السياسية هي علم القوة وكيفية توظيفها في المجتمعات، نعم فللقوة مصادر متعددة، يصعب حتى احصاؤها، وان السياسي الماهر هو الذي يستثمر تلك المصادر ويضيف اليها، ومن بينها واهمها القوة الرئيسة المتمثلة بالجماهير، وليس بالضرورة تلك التي تلتقي معك فكريا او سياسيا، وانما تلك التي تستميلها لمشروعك...
من بين التعريفات الكثيرة للسياسة، تعريف قرأته قبل نحو ثلاثين سنة، على لسان كاتبة لا أتذكر اسمها، وجاء في سياق كلام لها ورد في كتاب صغير الحجم، عنوانه (علم السياسة) على ما اتذكر.. التعريف يقول؛ (السياسية هي علم القوة وكيفية توظيفها في المجتمعات).. نعم، فللقوة مصادر متعددة، يصعب حتى احصاؤها، وان السياسي الماهر هو الذي يستثمر تلك المصادر ويضيف اليها، ومن بينها واهمها القوة الرئيسة المتمثلة بالجماهير، وليس بالضرورة تلك التي تلتقي معك فكريا او سياسيا، وانما تلك التي تستميلها لمشروعك او حتى بعض تفاصيله، لان القدرة على التأثير والاستقطاب تبقى من اولى مهام السياسي الناجح.
عبارة (الجمهور المتأرجح) في زمن الانتخابات، تقرأ سياسيا بأنها الجائزة التي تنتظر من يعرف كيف يفوز بها.. في الانتخابات الاخيرة التي جرت في العراق يوم 10 - 10 - 2021 كان الامتحان كبيرا ومركبا حقا، فهناك كتلة جماهيرية كبيرة موزعة الاهواء، والوصول اليها تحول دونه عوائق كثيرة وكبيرة، يقف في مقدمتها عزوف الكثيرين عن التفاعل مع المشهد السياسي برمته، بسبب اليأس وفقدان الثقة بالعملية السياسية، وهنا ظهر الاشتغال الذكي على استثمار تلك القوة الجماهيرية، اذ عرفت بعض الكتل كيف تتعامل بعلمية مع هذه المسألة، وتحديدا تلك التي تمتلك جمهورا ثابتا، عقائديا كان او سياسيا، فقامت بتنظيم هذه (القوة) من خلال توزيعها بين المراكز الانتخابية بطريقة حسابية تضمن لها تحقيق التفوق العددي، مستثمرة ايضا العزوف الواسع عن المشاركة، لتكون النتيجة حصد اكبر عدد من المقاعد.
في المقابل، هناك قوى سياسية دخلت الانتخابات وهي تحظى بتعاطف جماهيري واسع، لكنها لم تعمل بالشكل الصحيح على تفعيل هذه (القوة) وتنظيمها بما يجعلها قوة مؤثرة، فتبعثرت اصواتها بين المراكز الانتخابية، بغياب التنسيق في الترشيح وترشيد الاصوات.
اما المشكلة الحقيقية ليست بنتائج الانتخابات ومشاكلها التفصيلية، وانما بالمشاريع السياسية المتعارضة.. فنحن دخلنا في جدل طويل حول الفيدرالية (الشيعية) وخلاف الاطراف في الوسط والجنوب بشأنها، ثم وجدنا انفسنا امام مشروع الانفصال الكردي الذي جاء بعد الحرب على داعش، وانتهى الى ما انتهى اليه.. ونحن الان امام مشروع سياسي جديد ترفعه القوى المتبنية للحشد الشعبي المنخرطة في (محور المقاومة) العابر للحدود واعتراض اخرين على هذا المشروع، فتلك القوى ترى ان قدسية الحشد تستمد من مشروعه هذا ولا تتقبل فكرة الابتعاد عن القرار السياسي سواء بالانتخابات او غيرها... واستبعد حصول اقتتال بين الفصائل المسلحة والدولة بوجود المرجعية الدينية، وقوة الدولة التي تحققت بدعم اميركي وعربي بعد تولي الكاظمي رئاسة الحكومة العام الماضي.
لقد ايقنت من دقة هذا التعريف، اقصد، (السياسية هي علم القوة وكيفية توظيفها في المجتمعات)، وحضرني بقوة، بعد سماعي نتائج الانتخابات، عائدا بي نحو ثلاثة عقود، لأنه تجسد بشكل كبير في هذه الانتخابات التي يجب ان تكون درسا سياسيا للجميع، يستفاد منه مستقبلا.
اضف تعليق