أتفق مع فكرة الإصلاح الداخلي قبل المساندة الخارجية لأن الاحتجاج بدون سند سياسي قوي واقتصادي واجتماعي واعسكري لا يؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة، لكن بشرط أن نعرج فعليًا ضد السلطات المستبدة، ونرفض حججها السابقة التي تتهم كل التظاهرات المطالبة بالإصلاح الداخلي بأنها مدفوعة من الخارج...
من الصعب أن تخرج في تظاهرة لمساندة الشعب الفلسطيني دون أن تصيبك سهام النقد الحادة، كيف تساند فلسطين وأنت لم تتحرر من قيود الأحزاب السياسية الفاسدة التي تحكمك منذ عدة عقود؟ أليس الأفضل لك تحسين وضعك وترك فلسطين لأهلها لكي يقوموا هم بتحريريرها؟ لماذا تكون تابعًا لجهات سياسية تتاجر بالقضية الفلسطينية ولا يهمها الشعب هناك بقدر ما تهمها المكاسب التي سوف تجنيها خلال الحرب.
لكن في المقابل، تثار التساؤلات المضادة، هل أن التظاهرة المساندة للشعب الفلسطيني سوف تؤخر عملية الإصلاح وإعادة الإعمار في البلدان العربية، أليس الدفاع عن الشعب الفلسطيني هو في حقيقته مقاومة لكل الأنظمة السياسية الفاسدة التي تسببت بمعاناة جميع الشعوب العربية ومن ضمنها الشعب الفلسطيني؟ ألا يعد هذا من ضمن حرية الرأي والتعبير وبما أنه لا يؤذي أحدًا فلماذا نعترض على تظاهرة سلمية لمساندة قضية إنسانية؟
تبدو جميع الإسئلة منطقية ومفيدة في ذات الوقت لكونها تنشط الحوار وتكسر حالة الجمود التي أصابت الوضع العام في العراق والبلدان العربية الأخرى، فكل شيء يراوح مكانه، بينما تأتي التظاهرات بمختلف توجهاتها لتنشط حالة الحوار النقدي.
لنعود إلى السؤال الأول، كيف يمكن لمواطن متعب لا يملك قوت يومه أن ينصر الشعب الفلسطيني؟ ولماذا لا يثور على واقعه قبل ثورته ضد واقع المواطن الفلسطيني؟
أرى هذا الكلام منطقيًا فما الفائدة من تظاهرات مساندة لا تتبعها قوة سياسية واجتماعية وعسكرية واقتصادية تترجم الغضب الشعبي إلى واقع يجبر العدو على التراجع عن اساليبه العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، إلا أن الواقع العراقي والعربي لا تتوافر فيه شروط القوة التي ذكرناها، لا السياسية ولا الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية.
لم نتبع التوجيهات القرآنية بشأن الاستعداد للعدو حتى لا نتعرض للهزيمة، فأصابنا الضعف وتعرضنا للخيبات والنكسات، في كل حرب نخوضها ضد أي عدو، سواء كان اسرائيليًا أو طاغية من الطغاة الذين يتخذون بلداننا بنظام التوريث الاستبداد المطلق.
ما فائدة التظاهرة التضامنية مع الشعب الفلسطيني بدون وجود الديمومة التي تصنعها أكثر من قوة داخل البلد الواحد بما يكون خليطًا من القوة الموجهة لحماية المكاسب الشعبية والوطنية.
لكن هذه المشكلات كلها التي نعترف بها صراحة، نرفضها رفضًا قاطعًا عندما تستخدما الجهات المتعاطفة مع الاعتداءات الإسرائيلية، كجزء من الحرب النفسية لكسر حالة الغضب الشعبي تجاه القضايا العربية، لأن من يستخدم حجة "الضعف الداخلي وغياب الخدمات" سيعيد نفس الحجة عندما نتظاهر ضد الحكام المستبدين في بلداننا العربية، بل ونعتقد بأن المستبدين في بلداننا هم من يدفعون بهذا النوع من الحرب النفسية ضد التوجه الرفضي عند الشعوب العربية.
والسبب في كل أساليب الحرب النفسية ضد الرفض الشعبي للظلم في فلسطين أن الحكام العرب لا يريدون من المواطن العربي أن يتعلم أساليب الاحتجاج، ولا يريدون منه أن يكسب أي قضية في احتجاجاته.
إنهم يرفضون تحقيق أي نتيجة إيجابية للتظاهرات الاحتجاجية حتى لا تشجع الشعوب على إزالة الحكام المستبدين.
والشواهد كثيرة على ما نقول، فلا توجد حركة احتجاجية عربية واحدة حققت أهدافها، كل الحركات تبدأ بآمال كبيرة وتنتهي بكارثة أكبر ويعود المواطن العربي يندب حظه، بل ويبكي من أجل عودة الوضع إلى طبيعته، ويطالب بحاكم مستبد من جديد.
يقومون بتشتيت الجهد الاحتجاجي، ويخلقون العداوات بين الجماهيرة المحتجة، فإن خرجت تظاهرة للمطالبة بالخدمات العامة وتحسين الأوضاع الداخلية اخترقوها واتهموها بتنفيذ مخططات اجنبية لتدمير البنية الاجتماعية والدينية للبلد، ولنا في تظاهرات العراق الأخيرة مثال حي على ما نقول.
وإن خرج المواطن للاحتجاج ضد الظلم في بلد عربي آخر اتهمته السلطة عبر أجهزة مخابراتها ووسائل إعلامها بأنه يركض وراء إصلاح حال غيره وينسى حالته المعيشية البائسة.
العربي ممنوع من الاحتجاج أيضًا من جهات خارجية مساندة للحكام المستبدين، إنها الدول الكبرى التي تستمتع بالفوضى المستمرة في بلاد العرب، فهي تحقق لهم النفوذ وتسمح لهم بنشر جنودهم.
في الختام أنا أتفق مع فكرة الإصلاح الداخلي قبل المساندة الخارجية لأن الاحتجاج بدون سند سياسي قوي واقتصادي واجتماعي واعسكري لا يؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة، لكن بشرط أن نعرج فعليًا ضد السلطات المستبدة، ونرفض حججها السابقة التي تتهم كل التظاهرات المطالبة بالإصلاح الداخلي بأنها مدفوعة من الخارج وتتلقى الأموال من المخابرات الأجنبية كما تعودنا مع كل حركة احتجاجية.
اضف تعليق