ينبغي أن تكون قيادة الحكومة الإسلامية منتخبة من الشعب غير مفروضة عليه، بطريقة ما، بسبب مبررات دينية أو اجتماعية أو سياسية. فاذا لم تكون منتخبة من الشعب فإنها ليست بحكومة إسلامية، وإن حكمت باسم الإسلام، مثل كل الحكومات الإسلامية التي قامت بالقوة والسلاح، ولم تكن مختارة من الناس...
هل قيادة الحكومة الإسلامية هي قيادة مفروضة على الناس، من دون أن يكون لهم حق الانتخاب والاختيار، مثل أن تكون منصبة من الله وحاكمة باسمه تعالى، أو منصبة من أصحاب الحل والعقد، أي وجهاء المجتمع وقادته ممن لهم سلطان على أفراد الشعب الآخرين، أو منصبة من خلال ادعاء قادتها أنها حكومة تؤيدها غالبية الناس دون الحاجة إلى انتخابات جماهيرية فعلية؟
أم ينبغي أن تكون قيادة الحكومة الإسلامية منتخبة من الشعب غير مفروضة عليه، بطريقة ما، بسبب مبررات دينية أو اجتماعية أو سياسية. فاذا لم تكون منتخبة من الشعب فإنها ليست بحكومة إسلامية، وإن حكمت باسم الإسلام، مثل كل الحكومات الإسلامية التي قامت بالقوة والسلاح، ولم تكن مختارة من الناس أنفسهم؟
قلنا في المقال السابق إن من شروط الحكومة الإسلامية أن تكون بالإضافة إلى وجود شرط العلم والعدالة بالقانون الإسلامي (الشريعة الإسلامية) فإنها لابد أن تكون منتخبة ومختارة من الشعب اختيارا حرا لكي تتصف بصفة الحكومة الإسلامية، وإلا ستكون فاقدة للشرط الثاني (الانتخاب) فلا توصف بالحكومة الإسلامية، وإن كان قادتها لهم العلم والدراية والعدالة المطلوبة في الشرط الأول.
والسؤال هنا هل جرى الانتخاب في الحكومة الإسلامية التي قادها الرسول الأعظم؟ وهل جرى الانتخاب في الحكومات التي خلفت الرسول (ص) وما بعدها في العصرين الأموي والعباسي حتى نطالب المسلمين المتأخرين بالانتخابات الحرة؟
وماهي آليات الانتخاب الذي بموجبه توصف الحكومة بانها (حكومة إسلامية)؟ وفي نظر الإسلام؛ هل كل أفراد المجتمع رجالا ونساء، شبابا وشيوخا لهم الحق في الانتخاب؟ وهل يشترط أن يكون الانتخاب مباشرة أم بالوكالة أو بانتخاب مجموعة وهذه المجموعة تنتخب قيادة الدولة الإسلامية مثل أن ينتخب الشعب ممثليه في مجلس النواب، وهؤلاء النواب ينتخبون القيادة التنفيذية الإسلامية (الحكومة الإسلامية)؟
للدولة الإسلامية شكلان: الشكل الأول: الشكل الإلهي أي حكومة المعصوم (ع) التي تستمد صلاحيتها من الله بصورة مباشرة، وتعين من قبل الله بدون أي دور للأمة، أو لآرائها. وتعتبر حكومة الرسول الأعظم (ص) بإجماع المسلمين وحكومة الأئمة الاثني عشر بإجماع الشيعة من هذا القبيل. وتشكل العصمةُ من الأخطاء والأهواء الضمانة الأساسية لحكومة كهذه. ويمكن اعتبار المهمة الأولى لدولة الحاكم المعصوم (بيان الأحكام الثابتة) عملاً تبليغياً، والمهمة الثانية والثالثة عملاً حكومياً، والمهمة الرابعة عملاً قضائياً. والشكل الثاني: الحكومة الشوروية، أو حكومة الأمة، وتقوم طريقة الشورى على أساس الآية الشريفة (وأمرهم شورى بينهم) في الأمور التي لا مانع فيها من الله أو رسوله (ص).
وبناء على ذلك؛ يؤمن الإسلام أن النبي (ص) أو الإمام هو منصب مباشرة من الله، وليس للامة أن ترفض أو تختار. وعليه، فهو حاكم باسم الله ومن الله، وسلطته تكون نابعة من الله. وماعدا الرسول والإمام فان جميع من يتقلد المناصب في الحكومة الإسلامية يشترط أن تتحقق فيه شروط القيادة الإسلامية، ومنها شرط الانتخاب من الشعب.
وقد عرف المسلمون الأوائل الانتخابات الرئاسية (الخليفة) بطريقة وأخرى عن طريق ما يُعرف بـ(البيعة) أو عن طريق ما يُعرف بـ(الشورى) وهما الطريقتان اللتان كانتا يُعمل بهما يومذاك، من أجل أن يحظى (الخليفة) بالشرعية الشعبية، بالإضافة إلى ما يتمتع به من شروط العلم والعدالة والفقهاء.
يقول الإمام علي (ع) في رسالته التي بعثها إلى معاوية، بعد أن أكد على انتخابه من قبل الناس في بيعة عامة ورأي الشورى: (... بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماما كان ذلك لله رضى...).
