لأهمية دور الشباب في كل مجتمع، وكونهم الثروة البشرية الإستراتيجية لكل أمه، يرى المرجع الشيرازي (دام ظله) إن الاهتمام بتنمية الشباب هو أهم المسؤوليات اليوم لضمان مستقبل زاهر.
ليحاول كل شخص وفي مجاله وبمقدار طاقاته في تحديد دوره في إدارة المؤسسات وملء الفراغات الكبيرة الموجودة فعلاً في المؤسسات، ولكن نرى أن هناك صراعاً بين الجيل السابق وجيل الشباب في مجال إدارة المؤسسات وهذا بالتأكيد لا يصب في تقدم المؤسسات ضمن الرؤية المستقبلية الموضوعة للعمل.
لقد تكلمنا في مقالاتنا السابقة عن إدارة المؤسسات والصراع بين جيلين، وكان الهدف من الموضوع أن الجيل السابق يترك المجال للجيل الجديد وقد طرحنا آراء جديدة وأسباب بأن الجيل السابق عليه أن يتغير ويغير من أساليبه وأفكاره، ابتداء من الدول وأنظمة الحكم إلى المؤسسات حتى تصل للبيت والأسرة، ولعل قوله سبحانه: ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) يشير إلى بعض ذلك، فليس الجيل السابق نفس الجيل الحالي، ولا أبناء اليوم نماذج مكررة لأبناء الأمس، كما أن ثقافة الغد ليست تكراراً لثقافة اليوم، قد تتفق معها الأجيال الأخرى وقد تختلف.
لابد من خلق نوع من التوازن بين تطوير الشباب والاستعانة بأهل الخبرة لأن كليهما مطلوب للإدارة ولتطوير الأداء وإنجاز المهام، ولابد من الاهتمام بالسيرة المهنية للفرد المعين والمراحل التي مر بها حتى يصل إلى درجة خبير أو مستشار، لافتاً إلى أن الموظفين الجدد يحتاجون إلى الخبرة للاستفادة منها والمستشار أو الخبير لا يمكن أن يأخذ هذا اللقب قبل مرور ما لا يقل عن 30 أو 35 سنة قضاها في مجال تخصصه.
جيل يتبعه جيل وجيل يسلم الأمانة للجيل الذي يأتي بعده ويليه، وأجيال تذهب وتبقى في الذكريات وأجيال تأتى ومعها الأمنيات، ويبقى بين هذه الأجيال خيوط وتواصل وارتباطات شئنا أم أبينا، وهناك بين الأجيال أمور ثلاث تسيطر أو سيطرت على العلاقة التاريخية بين جيلين مختلفين وتتفرع عنها أيضا الكثير من الأمور لكن نسلط الضوء على هذه الامور الاساسية الثلاث، الأول: الاحترام المتبادل والحوار، ثانيا: قمع الجيل القديم للجيل الجديد، ثالثا: تجاهل كل منهما للآخر.
وإذ نحن نتكلم وهمنا إدارة المؤسسات عموما سنحاول أن نغوص في أعماق هذه العلاقة الضرورية بين الأجيال الإدارية والعلاقة الجدلية بين جيل الخبرة وجيل الشباب الذي يتبنى الانفتاح، ولاشك كما أسلفنا سابقاً أن هناك أمورا تجمع الطرفين وأموراً هي محل خلاف كبير.
أولا: تجاهل كل منهما للآخر
هي أحد أسباب العلاقة السلبية بين الجيل السابق والجيل الحالي عند الكلام والدخول في النقاش عن إدارة المؤسسات، وهذا النوع حقيقةً فيه من السلبية الكثير، فالجيل السابق الذي حقق الانجازات في أوانه لا يعجبه ما يحصل في الجيل الحالي من تدهور في المستوى والتخبط والنزاع والشقاق وغيره، وفي المقابل يهاجم الشباب وهم أصحاب ورواد الجيل الحالي أصحاب الجيل السابق ويقولون لهم أنكم تعيشون على الأطلال والذكريات، فالظروف اختلفت وغيرها من الاحتياجات لو تتوفر لنا الآن لحققنا أكثر ما حققه الجيل السابق، وهذا موجود وكل منهما يتجاهل الآخر ويهاجمه.
ثانيا: قمع الجيل القديم للجيل الحالي
وهذا أيضا نلمسه من خلال عدم إعطاؤه فرصة في النقاش والتعبير والحوار، والتعامل معه بفوقية بحجة القول لهم بأنكم صغار ولا يحق لكم الكلام في الأمور التي تتعلق في مصير المؤسسة، بداعي عدم الخبرة وغيره من الجدل العقيم.
