من الناحية القانونية والدستورية، يعتبر التصويت حقا من حقوق المواطن الاساسية في النظام الديمقراطي، وليس واجبا، باستثناء بعض الدول التي تعتبره من الواجبات. ومعنى ان التصويت حق وليس واجبا، انه لا تترتب اثار عقابية على من لا يؤديه من المواطنين، فالقانون لا يعاقب المواطن...
نصت المادة (20) من الدستور العراقي على حق جميع المواطنين العراقيين، رجالاً ونساءً في "المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح“، ولم يضع الدستور شروطا متعلقة بالجنس او الدين او الطائفة او القومية او الانتماء السياسي او الثروة او أي من التصنيفات الاخرى المقيدة عنوة لمفهوم المواطنة العام.
وتضم الحقوق السياسية التي تحقق ممارستُها معنى المشاركة في الشؤون العامة، الكثير من الامور والممارسات، لكن الدستور ذكر منها ثلاثة امور، هي: التصويت والانتخاب والترشيح. ولم تنص المادة على حق المواطن باقتراح القوانين.
التصويت او الاقتراع، وكذلك الانتخاب، يعني قيام المواطن العراقي، الذي تنطبق عليه شروط المشاركة في التصويت، مثل العمر، باعطاء صوته لصالح مرشح ما في انتخابات عامة كما في انتخابات مجلس النواب، او المجالس المحلية، او في الاستفتاءات العامة، مثل الاستفتاء على الدستور، او على الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة.
والتصويت او الاقتراع هو احد الحقوق التي حصل عليها الانسان، رجلا كان او امرأة، بعد تاريخ طويل من النضال والتضحيات في وجه الحكام الدكتاتوريين الذين كانوا يحتكرون السلطة ويحكمون الناس بدون تكليف انفسهم عناء التأكد من رضا الناس عنهم.
يعبر التصويت عن ممارسة المواطن لسلطته بوصفه مصدر السلطات في المجتمع الديمقراطي. وهو يجسد المشاركة في عملية تشكيل للسلطة التشريعية والرقابية في المجتمع، على اساس الاختيار الشعبي، انه تعبير عن مشاركة المواطن المباشرة في الحياة العامة لبلده.
من الناحية القانونية والدستورية، يعتبر التصويت حقا من حقوق المواطن الاساسية في النظام الديمقراطي، وليس واجبا، باستثناء بعض الدول التي تعتبره من الواجبات. ومعنى ان التصويت حق وليس واجبا، انه لا تترتب اثار عقابية على من لا يؤديه من المواطنين، فالقانون لا يعاقب المواطن الذي لا يذهب الى صناديق الاقتراع ولا يدلي بصوته في الانتخابات والاستفتاءات العامة.
لكن عزوف المواطن عن القيام بهذا الحق، يعني انسحابه من الحياة العامة، وعدم مشاركته في صناعة القرارات الكبرى التي تتطلب مشاركة المواطنين، مثل تعيين ممثلي الشعب في مجلس النواب.
الحد الأدنى للتصويت، وبسبب كون التصويت حقا وليس واجبا، فان الانظمة الديموقراطية لا تضع حدا ادنى لعدد المصوتين المطلوب لاعتبار التصويت سليما ومقبولا. حيث تكون نتائج التصويت سليمة بغض النظر عن عدد المصوتين مهما كان قليلا.
ولكن العدد القليل للمصوتين، يؤدي الى جعل الديموقراطية بمثابة حكم الاقلية، المتمثلة بالعدد القليل من الذين ادلوا بأصواتهم في الانتخابات، ويصادر بالتالي مضمون احد التعريفات التقليدية للديمقراطية القائل بانها "حكم الارادة غير المقيدة للاكثرية"، كما يعبر الفيلسوف النمساوي-البريطاني فردريكفون هايك (1899-1992).
والواضح ان عزوف اغلبية الناخبين عن التصويت لا يحقق متطلبات هذا التعريف. لذا فاني اقترح تعديلا دستوريا، او تشريعا قانونيا، يتم بموجبه وضع حد ادنى لعدد الناخبين المصوتين المطلوب لاعتبار الانتخابات سليمة. واشتراط الحد الادنى يجعل التصويت اقرب الى "الواجب الكفائي" الذي لا يسقط عن المواطن الا اذا قام به عدد معين من المواطنين. بموجب هذا الاقتراح سيكون التصويت بحاجة الى "نصاب" ليكون ماضيا ومؤثرا، كما يحتاج الاجتماع الى نصاب لكي يكون بالامكان عقده.
يمثل الترشيح حقا اخر من حقوق المواطن في اطار المشاركة في الحياة العامة. وبموجب الدستور، فان الترشيح غير متاح سوى لعضوية مجلس النواب، والمجالس المحلية في المحافظات، ولا ترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية او رئاسة الوزراء، باعتبار ان البرلمان هو الذي يقوم باختيار من يملأ المنصبين، بسبب ان الدستور لم يعتمد مبدأ الانتخاب المباشر بالنسبة للمنصبين.
