q
حملتا الشهيد عبير والراحل سمير لا يمكن لهما ان يكونا اركان او دعائم أساسية لتحقيق الإصلاح المطلوب، لانهما وببساطة معبرتان عن غضب شعبي وقتي يزول وينسى بمرور الزمن القريب، ويبقى من يدعم الجانب الإصلاحي والعمراني، هو الخطط الرصينة ذات الابعاد الحقيقية والبعيدة المدى، وما دون ذلك تبقى جميع الجهود...

تحدث في اغلب الأحيان شجارات بين سائقي التكسي او أصحاب المصلحة في الأسواق، وغيرهم في الطرقات العامة، فتجد أحد الطرفين يقيم الدنيا ولا يقعدها، يهدد بأنه سيحرق الأرض بمن عليها، ويعمل مالم يعمله أحد قبله ولا بعده، وترى الناس تترقب ماذا سيفعل هذا العصبي الفريد من نوعه، وبعد وقت قصير تخلص من (فورة الدم)، تراه يعود الى طبيعته، انسان طيب ودود لا يؤذي احدا وكأنه لم يحصل شيئا، كهذا بالضبط حدث عندما قُتل مدير بلدية كربلاء المهندس عبير سليم، وموت الشاعر الشعبي سمير صبيح في حادث سير.

مقتل المهندس عبير ضجت لأجله في حينها مواقع التواصل الاجتماعي لهذا العمل الجبان، وعدته اعتداء سافر على سلطة القانون، وهيبة الدولة، حتى دفعت رئيس الحكومة السيد مصطفى الكاظمي الى زيارة مسرح الجريمة لتهديد الجاني بانه سينال حقه من العدالة وفق القانون، وأطلقت بعد ذلك حملة في عموم البلاد باسم حملة الشهيد عبير لإزالة التجاوزات والاعتداءات على الأملاك العامة.

وبقي صدى الحادث يدوي في الأوساط الاجتماعية، وتتلاقفه الوسائل الإعلامية بمختلفها، وكأنه وجبة شهية طازجة، وهو في حقيقة الامر مادة إخبارية رائجة كون موضوع التجاوز على الأملاك العامة، أصبح من الموضوعات التي تهم الرأي العام، وهي ايضا ظاهرة قضت على جمالية أجزاء كبيرة من المدن، وغيبت التخطيط العمراني لها، حيث ساد التخبط واُلغيت حدود الاحياء المنتظمة.

يوما بعد آخر قل الاهتمام بمثل هذه الاخبار، والسبب ليس بأن الموضوع فقد أهميته بالنسبة للمواطنين، لكن لتراجع تتبع اخبار حملة عبير التي انطلقت شرارتها في كربلاء، وامتدت لأغلب المدن العراقية، ولفتور الحكومات المحلية وعدم استمرارها بنفس الوتيرة التي انطلقت بها هذه الحملة، وبعد شهور من وقوعها لا نكاد نجد تقدم واضح بهذا الملف الخطير بالنسبة لسكان المدينة القدماء.

طبعا لا يخلو الامر من التفاهمات السياسية، والاستمرار بمثل هذه الحملات ومتابعتها حتى النهاية، يخضع لإرادة الأحزاب والجهات المستفيدة الاخرى، فلا يمكن ان تستمر حملة مثل هذه والانتخابات كانت على الأبواب، لان جميع الأحزاب مستعدة للتضحية بجمالية المدن وما يخدم المصلحة العامة، مقابل الحفاظ على جمهورها او الحصول على التأييد الشعبي لها، شريطة عدم الاقتراب من هذا الامر.

وبالفعل حصل هذا السيناريو، وانتهى الامر مثلما تقف الرياح عن الحركة بصورة مفاجئة، وتبرد شرارة العاصفة، لكنها عادت للهبوب مجددا بعد تعرض الشاعر الشعبي سمير صبيح الى حادث سير نتيجة لرداءة الطرق العامة التي تربط المحافظات بالعاصمة بغداد.

ومثل الحملة السابقة التي توسمت بحملة الشهيد عبير، روجت بعض الجهات وأطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي، حملات للثأر بعد خسارة الفقد، وكلنا نعرف ان لا جدوى من هذه الحملات لأنها سرعان ما تختفي ملامحها من الوجود، لان قوامها المزاج الحكومي المتقلب والمتماشي مع الرأي العام الشعبي، اذ توجد بينهما علاقة تكاملية.

عدم نجاح الحملة السابقة والحملة الحالية بالتأكيد ستفشل أيضا، يعود لأسباب واضحة لا يمكن تجاهلها، السبب الأول ناتج من عدم وجود الحلول الجذرية لهذه المشاكل، فلا تزال مشكلة السكن من المشاكل العصية على الجهات المعنية، وبالطبيعي لا تنجح الحلول المنقوصة، وتبقى العشوائيات في تمدد دائم.

وهنا يتوجب على الحكومة والجهات الخيرية المعنية الشروع أولا ببناء وحدات سكنية قابلة للتملك وبأسعار مدعومة لتتمكن من شراءها الطبقات من ذوي الدخل المحدود، لتنتقل بعد ذلك لاستئصال الورم السرطاني الذي انتشر بشكل مخيف وغريب في أجساد المدن دون رحمة ولا يوجد من يوقفه ومنعه من الاستشراء.

وقد نصل الى نتائج ملموسة إذا اتجهت الحكومة بهذا الاتجاه، وبالتأكيد للأمر جملة من الأمور الإيجابية، منها الاستفادة من قيمة الأراضي التي شيدت عليها الوحدات السكنية، وهي في السابق مستغلة من قبل المتجاوزين عليها دون وجهة حق، وكذلك ضمان وجود مصدر مالي عائد لخزينة الدولة يوظف لتقديم الخدمات المختلفة للمواطنين وتحسين البنى التحتية.

فضلا عن ذلك ولعله الأهم، هو تشييد تلك الوحدات من قبل الحكومات المحلية، سيكون وفق تصاميم هندسية ذات مسحة عصرية تتلاءم والتطور العمراني الذي تشهده جميع بلدان العالم، وبالنتيجة حققنا امرا غاية في الأهمية وهو إضفاء عنصر الجمال على واقع المدن العراقية التي تعاني من عدم الاهتمام بالجوانب الهندسية والعمرانية الى حد ما.

حملة الشهيد عبير والراحل سمير لا يمكن لهما ان يكونا اركان او دعائم أساسية لتحقيق الإصلاح المطلوب، لانهما وببساطة معبرتان عن غضب شعبي وقتي يزول وينسى بمرور الزمن القريب، ويبقى من يدعم الجانب الإصلاحي والعمراني، هو الخطط الرصينة ذات الابعاد الحقيقية والبعيدة المدى، وما دون ذلك تبقى جميع الجهود لا تخرج عن إطار (فورة الدم)، التي يتحلى بها صديقنا العصبي.

اضف تعليق