يعيش الشاب في الوقت الحاضر في عالم متغير وسريع ومعقد، فالقلق من المستقبل وما يحمله من مفاجئات وتغيرات تتخطى قدرة الشاب على التكيف معها وهذا ما يجعل التوتر النفسي شديداً، ومن هنا يشكل المستقبل والاهتمام به الاولوية في حياة الشاب وهذا ما اكدته العديد من النظريات والدراسات.
وكثيرا مانرى العديد من الشباب لهم اهداف كثيرة في حياتهم، لكنهم يرون تحقيقها بعيداً أو شبه مستحيل أحياناً، ويقول الله سبحانه تعالى في كتابه الكريم (لعل الله يحدث بعد ذلك امرا)، (وان مع العسر يسرا).
ومن الامور التي تقف حاجزا امام التقدم، التشاؤم والاحباط، بينما ليس الامر الا العكس، فالحياة جميلة، وحتى المشكلات والمآسي نوع من الجمال والتحفيز للتقدم.
في محاضرة لسماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول: (ان شاباً واحدا يمكنه ان يغير بلداً كاملا، الا ان هذا بحاجة الى همة وعزيمة ومواصلة لا تعرف اليأس والملل). صمموا واعزموا على ان تكونوا اصحاب همم عالية في ان تبذلوا قصارى جهدكم وقدراتكم وطاقاتكم وما لديكم من امكانات في بث روح الامل والتفاؤل، والعمل على تهيئة الاجواء الصالحة لكم وللجميع.
فمرحلة الشباب هي ربيع العمر، وهي مرحلة الأمل والتفاؤل لأنّها مرحلة الانفتاح على الحياة والمستقبل، وتحدِّي المخاطر والصعوبات، وبالتالي فهي مرحلة الخصب والنماء والعطاء.
ولذلك يُفترض أن تغيب أو تسقط من قاموس الشباب المؤمن مفردات من قبيل: الاحباط، الفشل، الطريق المسدود، اليأس، القنوط، التشاؤم، التقوقع، الانكماش، انطفاء الجذوة، خمود الهمة، الانتكاسة.. وما شاكل، لتحلّ محلّها كلمات: التفاؤل، تكرار المحاولة، ربح المحاولة، إعادة الكرّة، صفحة جديدة، النهوض من جديد، العزم، الاصرار، المواصلة.
فالتركيز على السلبيات وحدها يعمّق معنى اليأس في النفس، فاليأس لا يرى سوى الظلمة والخيبة والخسران. إنّه كما هو الوصف التقريبي للحالة: يرى النصف الفارغ من الكأس، أماّ المتفائل فهو الذي يرى النصف المملوء منه. فليس هناك سلبي مطلق لا يخلو من إيجابيات، وليس هناك إيجابي مطلق لا يخلو من سلبيات.. وتلك هي نسبية الحياة الدنيا في كلّ شؤونها وشجونها.
فكم منّا مَن يعاني من أزمة يبيت وهو يأمل الفرج في صبيحة اليوم التالي، وكم منّا مَن تؤرقه مشكلة، وإذا بنهار اليوم الجديد يبدد قلقه ويجعله ينطلق بوضع نفسيّ أفضل، وقدرة على المجابهة أكبر.
الفشل والاحباط الذي يصيب الشاب فمن نفسه، وكلما عدَل الشاب سيرته في الحياة، قلت اصابته بالفشل.
إنّ مقولة "تفائلوا بالخير تجدوه" ليست مخدِّراً نفسياً.. ولا جبيرة لخواطر كسيرة، وإنّما هي إيمان يستند إلى أساس، فهي نوع من أنواع الإيحاء الذاتي، ذلك أنّ النفس كما الطفل، أوحِ لها بالألم تتألم، وأوحِ لها بالبهجة تبتهج.
ولكن كيف يجد الخير المتفائل بالخير؟
إنّه ينطلق من روحية الأمل التي تُبدِّد الأوهام وتذلّل العقبات، فيقول المتفائل بالخير: سأنجح في الامتحان الذي أنا مقبلٌ عليه، استعدادي جيِّد، سأتغلّب على المشكلة التي واجهتني بالأمس، لديّ أكثر من حلّ، لقد رجوت الله في هذا الأمر ولم يسبق أن طلبتُ منه فخذلني، وها هي ابتسامة الثقة تشرقُ بها روحي على شفتيّ.. توكّلت على الله فهو حسبي.
هذه الطريقة بالإيحاء هي التي تدعو إلى التفاؤل، فالتفاؤل ليس حركة في الفراغ، وإنّما هو حركة تستند إلى أسس.
وبعكس ذلك المتشائم، فهو يوحي لنفسه بكلّ ما هو سلبي قاتم، فحتى لو كان على استعداد جيِّد لخوض الإمتحان، فإنّه يقول: لا أعتقد أنّني سأنجح.. أنا أعرف حظِّي العاثر.. الفشل حليفي.. ستكون الأسئلة صعبة لا أقدر على الإجابة عنها.. وبذلك يُضعف عزمه ويضيِّع ما لديه من إمكانيّة، ويرتبك في أثناء أداء الإمتحان حتى انه يفشل فعلاً.
الأمل إذاً حليف الإرادات الصلبة والمقاومة العنيدة والأناة والصبر والجلَد، والتصميم العازم على نيل الشيء أو بلوغ الهدف.
إن الشباب العراقي يمتلك إمكانات كبيرة، وقادر على المساهمة بإيجابية إن أحسنوا توظيف قدراتهم ، وادعوا جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية على تبني مشروع يشترك فيه الجميع؛ لإبراز ثقافة التفاؤل والأمل بين أوساط الشباب والتربية على الحوار واحدة من المشاريع الوطنية، حيث نمو لغة الشباب والرقي في مستوى الحوار وأسلوبه، استهداف فئة الشباب بتنمية مداركهم وغرس الثقة في نفوسهم من خلال تخصيص مشاريع خاصة بهم أمر مطلوب، ولا بد منه؛ لأن فئة الشباب من الجنسين هم عماد المستقبل، وحماة الوطن، وهم السواعد التي سوف تبني هذا الوطن؛ فالاهتمام بهم من خلال المؤسسات والجهات ذات العلاقة بثقافة الحوار أو تطوير الذات أو المؤسسات المسؤولة عن التطوع وغيرها من المشاريع التي يجب أن تُفعّل حتى تستطيع تلك المؤسسات ملء أوقات الفراغ لدى الشباب بما يفيدهم وينفعهم في مستقبلهم ويسهم في بناء مداركهم وتقوية مهاراتهم.
وهنا يمكننا القول إن الالتفات إلى الشباب وإقرار مشاريع فكرية وتنموية لهم يشكل مدخلاً حقيقياً للاستفادة من جهودهم وقدراتهم في عملية التنمية الوطنية وأيضاً مثل هذه المشاريع تنمي في شبابنا الحس بالمسؤولية وتغرس في نفوسهم روح التفاؤل والأمل والعزيمة وتبعد عنهم شبح اليأس والقنوط والإحباط.
اضف تعليق