لكن الدستور فتح باب الترشيح لعضوية مجلس النواب وجعله قائما على اساس المواطنة فقط، فقد قالت المادة 49 في الفقرة الثانية منها "يشترط في المرشح لعضوية مجلس النواب ان يكون عراقياً كامل الاهلية." ووضع النظام الداخلي لمجلس النواب تفصيل الشروط في المادة 13 منه، وهي:
أولاً: أن يكون عراقيا كامل الأهلية وفقاً للمادة (49) الفقرة ثانياً من الدستور.
ثانياً: أن لا يكون مشمولاًً بأحكام اجتثاث البعث وفقاً للمادة (135) الفقرة ثالثاً من الدستور.
ثالثاً: ان تنطبق عليه الشروط الأخرى المنصوص عليها في قانون الانتخابات.
تنافس لا خصومة ومن الطبيعي ان يتعدد الاشخاص المرشحون لمنصب واحد كما في رئاسة الجمهورية، او لعدد معين من المناصب، كما في عضوية مجلس النواب. وهذا يقتضي المنافسة بين المرشحين. وهذه المنافسة مشروعة. والمنافسة الانتخابية ليست خصومة ولا نزاعا، انما هي منافسة وتسابق وتنافس بين الطامحين بالمنصب للحصول على اصوات الناخبين.
وهذا لا يفسد للود قضية في ما بين المتنافسين اولا، ولا بين مناصري المرشحين، ثانيا. ليست المباراة الانتخابية صراعا بين اعداء، انما هي تنافس بين مواطنين على كسب ثقة بقية الناس بهم، لكي يقوموا بتعيين عدد محدد من المرشحين بوظيفة نائب، بناء على مدى ثقتهم به، وببرنامجه الانتخابي الذي يجسد الرغبة في خدمة الناس وطريقة تحقيق هذه الخدمة.
تنتهي المنافسة الانتخابية حال مصادقة مفوضية الانتخابات على نتائج التصويت ومن ثم دخول الفائزين مجلس النواب، ليبدأ بعد ذلك نوع جديد من المنافسة هو التنافس على خدمة المواطنين، واعادة الاعتبار اليهم، وصيانة حقوقهم، وترسيخ اسس الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة.
من الطبيعي ان يسعى المرشحون الى الحصول على اصوات الناخبين. وهم يعتمدون في ذلك على طرق مختلفة. لكن اللجوء الى المال السياسي من اجل شراء الاصوات مفسدة للناخب، كما ان الرشوة مفسدة للمسؤول. ويتحمل المرشح والمواطن المسؤولية الاخلاقية عن حماية البيئة السياسية من الفساد الذي يسببه المال السياسي.
لم يمنح الدستور المواطنين حق المشاركة في تشريع القوانين وصناعتها، وجعل ذلك مختصا بمجلس النواب، رغم ان القانون هو القضية الاكثر مساسا بمصالح الناس، ورغم ان جوهر الديمقراطية يتحدد بمشاركة المواطنين بتشريع القوانين التي تؤثر على حياتهم.
فكيف يتوجه المواطن الى تطبيق القانون اذا لم يساهم بتشريعه، رغم ان الدعوى التقليدية تقول ان النواب ممثلو الشعب، وبالتالي فان الشعب يصنع القوانين عن طريق نوابه. ويمكن معالجة هذا الحرمان عن طريقين؛ الاول، وهو الطريق غير المباشر، وغير الرسمي، وذلك من خلال النشاط العام الذي يمارسه المواطنون عبر مؤسسات المجتمع المدني، وعبر الاتصال المباشر بالنواب، لاقتراح افكار قوانين وتشريعات، والثاني، الطريق الدستوري المباشر، من خلال تعديل الدستور والسماح للمواطنين بالتقدم بأفكار قوانين، وفق اليات وشروط يوضحها القانون.
من نافلة القول، ان مبدأ المشاركة العامة، وبخاصة في فقرات التصويت والانتخاب والترشيح، يبقى بلا قيمة ما لم تتوافر ثلاثة عناصر هي: الحرية والامن واشاعة الثقافة الديمقراطية، حيث تشكل هذه العناصر البيئة المناسبة لممارسة المواطن لحقه في المشاركة العامة.
فالحرية هي التي تتيح التعبير عن ارادة المواطن في ممارسة هذه الحقوق، والأمني جعله يمارس حقوقه بمنأى عن التوقعات غير المرغوبة على مستوى السلامة الشخصية، والثقافة الديمقراطية تمكنه من ممارسة حقوقه السياسية بطريقة تجسد القيم الديمقراطية مثل الحوار وقبول الاخر والتسامح والتعايش واحترام الرأي الاخر، وغير ذلك.
اضف تعليق