حقيقة التحدي الكبير الذي واجهناه سابقا، في العقود البعيدة والسنين القريبة وما زلنا نواجهه حتى اليوم، بل اننا اصبحنا في لحظة معينة قاب قوسين او ادنى من التمزق والضياع التام بعد ان اصبحت بلداننا مستباحة من قبل الكبار الدوليين والصغار الاقليميين معا، وباتت ثرواتنا اشبه بالفرائس تتناهبها أنياب الاغراب...
في 14 شباط من العام 1958 اعلن عن قيام (الاتحاد الهاشمي)، الذي ضم كلا من (المملكة العراقية) و(المملكة الاردنية الهاشمية) وتشكلت اول حكومة للاتحاد برئاسة نوري السعيد.. قبل هذا التاريخ بقليل او في 1 شباط من العام نفسه كان قد اعلن عن وحدة اندماجية بين مصر وسوريا، وقد جاء الاعلان عن (الوحدتين) في مناخ دولي واقليمي يسوده التجاذب العقائدي بين المعسكرين الكبيرين، الاشتراكي بزعامة السوفييت والرأسمالي بزعامة الأميركان، وكلتا (الوحدتين) لم تكونا محل ترحيب من قبلهما، فأميركا التي اخذت تطمح في تزّعم العالم، تريد من العراق ان يكون في فلكها بعد أن أخذ نجم بريطانيا يأفل على خلفية الحرب العالمية الثانية.
بينما ينافس السوفييت الاميركان، وسيكون لمصر(الجمهورية) وثقلها العربي والاقليمي الكبير، حضور مؤثر اذ اصبحت تدور في الفلك السوفيتي، لكن عبدالناصر آثر سياسة عدم الانحياز، بل اسهم في تأسيس منظمة عدم الانحياز في العام 1955 ليجد نفسه من دون حليف شرقي حقيقي وبمواجهة مفتوحة مع الغرب.
تسببت بكوارث لمصر انهت دور عبدالناصر نفسه.. الدرس الذي امامنا الان بعد مرور اكثر من ستين عاما على (الوحدتين) وانهيارهما الدراماتيكي بعد مدة قصيرة على قيامهما، يجب ان نقرأه بعين مختلفة عن العين المضطربة والمشوشة التي كنا نرى فيها الاشياء في تلك الحقبة الملتهبة من تاريخ العالم.
فالحقائق اثبتت لكل ذي بصيرة ان المصالح وليست العقائد هي من تتحكم بالسياسة، وان تمرير المصالح يفرض علينا قراءة التوازنات الدولية وكيفية التعامل معها لكي نحقق اكبر المكاسب لشعوبنا جميعا.
فتحت ضغط ثقافة تلك المرحلة اطاحت ثورة 14 تموز 1958 وبطريقة راديكالية، ليس بالحكومة لتشكيل اخرى تحقق تطلعات الناس وانما بالنظام كله، واطاحت معه بالاتحاد المتحقق بين العراق والاردن والذي ينظر اليه الان على انه مكسب ستراتيجي كبير خسرناه، بعد الاطاحة برأس الدولة المتمثل بالملك، والذي لم يكن مسؤولا عن الفشل الذي رآه الثوار مبررا للثورة.. الشيء الآخر الأكثر إيلاما، ان العلاقة بين الدول العربية الاربع (العراق ومصر وسوريا والأردن) ظلت خاضعة لرؤى عقائدية متعارضة ومتعادية فدفعت الشعوب ثمن ذلك.
اليوم تقف الدول العربية، العراق ومصر والاردن، وسوريا ايضا، امام حقائق جليّة، افرزتها احداث العقود الستة الماضية وخلاصتها؛ ان الوحدة ليست بالضرورة اندماجية او فيدرالية او كونفدرالية، لان هذه تبقى شكليات قد لا تعكس جوهر الفكرة المطلوبة، ان خلصت النيّات، وانما بالعمل الجاد على جعل الجهد الجمعي للشعوب تكامليا، وبما يوفر للجميع فرص تحقيق المشاريع النافعة، سياسيا واقتصاديا وامنيا.
مستحضرين هنا، حقيقة التحدي الكبير الذي واجهناه سابقا، في العقود البعيدة والسنين القريبة وما زلنا نواجهه حتى اليوم، بل اننا اصبحنا في لحظة معينة قاب قوسين او ادنى من التمزق والضياع التام بعد ان اصبحت بلداننا مستباحة من قبل الكبار الدوليين والصغار الاقليميين معا، وباتت ثرواتنا اشبه بالفرائس تتناهبها أنياب الاغراب، وشعوبنا مشردة تتوزع المنافي.
وحينها ادرك الجميع معنى ان تتوحد الارادات السياسية لتنعم الشعوب بالأمن والسلام والازدهار.. دروس الماضي، هي من تجعل اللقاء العراقي المصري الاردني اليوم، يكتسب اهمية استثنائية، لان في عمق هذا اللقاء تكمن قيم جوهرية ادركنا ثمنها.. ولو بعد عقود كثيرة واوجاع وآلام كثيرة ايضا!
اضف تعليق