الجواب يكمن في القدرة على تأمين المواطن العقلاني الواعي بفائدة الديمقراطية، وسيادة القانون ومصداقية الاقتراع، والاهم من كل ذلك ان تكون الأحزاب ديمقراطية من الداخل، اذ من غير الممكن نجاح ديمقراطية، على أيدي أحزاب دكتاتورية، تعتبر برامجها ورمزها مقدسة، لا مجال للنقاش حولها...
الديمقراطية الاوروبية هي التعبير السياسي عن المشروع الليبرالي الغربي للحداثة، والتي تحولت الى قدوة ورمز ضد الادعاءات المتفوقة للديمقراطية الاشتراكية في العالم الشيوعي في حقبة الصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب.
وبعد انهيار الكتلة الشيوعية في أواخر الثمانينيات، انتقلت مبادئ الديمقراطية الليبرالية الغربية وما يرتبط بها من اقتصاد السوق الحر الى بلدان الكتلة الشرقية السابقة، التي عرفت الحزب الواحد طيلة عقود.
لقد حاكت الدول الشيوعية السابقة، الغرب الرأسمالي، في كثرة الأحزاب، وتنوّعِ مشاربها وايديولوجياتها، وهي سمة بارزة للديمقراطية الغربية. وفي الانتخابات الأوروبية، ينجذب الناخبون للأحزاب التي يكون ولاؤها الحزبي والسياسي مفتوحًا للتفاوض. وبعد كل انتخابات، ينطلق "بازار الأحزاب" في البرلمان الأوروبي، للفوز بأعضاء البرلمان.
لا يمكن القول ان الديمقراطية الغربية مثالية، فهي نفسها تعترف بان من المستحيل ترجمة كل الآمال الى واقع، وتمثيل كل الاتجاهات، وقد أدى ذلك الى رغبة البعض في اختصار الأحزاب الى حزبين مثلما في الولايات المتحدة، طالما أصبح من الصعب تمثيل كل الآراء حتى في الحالة التي تزدحم فيها اعداد الأحزاب. على العكس من دول العالم الثالث، فان الأحزاب الغربية هي أحزاب ديمقراطية حقيقية، لانها تعقد المؤتمرات التي تجدّد فيه أعضاءها، ورئيسها، وطرق عملها وأهدافها، لترتدي حلة جديدة، كل سنة، تقريبا.
وحتى في الدول المتكونة من مجموعات عرقية مختلفة، مثل الولايات المتحدة، فانها نجحت في إرساء تجربة ناجحة لديمقراطية نظام الحزبين، الامر الذي تنتفي عنده اعذار الذين يقولون بصعوبة تطبيق ذلك في دول عربية، مثل العراق.
واليوم، بعد أنْ هزمت الديمقراطية الغربية، البدائل الأخرى، لها، فهل يمكن تبنّيها في انتاج عملية دمقرطة بناءة تستطيع كبح النزعات القومية والطائفية والمذهبية والاستبدادية.
الجواب يكمن في القدرة على تأمين المواطن العقلاني الواعي بفائدة الديمقراطية، وسيادة القانون ومصداقية الاقتراع، والاهم من كل ذلك ان تكون الأحزاب ديمقراطية من الداخل، اذ من غير الممكن نجاح ديمقراطية، على أيدي أحزاب دكتاتورية، تعتبر برامجها ورمزها مقدسة، لا مجال للنقاش حولها.
فضلا عن ذلك، فان الاقتراع العام لن يكون كافيا لممارسة ديمقراطية حيوية لأن العديد من الناخبين لا يمارسون هذا الحق ما لم يكن هناك تصويت إلزامي، كما هو الحال في بلجيكا.
الديمقراطية العراقية والعربية مثل لبنان، تسيطر عليها نزعة الأوليغارشية، والسلطة في أيدي القلة النخبوية، التي تحرص على ديمومة ديمقراطية شكلية، لأجل شرعنة وجودها السياسي في إدارة البلاد.
في دول الديمقراطيات الصورية، تتسع المظلة السياسية لكل الأحزاب بطريقة التخادم وتقاسم النفوذ، وليس على أساس الاستحقاق الانتخابي.
وبينما تتناسل أحزاب براغماتية بالمعنى العملي، في الديمقراطيات السليمة، فان الديمقراطيات العليلة تنجب كيانات براغماتية أيضا، لكن بمستوعب الانتهازية السياسية، تشرعن كل الطرق مهما كانت قذرة، من اجل تثبيت مصالحها.
اضف تعليق