كان ذهاب نصف الناخبين المسجلين في إيران الى صناديق الاقتراع، رغم ظروف الاحباط وضعف التنافس وتحديات المناخ والازمة المعيشية الخانقة، ظاهرة تستحق الفحص والدراسة، اذ ان إيران ماتزال قادرة على ادهاش المراقبين بعمق وسرعة التحولات الاجتماعية والسياسية تبعا للظروف التي تعيشها من جراء سياسات النظام الداخلية والخارجية...
كان ذهاب نصف الناخبين المسجلين في ايران الى صناديق الاقتراع، رغم ظروف الاحباط وضعف التنافس وتحديات المناخ والازمة المعيشية الخانقة، ظاهرة تستحق الفحص والدراسة، اذ ان ايران ماتزال قادرة على ادهاش المراقبين بعمق وسرعة التحولات الاجتماعية والسياسية تبعا للظروف التي تعيشها من جراء سياسات النظام الداخلية والخارجية، واصداء تلك السياسات وانعكاساتها على اقتصاد ايران ووعي ومشاعر مواطنيها، ونخبها السياسية وتياراتها المتعددة، كانت الانتخابات تحديا للنظام وللامة الايرانية، ولم تخرج نتائج الانتخابات عن التوقعات التي سبقتها، فقد تهندست الانتخابات ليفوز مرشح التيار الاصولي ابراهيم رئيسي كما كان متوقعا، وليعود هذا التيار ماسكا بالسلطة التنفيذية التي ذهبت للاصلاحيين لمدة ثمان سنوات عندما خلف روحاني الرئيس الشعبوي احمدي نجاد، والذي دعمه الاصوليون يومها بقوة وكادت استماتتهم في دعمه سببا في حدوث الشرخ الكبير الذي تلا تظاهرات الاعتراض على نتائج انتخابات عام 2009.
بددت حكومة روحاني السنوات الثمان تكافح مشكلات الحصار وسوء العلاقات الخارجية وتحديات الجفاف والوباء وشح الاموال، ولم تثبت للايرانيين ان التيار الاصلاحي المعتدل يستطيع احداث تغييرات في مسارات التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية في ايران، لم تخرج حكومة روحاني من ازمة الا لتجد نفسها في مواجهة ازمات اعقد، مما سهل للاصوليين نقد الاتجاهات المعتدلة والاصلاحية بشدة وتحميل فكرها ومتبنياتها وسلوكاتها، مسؤولية الاخفاق، ولان الناس تدرك ان حكومة روحاني لم تكن مطلقة الصلاحيات ولا مفتوحة اليد لترميم الصورة الداخلية والخارجية للنظام، لذا كان متوقعا ان تكون ردة فعل الجمهور معاقبة النظام بأسره وليس الحكومات وسياساتها، من هنا كانت المراهنة على ان انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات ستكون دليلا على اهتزاز شرعية النظام وتقلص الخيارات امامه، بقي العالم يراقب هذا السيناريو ليمنح نفسه صواب الرؤية والتحليل، وليخرج بنتيجة مؤداها، ان التشدد السياسي تتبعه كوارث عديدة وان الحلول ممكنة بالاعتدال والانفتاح والاصلاح وصولا الى التغيير التدريجي، وهكذا كان متوقعا ان تسير الامور في ايران في اتجاه معاكس لرغبات الاصوليين والمتشددين ومرشحيهم ورموزهم، وكانت صناديق الاقتراع هي الفيصل.
جاءت النتائج لتؤكد تغلب رؤية التيار الاصولي ومرشحه، وعجز القوى الاصلاحية والمعتدلة عن حشد قواها وتحفيز الجمهور للتصويت لمرشحها كما حصل في عام 1997 مع محمد خاتمي و2013 مع حسن روحاني، لماذا حصل ذلك؟ ببساطة لان الناخب الايراني توجه الى صناديق الاقتراع وفي ذهنه الاقتصاد فحسب، ولان حكومة المعتدلين اخفقت في هذا الميدان ولم تحقق محاولات وزير خارجيتها الموهوب محمد جواد ظريف اختراقا كبيرا في عالم السياسة الخارجية لتيسير الظروف لصالح الاقتصاد المحاصر، الاصوليون يعدون بتخفيف الصعوبات الاقتصادية ووجدوا ناخبا تواقا لذلك، هنا حضر (الانسان الاقتصادي) كما يسميه علم نفس سلوك الانتخاب وليس (الانسان النفساني) لعلم الناخبين ان الاصوليين والاصلاحيين ليسوا من يصنع السياسات الخارجية ويحدد الثوابت والمتغيرات، فتلك بيد مؤسسات متداخلة (المرشد، بيت المرشد، مجمع تشخيص مصلحة النظام، مجلس الامن القومي).
الاقتصاد هو مجال المناورة بيد السلطات التنفيذية، وذاكرة الايرانيين تحدثهم ان الرئيس الاصولي الشعبوي نجاد كان سخيا في سياساته الاقتصادية وعليه كانت مدعيات الاصوليين في تحسين المعاش اليومي للناس ومكافحة الفساد، اقرب الى التصديق والقبول من شعارات الاصلاحيين التي لم تحقق شيئا، الدرس الكبير الذي خرج به الدارسون للشأن الايراني ان قضايا النفوذ الخارجي والملف النووي والامن والعلاقات مع دول المنطقة مهمة بقدر صلتها بالمعاش اليومي للايرانيين، وان الكتلة الصلدة للنظام الجمهوري المؤطر بولاية الفقيه، مازالت متماسكة وفاعلة، وستحصل متغيرات جزئية وبطيئة اجتماعيا وسياسيا لا تسبب ارباكا في بنية النظام والدولة، الا اذا فشل طاقم رئيسي في تحسين الاقتصاد، يومذاك سيكون الخروج الى الشارع جرس الانذار الأخطر.
اضف تعليق