ويذكر أبن الأثير أنه عندما مات معاوية وامتنع الإمام الحسين(ع) من البيعة ليزيد، ووصل الخبر إلى مدينة الكوفة، اجتمع الشيعة في بيت سليمان بن صرد الخزاعي، وتداولوا موضوع خروج الإمام الحسين (ع) إلى مكة، وقرروا أن يبعثوا إليه برسالة يدعونه فيها للقدوم إلى الكوفة. جاء في فقرة من هذه الرسالة التي وقعها كبار القوم من أمثال سليمان بن صرد الخزاعي ومسيب بن نجبه ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر ومجموعة أخرى ما يلي: (أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيئها وتآمر عليها بغير رضى منها...). ويظهر من هذه الرسالة أن مسألة انتخاب الحاكم من قبل الأمة تبدو من المسلمات والأمور العادية جداً بالنسبة لهم.
وهذا الأمر يظهر بوضوح لا يقبل اللبس من الرسالة الجوابية التي بعثها الإمام الحسين(ع) إليهم؛ ذلك لأن الإمام الحسين(ع) يستدل بخروجه إلى الكوفة بقبول الأكثرية من الأمة له، وبالأخص شيوخهم ورؤساءهم، فيقول: (فإن كتب (مسلم بن عقيل) إليّ أنه قد اجتمع ملأكم وذوي الحجى منكم عليّ مثل ما قدمت رسلكم.. أقدم إليكم).
وكل ذلك يعد دليلاً قاطعاً على أن الحاكم يجب أن يحظى برضى الناس، ورأيهم الإيجابي، للوصول إلى السلطة، لأنه لا مكان للسيف والوراثة في نظرية الحكم في الإسلام، وإن كانت البيعة والشورى التي عمل بها المسلمون في الأغلب صورية أكثر مما هي حقيقة بحسب ظروف وملابسات كل بيعة أو شورى.
ومن هذا المنطلق؛ يرى المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي، أن الانتخابات ركيزة مهمة في الحكم الإسلامي: سواء كان على مستوى رئاسة الدولة، أو على مستوى نواب الأمة، أو على مستوى حكام الأقاليم والنواحي، ويجب أن تكون هذه الانتخابات انتخابات حرة نزيهة غير مزيفة، كما يحصل في كثير من بلدان العالم، وإن وسيلة الاقتراع بين كل فترة وأخرى لانتخاب الحاكم العام والحكام المحليين -حسب رأي الأكثرية- هي الوسيلة الفضلى.
تؤكد مدرسة الإمام الشيرازي، أن الأمة لكي تتخلص من الدكتاتورية والاستبدادية، عليها أن تختار وتنتخب قياداتها -على الأقل- في أهم مستوياتها، وهي:
1. انتخابات السلطة العليا من الفقهاء الذين هم مراجع الأمة (حقيقة لا صورياً أو مجازيا) فيكون لهم مجلس الشورى.
2. انتخاب رئيس الدولة، مما يصطلح عليه في الزمن الحاضر بـ (رئيس الجمهورية).
3. انتخاب (مجلس الأمة) لنواب الأمة في انتخابات حرة.
4. وفي الواقع، أن الانتخابات عند الشيرازي لا تقتصر على اختيار قيادة السلطة، وحسب، بل، تتعداها إلى كل إدارة شؤون البلاد السياسية والاقتصادية والتعليمية والإدارية...وقد أكد هذا المعنى الإمام الشيرازي بقوله: (يجب أن يكون الحاكم. منتخبا بانتخابات حرة، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام "أن يختاروا" وهذا هو المتعارف عليه الآن في البلاد الديمقراطية، ولذا نرى لزوم إجراء الانتخابات في إدارة كل شيء حتى في معمل أو شركة صغيرة أو ما شابه ذلك، فانه يشمله قوله سبحانه "وأمرهم شورى بينهم"، لان الشورى إنما هي نتيجة الانتخابات، أو أن الانتخابات هي نتيجتها).
5. ومما يتفرد به الإمام الشيرازي دون غيره من علماء الإسلام أنه لم يقصر حق الانتخاب على الرجل دون المرأة كما ذهب بعضهم، أو على البالغ دون غير البالغ، أو على العاقل دون غير العاقل، كما هو متعارف عليه اليوم في جميع الدول الديمقراطية. بل أوجب أن تشترك المرأة في الانتخابات كما يشترك الرجل فيه، فحقها يتساوى مع حق الرجل تماما. وأن لغير البالغ ولغير العاقل أن يشتركا في الانتخابات؛ لان الانتخابات تمسهما وتؤثر على حقوقهما، ولأن غير البالغ أو غير العاقل يتعذر عليهما أن يباشرا الانتخابات بأنفسهما فان لأوليائهما -على سبيل المثال -أن ينتخبوا بالنيابة عنهما، لأنهم أعرف بمصالحهما. حيث يقول: (ثم إنه لا شك في أن كل بالغ عاقل له حق انتخاب الرئيس، لإطلاق الأدلة، كما أن الظاهر لدي أنه يحق لغير البالغ والعاقل أن يكون له صوت بواسطة وليه لشمول إطلاقه... وحيث يتصرف الفقيه في شورى الفقهاء، ويتصرف مجلس الأمة في شؤون الصبيان أيضاً، فلوليهم حق التصويت بالولاية عنهم. مثلاً إذا كان أب أو ولي للأيتام تحت نفوذه خمسة من غير البالغين، فلهذا الأب أو الولي ستة أصوات، واحد له وخمسة للمولى عليهم وهكذا).
اضف تعليق