ثمة مفارقة عجيبة في عراق ما بعد 2003 تتمثل في اخضاع العملية السياسية الى منظومة الفوضى الامريكية غير الخلاقة والتي سرعان ما تلاقفتها أحزاب مختلفة المشارب والاهواء حتى صار من يؤسس حزبا او صحيفة نموذجا للرفاهية والتفاخر، والتعويض عن سنوات الجهاد والنضال، لكن سرعان ما انفجرت فقاعة ديمقراطية...
ثمة مفارقة عجيبة في عراق ما بعد 2003 تتمثل في اخضاع العملية السياسية الى منظومة الفوضى الامريكية غير الخلاقة والتي سرعان ما تلاقفتها أحزاب مختلفة المشارب والاهواء حتى صار من يؤسس حزبا او صحيفة نموذجا للرفاهية والتفاخر، والتعويض عن سنوات الجهاد والنضال، لكن سرعان ما انفجرت فقاعة ديمقراطية الفوضى بنظام مفاسد المحاصصة وتحولت الأحزاب من بناء دولة منتظرة الى بناء اجندات ولجان اقتصادية جعلت من الجهاز الحكومي المنتفخ بالبطالة المقنعة ومن ثم بالعسكرة الأكبر نموذجا لبائع النفط الذي يوزع ريعه على الموظفين من دون بقية الشعب الذين اضحوا مجرد شغالين عند طبقة الموظفين ولم نفهم طيلة 18 عاما مضت ما يمكن الاتفاق عليه لتحديد هوية الدولة واقتصادها، او تحديد هوية الشعب هل يمنح حقوقه ووجباته وفق القانون الدستوري ام بموجب التكليف الشرعي الذي ذهبت اليه مختلف أحزاب الإسلام السياسي.
ما حصل في إجازة الأحزاب للانتخابات المقبلة وهذه الكثرة التي تصل الى حوالي 300 حزبا، ناهيك عمن يطلقون على انفسهم المستقلين، وليس هناك من يعمل في السياسة مستقلا الا في النموذج العراقي، وكنها تم تفصيلها على "مودة" إرضاء متعددة الأطراف، الأول يمثلون كهول العملية السياسية الذين ما زالوا متشبثين بكرسي السلطة وامتيازاتها، والثاني من خرج من معطفهم على وفق نظرية اضعاف الأقوى وهكذا فرخت الأحزاب أحزابا جديدة منها تحت معطفها وأخرى بعناوين شتى، والنوع الثالث من عرف بالتشريبين إشارة الى ساحات التحرير، لكنهم لم يستمعوا جيدا الى خطاب المرجعية الدينية العليا بنظم امورهم، فتخبطوا في حابل ونابل الصفقات الانتخابية لعل وعسى يصيبون مقتلا في عدد ما من كراسي البرلمان العتيد المقبل.
وما بين هذا وذاك، لابد من ظهور وجوه سياسية معروفة بمواقفها، ماضية في برامج عملها لدعم بناء الدولة من داخل العملية السياسية ومن خارجها، شخصيا اعول كثيرا على هذا النوع الذي لابد وان يترفع صوته ويترسخ موقعه في البرلمان المقبل، وهي مهمة تحتاج الى فطنة ودراية من الناخب العراقي الذي سيقف امام صندوق الاقتراع باحثا عن شخوص في منطقته الانتخابية لا برامج عمل لدعم بناء دولة متهالكة تحتاج الى إعادة بناء هيكلي بعقد اجتماعي دستوري جديد، وهنا المفارقة ما بين هذا العدد الكبير لتشتيت الأصوات الانتخابية في لعبة معروفة لفوز الأعلى أصواتا، وبين الاختيار الدقيق للناخب الذي سيؤثر عليه حتى قدح الماء امام المراكز الانتخابية!
لذلك كان يفترض بمفوضية القضاة للانتخابات ان تعمل على محددات متشددة في إجازة الأحزاب ضمن ما ورد في بعض نصوص قانون الأحزاب، فالكثير من الأحزاب بمختلف اجنداتها المناطقية فيها من يمتلك فصيلا مسلحا بعنوانه المعروف، إضافة الى ذلك يتطلب التشدد في الكشف عن مصادر التمويل في الدعاية الانتخابية وموقف مرشحي هذه الأحزاب من الاحكام السابقة او الاستفادة من قانون العفو العام لمرتين، يجعلها امام استحقاقات أخرى، فضلا عن منهجية الخطاب الانتخابي الملزم تقديمه ضمن الاجازة للمشاركة في الانتخابات المقبلة، كم يتطابق بين وقائع جرت خلال الأعوام الماضية ومفاسدها وبين خطاب يجعل من بعض المرشحين في منطقة القداسة!
وما بين هذا وذاك ، كان لابد ان تنتبه مفوضية الانتخابات الى استخدام الخطاب الديني الطائفي في اجندات كثير من هذه الأحزاب وأيضا على اختلاف مناطقها غرب وجنوب العراق، وبعد كل هذا يأتي من يقول ان مفوضية الانتخابات تلتزم بنص القانون، فيما واقع الحال ان الكثير من المخالفات تتطلب من مراكز التفكير العراقية التي تنتقد مثل هذا العدد الكبير من الأحزاب اللجوء الى المحكمة الاتحادية، لإقامة الدعوى على مفوضية الانتخابات في إجازة قوى معروفة الاتجاهات، تمتلك السلاح، خطابها طائفيا، عرفت بصفقات الفساد... السؤال كيف تمت إجازة مشاركتها في الانتخابات المقبلة وهي التي جاءت ثمنا لدماء متظاهري ساحات التحرير العراقية ... ولله في خلقه شؤون!
اضف تعليق