمني الى غيرها من الجوانب الأخرى.
يمكن من خلال طريقة التعامل الغليظ مع المهاجرين تستشف امر في غاية الأهمية وهو عدم تحلي البلدان الاوربية بالمبادئ الإنسانية التي حملوها شعارا بجميع المحافل الدولية، حتى وصل الامر الى احتلال بلدان وإسقاط حكومات تحت هذه الذريعة، (أي الدفاع عن حقوق الانسان وكرامته)، لكن ما حصل ويجري لغاية الآن هو انعكاس لدوافع غير إنسانية.
ويكشف لنا هذا التعامل أيضا عن التحول الأوربي في التعامل مع ملف المهاجرين، ففي السابق كانت الأمور تسير بانسيابية تامة ويستطيع المهاجر الحصول على الهوية بكل اريحية، بمجرد إتمام الأوراق التي تثبت صحة ملفه او السبب الذي دفعه للهجرة او طلب اللجوء ولكل منا تجربة مع صديق او قريب يروي له هذه التفصيلات بكل تجرد.
اما اليوم وتحديدا في السنوات الأخيرة اختلفت طريقة التعاطي مع الملف، ولا توجد الرغبة الحقيقة في احتضان الاعداد المتزايدة من المهاجرين، ولأسباب كثيرة أهمها التراجع الاقتصادي الذي سببته جائحة كورونا وقبلها، اذ بات التدفق الكبير للأفراد من البلدان الإسلامية وغيرها يشكل ضغطا على الحكومات الاوربية ويعرضها للإحراج امام شعوبها.
تنشغل جميع البلدان الأوروبية في الوقت الحالي بمعالجة مشكلة الهجرة إليها، وتنفق الكثير في سبيل صد سيول المهاجرين، حتى وصل الامر الى إطلاق دعوات عامة لبناء جدران تفصل الدول عن بعضها، لكيلا تكون كل دولة بوابة يطل منها المهاجرين على الأخرى وتبقى الحركة في ديناميكية مستمرة.
الفارون من اوطانهم لا يحلمون بحياة وردية او خيالية، جل ما يحلمون فيه هو نزر يسير من العيش الكريم، بعيدا عما تمارسه السلطات بحقهم من ضغط وإهانة وإضاعة للحقوق حتى حولتهم الى كتلة بائسة تسعى باستمرار الى الخلاص لكنها تقابل بمزيد من التسلط والإجرام، إذا ما أجرينا مقارنة بسيطة وسريعة بحياة المواطن الأوربي تبقى متفوقة على حياة المواطن العربي بالتحديد في البلدان التي تضطهد مواطنيها.
قضية المهاجرين أضحت في اوروبا من القضايا الموظفة سياسيا، اذ تم استخدامها كبرامج انتخابية لبعض الحكام، تفوق البرامج التقليدية، فمسألة التعاطي مع ملف النزوح المستمر صوب الامة الاوربية مكن العديد من الشخصيات المرشحة من الوصول الى سدة الحكم، بغض النظر عما إذا كان مع استيعاب الاعداد او الوقوف بوجها.
وقد اعتبرته الشعوب الاوربية غزوا من نوع آخر، ووقفت الى جانب المرشح او الرئيس الذي توعد بالقضاء على هذه الظاهرة او الحد منها، والخاسر الوحيد او المتضرر الأكثر هو الفرد الهارب الذي لم يحظى برعاية كما كان متصورا، وأصبح بين خيارين أفضلهما مر صعب التجرع.
مشكلة الهجرة الى الخارج بكل ما تحمله من مخاطر ومصاعب يتحمل أسبابها الطرفين الحكومة والفرد، لكن الجزء الأكبر يقع على الجانب الحكومي صاحب التقصير الأكثر، فالحكومة لم تولي المواطنين ما يستحقونه من اهتمام وتوفير ما يحتاجون اليه من مرافق خدمية وتعليمية وصحية وأخرى لتكون بيئة ماسكة بأبنائها للبقاء على ارض الوطن الام.
فهي من فرطت بهم وليس هم من تركوا موطن اجدادهم خلف ظهورهم، وهي من تخلت عن ثروتها الوطنية وليس العكس تماما، ولكن يبقى على الافراد تحمل مسؤولية الوقوف مع الوطن بمحنته، فلا يعقل التعامل مع البلد وفق مبدأ التخادم المتبادل، ومتى شحت المنفعة غادرنا المكان، وعلينا ان نتذكر ان حب الأوطان من الايمان، فالوطن ليس فندق متى تسوء فيه الخدمة نتركه غير آبهين.
اضف تعليق