مفاهيم الحرية والعدالة وحقوق الانسان لم تعد حكرا على اليسار التقليدي ولم يعد وحده المتصدي لها.. ليتبلور مفهوم جديد لليسار خرج من رحم التجربة الانسانية القاسية والطويلة نسبيا، وبات اليوم ليبراليين اقحاحا اكثر نضجا في معالجة هذه المسائل من اليساريين التقليديين، لان الأخيرين تجمدوا عند لحظة تاريخية معينة...
في العام 1789 وعندما بلغت الازمة في فرنسا ذروتها، ايام حكم الملك لويس السادس عشر، انقسمت (الجمعية الوطنية الفرنسية) في كيفية التعامل مع الملك ونظام حكمه.. تكتل الليبراليون والمحافظون في يمين القاعة، بينما توجه الاشتراكيون والثوريون الاخرون الى يسارها، وفي النتيجة انتصر الجناح اليساري وحصل ما حصل للملك وأسرته، وتحولت فرنسا الى جمهورية.. منذ ذلك الوقت واليسار يسلب عقول الكثيرين من المتحمسين للتغييرات الراديكالية، والتي تعني تغييرا شاملا وسريعا.
الاّ أن مفهوم اليسار اكتسب جاذبية مضاعفة بعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا العام 1917، واقامة نموذج اشتراكي ابهر الملايين في العالم، لاسيما ان النظم الليبرالية في اوروبا، وقتذاك، كانت تتقنع بديمقراطية يمكن وصفها بالزائفة، من خلال احزاب ظلت تدور بشعوبها في حلقة مفرغة من الفقر والتفاوت الطبقي الحاد والحروب العبثية.
لذا تبنت النموذج (اليساري) قوى واحزاب كثيرة جدا في العالم، استحضرته من خلال احزاب شيوعية او اشتراكية تقدمية اصطفت معا ضد النظم الليبرالية (الراسمالية) وهكذا تكرس مفهوم اليسار وبات اشبه بالوصفة السحرية لحل مشاكل الشعوب!!
مع الايام والسنين تكاثر الانتهازيون والطامعون بالسلطة ممن ركبوا موجة اليسار، لا سيما انه يسمح بتأبيد السلطة للماسكين بها، فصارت الكثير من النظم (اليسارية)، عبئا على الناس وصادرت خياراتهم المختلفة التي وفرتها (الليبرالية) بعد ان استلهمت الاخيرة بعض اللمسات الاشتراكية، ما دعم الكثير من مفاصل الدولة وأرضى النقابات المهنية وجعل الناس اكثر تقبلا للنظام، فانتعشت الحياة، وغدت أنموذجا لم يعد الناس في المعسكر الاشتراكي يجدونه في بلدانهم بفعل تكلس الانظمة عندهم نتيجة لفهمها التقليدي لليسار، اي انها فقدت روح اليسار الذي يعني التجدد المستمر.
بعد انهيار المعسكر الاشتراكي قبل ثلاثة عقود وانفراد (الليبرالية الأميركية) في العالم، عاد شيء من التوحش الراسمالي (الليبرالي) القديم لكن بنسخة مطوّرة، اي سحق الشعوب الاخرى من اجل شعبك!!
مادفع بـ(اليساريين الجدد) في العالم للتصدي لهذه السياسة ولكن من داخل الليبرالية نفسها، لان مفاهيم الحرية والعدالة وحقوق الانسان لم تعد حكرا على اليسار التقليدي ولم يعد وحده المتصدي لها.. ليتبلور مفهوم جديد لليسار خرج من رحم التجربة الانسانية القاسية والطويلة نسبيا، وبات اليوم ليبراليين اقحاحا اكثر نضجا في معالجة هذه المسائل من اليساريين التقليديين، لان الأخيرين تجمدوا عند لحظة تاريخية معينة، بينما الحياة من حولهم تتجدد بمعطياتها التي يصنعها الانسان بعقله وجهده وتغيّر بدورها الثقافات السائدة، بيسارية واعية!
اضف تعليق