لذلك تجد الكثير من أصحاب الجيل القديم يستهزأ بالجيل الجديد وهذا مؤشر خطير في نسيج العلاقات، لأنه يسبب حقداً وكراهية للمدراء الكبار وقد تصل للمؤسسة بكاملها، حتى وإن كان الماضي مميزا وجميلا وكان فيه من الانجازات الكثير، وكم شاهدنا ونشاهد نقاشات حصل فيها من المشادات الكثير بين الجيلين.
ثالثا: الاحترام المتبادل والحوار
علاقة الاحترام المتبادل بين الطرفين والحوار البنّاء، هدفه الحقيقي تقريب وجهات النظر بين جيلين مختلفين، وإيجاد قاسم مشترك، فتجد أصحاب الجيل السابق الذين عاصروا إنجازات كبيرة للمؤسسات يبينون الأسباب التي ساعدت أو أدت إلى وصولهم إلى ما وصلوا إليه من إنجازات مازالت في ذاكرة الجميع، ويتمنون من أصحاب الجيل الحالي دراسة هذه المرحلة والاستفادة منها، وفي نفس الوقت يتعاملون مع المرحلة الجديدة ومع شباب المرحلة بكل ود وحب ويعتبرون أن جيل الشباب هو امتداد طبيعي للجيل السابق، وفي نفس السياق نجد الجيل الحالي يفتخر في ما حققه أصحاب الجيل السابق ويتغنون بتلك الانجازات وأن مسؤوليتهم اليوم كبيرة بعد هذا الإرث الكبير والأمانة الثقيلة التي تركها لهم الآباء المؤسسون، وعليهم أن يرسموا خطط ورؤى جديدة للمحافظة على الانجازات السابقة بل وتحقيق إنجازات أكبر.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل صراع الجيلين هو ظاهرة صحية؟ قصدت من الصراع الجدل بين جيلين والبحث عن الصواب، وأين نجد الصواب وأين نجد الخطأ، وكيف نمد الجسور بين الأجيال، وتحويل الصراع إلى حوار هادئ شفاف، ووضع جميع الملفات على الطاولة وإظهارها وحصر نقاط الخلاف ودراستها، وتحويل الخلاف بكل شفافية إلى خطط عمل من شأنها أن تجعل الأجيال تنصهر في جيل واحد، ولنطلق عليه مثلاً جيل الأمل وسنفرد له بعض المساحة لأهميته.
جيل الأمل
جيل الأمل هو الجيل الماضي والجيل الحالي، هو جيل من عاصر الانجازات السابقة وجيل يريد أن يرتقى ويحقق ما حققه الجيل السابق بل وأكثر من ذلك، وهذا لاشك يحتاج لتعاون بين الطرفين تعاوناً إيجابياً وتحمل الجميع للمسؤولية... وربما يتساءل البعض كيف يلتقي جيل بفكر قديم مع جيل بفكر جديد؟ وهذا ربما يحصل بأمور منها:
1- الحوار: الحوار وليس غير الحوار هو ما يقرب بين وجهات النظر، والحوار يجب أن يكون مستندا على تفهم كل جيل للآخر.
2- الإخلاص: لا يختلف اثنان على إن كل محب للمؤسسة ومبادئ الإدارة يريد أن تكون المجموعة التي تعمل في الإدارة تتمتع بالإخلاص والشفافية وتكون بعيدة عن الشخصنة.
3- الجدية: يجب أن يكون كل شيء مطروح وبجدية وبعيدا عن الاستهزاء والسخرية وما نقصده النقد الايجابي لكل مرحلة.
4- المؤسسة قبل كل شيء: أن يكون العمل والحوار بين هذه الأجيال يقدم المؤسسة على كل شيء وعلى كل أمر، وهذا لاشك، ما يتمتع به أغلبية موظفي المؤسسات والمهتمين بها ومستقبلها.
يقول سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، على الجيل الحاضر إن لا يتأخر في أي خدمة أو عمل يمكن أن يقوم به لأجل الأجيال القادمة، على إن لا يجري بنحو حيث تعود نفس المشاكل والمسائل لجيل المستقبل.
إن ما ينتخبه الإنسان ويختاره لحياته هو الأهم، علما إن المشاكل والآلام موجودة في جميع الخيارات.
والشاهد من هذا كله أن التلاحم بين الأجيال هو الأصل والتراحم بين الأجيال هو الأصل ولاشك أن هناك من يعمل في الخفاء على شرخ هذا النسيج المهم بين الأجيال واتهام كل جيل للثاني.
..................................
اضف تعليق