بالون القطاع العام اخذ ينتفخ أكثر من طاقته الاستيعابية وأصبح من الضروري البحث عن متنفس وحاضن لمخرجات القطاعات المختلفة وضمان حقوقها، ومجلس النواب باعتباره أحد الجهات المسؤولة استشعر هذه الضرورة القصوى وراح يناقش قانون جديد للتقاعد والضمان الاجتماعي يضمن تحسين أوضاع العاملين في جميع المشاريع التجارية...
بالون القطاع العام اخذ ينتفخ أكثر من طاقته الاستيعابية وأصبح من الضروري البحث عن متنفس وحاضن لمخرجات القطاعات المختلفة وضمان حقوقها، ومجلس النواب باعتباره أحد الجهات المسؤولة استشعر هذه الضرورة القصوى وراح يناقش قانون جديد للتقاعد والضمان الاجتماعي يضمن تحسين أوضاع العاملين في جميع المشاريع التجارية والصناعية والترفيهية الخاصة.
ميزة التقاعد في القطاع العام جعلت من الشباب تتقاتل مع أصحاب القرار للحصول على مقعد في الوظائف الحكومية، التي توفر لهم ضمانات مالية في نهاية خدمتهم المنتهية بعمر 63 عاما في السابق وعُدلت الى 60 عام في عهد الحكومة الجديدة.
دعونا نتحدث بأكثر صراحة ونترك اللف والدوران حول مسألة معروفة ومشخصة من قبل الجميع، لماذا هذا الاستقتال على القطاع العام؟، والجواب ببساطة ان الذهاب الى القطاع العام يوفر للموظف الراحة النفسية والجسدية، فأغلب الاعمال التي يؤديها الموظف لا تتعدى نصف الوقت او ربعه المخصص للدوام الرسمي، ويقضي باقي الوقت متجولا بين غرف البناية المتعددة، قاضيا معظم أيامه على هذه الشاكلة.
بينما القطاع الخاص يقضي فيه الفرد العامل اغلب وقته خلف المكتب او الآلة المسؤول عن تشغيلها، وبذلك يكون قد اُستنزفت قواه، وأعطى ما يمتلكه من قوة لصالح العمل الذي يتقاضى لأجله مرتب بقدر محدود لا يساوي الجهد المبذول، لا يسد في اغلب الأحيان ما تتطلبه الحياة اليومية من ضروريات بعيدا عن الحاجات الكمالية او الترفيهية.
وبسبب هذا الحال انا متأكد تماما بان شريحة واسعة واكاد اجزم ان الجميع يفضلون القطاع العام، الا إذا تعذر عليهم الحصول على درجة وظيفية، لكن هذه الطبقة الكادحة والمهمة بنفس الوقت لدى المجتمع، تحتاج الى من ينصفها ويجعلها تعمل بأمان دون الشعور بالخوف من التسريح بأي وقت وحسب مزاج رب العمل.
سن قانون الضمان الاجتماعي للقطاع الخاص، يضع حملا ثقيلا من احمال الحكومة الحالية جانبا، ويخلصها من الاحراج الناجم من تضخم القطاع العام، فبهذه الخطوة تكون قد قطعت اشواطا بتجاه خدمة شريحة واسعة من المواطنين الذين يقفون طوابير على اعتاب الوزارات طلبا للانضمام في احدى تشكيلاتها.
وينص القانون الجديد على شمول شرائح واسعة من العاملين في المهن وجميع النشاطات الاقتصادية الخاصة بالضمان الاجتماعي، مثل سائقي سيارات الأجرة والنقل الخاص وأصحاب المحال التجارية والورش الصناعية وغيرها من النشاطات التي تشملها الحياة اليومية، لتكون أول خطوة على طريق وقف الزحف الشعبي نحو القطاع العام للحصول على وظائف.
بعد تغير نظام الحكم عام 2003 وقعت الحكومات العراقية المتناوبة على الحكم، بأخطاء كبيرة، اكثرها تأثيرا على القطاع الاقتصادي هو فتحها باب التعيينات الحكومية دون تخطيط لما سيحدث في السنوات القادمة، وعدم اخضاع تشغيل العالمين في دوائر الدولة الى معيار الحاجة الفعلية من الموظفين دون الوقوع في شبك البطالة المقنعة.
فقد استمرت الأحزاب السياسية باستخدام هذه الورقة في حملاتها الانتخابية ما أدى الى ارتفاع اعداد الموظفين الى أكثر من أربعة ملايين يتقاضون رواتب دون المساهمة الفعلية في تحسين الناتج القومي وتنشيط الحركة الاقتصادية، بل أصبحوا عبئا إضافيا الى جانب الأعباء الحكومية المتزايدة يوما بعد آخر، مع فقدان الخطط الكفيلة بعلاج الخلل.
القانون الذي لا يزال في أروقة البرلمان العراقي، يعتبر من الاهداف النبيلة التي تسعى حكومة الكاظمي الى تحقيقها، فمن الممكن ان يحول وجهة الشباب نحو القطاع الخاص، بعدما صارت وظيفة البحث عن تعيين حكومي من الوظائف الأساسية التي يؤديها الشباب يوميا، ويصل الامر الى دفع أموالا طائلة يصعب تسديدها في الأمد القريب مع العلم مسبقا بقيمة الراتب الشهري الذي لا يفي بجميع الأحوال متطلبات الفرد واسرته.
المبالغ التي حددها القانون الجديد والتي لا تقل عن 350 ألف دينار عراقي ستعمل بشكل او بآخر على تحريك الاقتصاد المحلي، من خلال زج اعداد كبيرة من العاطلين في المشروعات الخاصة، والشركات المحدودة، ومن تتولد لهؤلاء العالمين احتياجات يومية يقدمون على شراءها وبالنتيجة حصلت عملية تداول للأموال وانتعش السوق المحلي.
قرابة المئتين ألف شخص يتخرج من الجامعات والمعاهد العراقية، يدخلون سوق العمل بمختلف الاختصاصات سنويا بحسب التقديرات الرسمية، وليس من المنطقي ولم يحصل بأي بلد سواء كان مزدهرا اقتصاديا ام متخلفا، بأن يوفر اعمال لهذه الاعداد المهولة في القطاع العام، لكن ثمة بارقة امل تلوح في الأفق بأن يعمل قانون الضمان الاجتماعي على امتصاص البطالة والفقر، كما انه سيرفع معدل النمو السنوي من 6 إلى 12 في المئة، وهذا يعني حصول تغيير في وصف المجتمع العراقي من مستهلك بصورة كاملة الى منتج بنسب متفاوتة، وهذا ما يمكن ان يتحقق في الفترة القادمة في حال اُقر القانون.
اضف تعليق