تبعا للظروف الذي يمر بها العراق اليوم، والتحولات التي قد حصلت على مستوى الوعي والثقافة السياسية والانتخابية، والتغيير الذي حصل على بعض القوانين، والذي من اهمها قانون الانتخابات، تصبح الانتخابات أفضل الحلول لوضع العراق على المسار الصحيح، على ان يتوافر شرطان، هما المشاركة الواسعة ونزاهة التصويت...
ارتبط مصطلح الانتخابات النيابية بمصطلح الديمقراطية، إذ لا يمكن تصنيف دولة ما بأنها ذات نظام وحكم ديمقراطي، إلا اذا توافر عنصران؛ اولهما- مجيء السلطة الحاكمة عبر صناديق الاقتراع، وثانيهما- التداول السلمي للسلطة، هذا على افتراض بديهي نزاهة الانتخابات وإعطاء كل ذا حقا حقه. وأول من عرف وطبق النظام الديمقراطي بعد نشوء الدولة هي الدول الأوروبية، ومن ثم انتقل بعد ذلك إلى بقية دول العالم بطريقة تدريجية، حتى وصل متأخرا إلى العراق بعد سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003.
فمنذُ عام 2003 بدأ العمل على تغيير النظام من شمولي أحادي الحزب إلى ديمقراطي نيابي، وشكلت من اجل ذلك الجمعية الوطنية المؤقتة التي وقع على عاتقها كتابة الدستور وتهيئة الظروف لإجراء أول انتخابات برلمانية نيابية في العراق، وبالفعل اجريت الانتخابات في 15 ديسمبر 2005، وبعدها أصبح تداول السلطة سلميا كل اربعة سنوات حسب احكام الدستور العراقي الذي نص في المادة (6) على أن "يتم تداول السلطة سلميا عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور"، كما حددت المادتان (56 و72) مدة الحكم بأربعة سنوات تقويمية.
وعلى الرغم من اجراء اربعة عمليات انتخاب وفق ما نص عليه الدستور، لتثبيت وترسيخ حكم ديمقراطي نيابي، إلا ان الديمقراطية في العراق لم تكن ديمقراطية حقيقية بقدر ما كانت ديمقراطية "توافقية"، عبر اتفاق رؤساء الكتل والأحزاب المتنفذة على اقتسام السلطة وتوزيع المناصب بعيدا عن مخرجات العملية الانتخابية، هذا الوضع كان طبيعي بسبب عوامل عدة من أبرزها: الفوضى التي كان يعيشها المجتمع العراقي، وحداثة التجربة الديمقراطية، وضعف الثقافة الانتخابية. أما الآن ومع بدء العد التنازلي للانتخابات المبكرة التي تُعد واحدة من نتاج ثورة تشرين، يحتدم الخلاف بين مؤيد ومعارض، وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤل مفاده: إن لم تكن الانتخابات فما هو البديل لتصحيح المسار السياسي والاقتصادي في العراق؟.
ولإعطاء اجابة واقعية وعلمية لهذا التساؤل ينبغي علينا تتبع التجارب الانتخابية السابقة، والإفادة من نتائجها وانعكاسها على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق، فعلى مدار ثمانية عشر عاما اجريت اربعة تجارب انتخابية في العراق، الأولى كانت بإدارة أمريكية، وكانت نسبة المشاركة بها عالية تصل لنحو (79%)، اما التجربة الثانية فقد اجريت عام 2010، وبنسبة مشاركة بلغت نحو (62%)، والتجربة الثالثة اجريت عام 2014، وبلغت نسبة المشاركة نحو (60%)، اما التجربة الرابعة فقد اجريت عام 2018، وكانت نسبة المشاركة بها هي الادنى، إذ بلغت نحو (40%) حسب بيانات مفوضية الانتخابات التي تعلم جيدا ان النسبة اقل من ذلك بكثير.
كما يتضح ان نسبة المشاركة بانخفاض مستمر عن كل تجربة سابقة، والحقيقة هذا يعود إلى اسباب عدة، قد يأتي في مقدمتها بأن الوضع الاقتصادي قد تحول من سيء إلى اسوء، فالفقر وصل إلى نسبة كبيرة جدا بلغت نحو (40%)، كذلك الوضع الأمني لم يتحسن بعد كل تجربة انتخابية، فضلا عن المناكفات السياسية والوعود الديماغوجية التي يتبعها المرشحون للانتخابات، والفساد الذي استشرى في جميع المؤسسات.
وتبعا لذلك، قد افرز لنا هذا الوضع نتيجتين، أولهما عزوف المواطنين عن المشاركة بالانتخابات، اعتقادا منهم بأن هذا العزوف أفضل الحلول، وثانيهما سيطرة الاحزاب المتنفذة على السلطة بشكل شبه تام، لما تمتلك من نفوذ خارجي ووسائل ترغيب لجمهورها.
وتبعا للظروف الذي يمر بها العراق اليوم، والتحولات التي قد حصلت على مستوى الوعي والثقافة السياسية والانتخابية، والتغيير الذي حصل على بعض القوانين، والذي من اهمها قانون الانتخابات، تصبح الانتخابات أفضل الحلول لوضع العراق على المسار الصحيح، على ان يتوافر شرطان، هما: المشاركة الواسعة، خاصة للنخب المستقلة والنزيهة، ونزاهة التصويت، عبر مراقبتها دوليا.
ومن دون ذلك، فإن العزوف عن الانتخابات وعدم تقديم حلول بديلة، سوف ينتج لنا ثلاث سيناريوهات:
السيناريو الأول: تمكن الاحزاب والشخصيات المتنفذة من الفوز في الانتخابات، خاصة مع عدم وجود نص في الدستور يحدد نسبة المشاركة المعتمدة في الانتخابات، يعني ان أي مشاركة مهما كانت ضئيلة تعتبر الانتخابات صحيحة وتعتمد نتائجها.
السيناريو الثاني: البقاء في المنطقة الرمادية كما يسميها الباحث الأمريكي (تماس كاروثرز)، إي بقاء الوضع كما هو عليه، والوقوف في منتصف الطريق وعدم التمكن من اتمام التحول الديمقراطي بشكل صحيح والوصول بالعراق إلى مصافي الدول المتطورة.
السيناريو الثالث: الاتجاه نحو التصادم، والوصول إلى الفوضى.
اضف تعليق