مشكلة الكهرباء المستمرة منذ عقود، كغيرها من المشاكل، هي نتائج عرضية لهذا الخلل. وهذا الخلل يشمل جميع أطراف المركب الحضاري ذات العلاقة بالمشكلة. وهذه تشمل الدولة والحكومة والموظفين التنفيذيين والمواطنين وقوى التأثير المنظورة وغير المنظورة، وهذا يعني انه من المستحيل حل المشكلة بدون معالجة واصلاح كل...
ليس هناك أسهل من تفسير مشكلة ما بعامل واحد. لكن هذه الطريقة في فهم المشاكل التي تواجه المجتمع والدولة لا تنفع في حلها. فكل ظاهرة سياسية او اجتماعية او اقتصادية الخ هي نتاج شبكة من الاسباب والعوامل. وكل محاولة لحل المشكلة لا تتعامل مع كل هذه الاسباب والعوامل هي محاولة فاشلة لا تؤدي سوى الى اطالة عمر المشكلة.
اقول هذا الكلام بسبب تفاقم مشكلة انقطاع الطاقة الكهربائية هذه الايام. قراتُ الكثير من التعليقات والتفسيرات للمشكلة وكلها تتحدث عن عامل واحد، مرة "العمل التخريبي" ومرة "المؤامرة الاميركية"، وهكذا. والمضحك ان رئيس الوزراء شكل لجنة لتقصي الحقائق وكأننا بصدد لغز او حادث غامض او حدث طارىء يحتاج الى لجنة تقصي حقائق. ولست لدري كيف سيقود رئيس الوزراء الجهود الرسمية لحل مشكلة الكهرباء اذا كان لا يعرف حتى الان الاسباب التي ادت اليها، سوى شماعة "تقصير الحكومات السابقة" التي يعلق عليها فشله في حل مشكلات البلد.
اذا كان المعنيون لا يعلمون ان مشكلة الكهرباء وغيرها من مشكلات البلد كالبطالة هي نتائج عرضية للخلل الحاد في المركب الحضاري، فهذه مشكلة اخرى كبيرة. لان الفشل في تشخيص سبب المشكل يؤدي الى الخلل في تحديد العلاج.
اي عمل اجتماعي او سياسي او اقتصادي الخ هو نتاج اشتغال عناصر المركب الحضاري ضمن منظومة القيم العليا الحافة بها. والعناصر هي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. وبديهي ان الانسان هو المحور القائد للمركب الحضاري. وطبيعي ايضا ان قدرة الانسان الانتاجية هي انعكاس لما توفره العناصر الاخرى من قدرات كامنة بالقوة، ويقوم الانسان باستخراجها بالفعل. فاذا احسن الفاعل الاجتماعي التصرف، واذا كانت منظومة القيم العليا صالحة، كانت النتائج حسنة. والعكس بالعكس في كل ما تقدم.
وكذلك بالنسبة للمشكلات التي تحصل في المجتمع والدولة. كلها نتاج الخلل الحاد في اشتغال المركب الحضاري. وهذا ليس تفسيرا بعامل واحد، انما تفسير بعدة عوامل متجمعة في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به.
مشكلة الكهرباء المستمرة منذ عقود، كغيرها من المشاكل، هي نتائج عرضية لهذا الخلل. وهذا الخلل يشمل جميع اطراف المركب الحضاري ذات العلاقة بالمشكلة. وهذه تشمل الدولة والحكومة والموظفين التنفيذيين والمواطنين وقوى التأثير المنظورة وغير المنظورة.
وهذا يعني انه من المستحيل حل المشكلة بدون معالجة واصلاح كل نقاط الخلل في هذه الدوائر المختلفة. حل مشكلة الكهرباء يتطلب خطة عمل تتطلب تحرير الاجراءات الحكومية من الفساد والروتين والتعقيد، اضافة الى ضمان استقلال القرار السياسي للحكومة، ويتطلب تعاونا كبيرا بين اجهزة الدولة وبخاصة وزارات الكهرباء والمالية والنفط، ويتطلب موظفين تنفيذيين نزيهين مخلصين حريصين على اداء واجبهم على اتم وجه، ويتطلب مواطنين حريصين يحسنون استخدام الطاقة الكهربائية (الترشيد).
كما يتطلب ايقاف تسرب الطاقة الكهربائية عن طريق الاستخدام غير المشروع (التچطيل)، كما يتطلب دفع اجور الطاقة الكهربائية المستخدمة. وهذه قائمة طويلة من المتطلبات التي يمكن عكسها لمعرفة اسباب استمرار المشكلة حتى الان. وهذه كلها هي ما اسميه اختصارا وجمعا "الخلل الحاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة به"، وهو عنوان عريض وواسع يشمل كل الاطراف ذات العلاقة بالمشكلة.
وهذا ينطبق على كل المشكلات الاخرى. ولا يمكن قياس الحالة العراقية على غيرها من الدول الاخرى التي لا تعاني من هذا الكم الكبير والمترابط من الخلل الحاد في المركب الحضاري. لا اريد ان احبط مشاعر الناس، لكني لا اريد ان اخدعهم بتبسيط سببها. المشكلة معقدة وحلها معقد، ولا سبيل الى ذلك غير ما ذكرت.
اضف تعليق