q
لا يختلف حال العراقيين في الوقت الحالي عما عاشته الشعوب التي عاصرت فترة الانقلابات العسكرية، اذ ترزخ طبقات الشعب تحت هيمنة المتسلطين والمتشبثين بالسلطة من رجال الأحزاب الحاكمة منذ سنوات، ولا سبيل لإيجاد البديل سوى محاولات عاجزة من قبل أبناء الشعب الذين انتفضوا وحاصرهم الموت من جميع الجهات...

بعد كمية الفوضى والانفلات التي يمر بها العراق هل سنستمع لبيان رقم واحد بصوت رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي؟، وإذا كان من الصعب ان يخطو هذه الخطوة، من سيكون البديل ومتى؟

لمن لا يعرف البيان رقم واحد هو البيان الاول الذي يعلن فيه قادة الانقلاب انهم استولوا على السلطة، وهذا ما يميز الانقلاب عن الثورة، لان الثورة تكون في العلن، اما الانقلاب فيكون مفاجأة وفي السر تحت لواء جهات معينة.

في البيان رقم واحد يأتي شرح لأسباب الانقلاب من اجل استعطاف الناس والشعب وكسب ثقتهم حتى لا يتم شن انقلاب ثاني ضدهم، وغالبا يتم تحاشي ذكر كلمة انقلاب في الاعلان ويُزين على اساس انه ثورة او وثبة او انتفاضة او اي تعبير يعبر على ان هذه ارادة الشعب او جزء منه.

ما نود الإشارة اليه قبل الخوض بالتفاصيل هو عدم رغبتنا بسماع بيان من النوع الأول الذي ينبأ بحدوث انقلاب او تغيير نظام حكم برمته، كما في البيان الذي ذاعه انور السادات بعد انقلاب 52.

بل الذي نطمح الى تحقيقه هو بيان فعل وليس قول، فعل سلمي مغطى بغطاء الوطنية وحب التغيير الإيجابي، فغالبا ما تكون نتائج الانقلابات سلبية وتكبد البلد مزيدا من الخسائر في الأرواح، الى جانب خراب واضح في المؤسسات الحكومية، فبعد كل انقلاب يحتاج المدبرون الى وقت لترتيب الأوضاع وبناء قاعدة جماهيرية غير غاضبة لما حل ببلدهم.

وبين الفترتين (فترة بداية الانقلاب وما يعقبها من فترة مظلمة)، تعيش الجماهير بفراغ معرفي يتعلق بمصيرهم وما ينتظرهم من قرارات من قبل الانقلابين، وتبقى الرحى تدور لتطحن الأيام دون بروز ملامح الطريق الجديد الذي شقه من يقفون وراء التغيير الحاصل.

ولا يختلف حال العراقيين في الوقت الحالي عما عاشته الشعوب التي عاصرت فترة الانقلابات العسكرية، اذ ترزخ طبقات الشعب تحت هيمنة المتسلطين والمتشبثين بالسلطة من رجال الأحزاب الحاكمة منذ سنوات، ولا سبيل لإيجاد البديل سوى محاولات عاجزة من قبل أبناء الشعب الذين انتفضوا وحاصرهم الموت من جميع الجهات.

بعد مجيء كل حكومة عراقية سواء مؤقتة تخلف المستقيلة او غيرها دائمة تكون هنالك حملة إعلامية واسعة تهدف لتغيير قناعات الجمهور اليائس، فتعمد الى إقرار العديد من القرارات التي تصب بخدمة المواطن في حال تم تفعيلها، وتبقى الناس لفترة من الزمن تلهج بنوايا التغيير الشامل الذي تعتزمه التشكيلة الوزارية الجديدة.

ولكن سرعان ما تذوب هذه الإجراءات وتتبخر امام القوة الساخنة التي تمتلكها أحزاب السلطة، فكم من حيز كبير اخذه موضوع تسليم المنافذ الحكومية والاشراف عليها من قبل الحكومة المركزية، ومن يتابع هذه الإجراءات الحازمة سيجدها كسراب يتلاشى بمجرد الوصول اليه، وفي الحقيقة ذلك ما حدث مع الخطوة الحكومية التي وصفت بالصارمة والسليمة في حينها.

وغير ذلك يمكننا تشخيص أكثر من حالة او معالجة لموقف شرعت به الحكومة ولم تكمله، الأدلة على ذلك كثيرة ولا يسعنا المجال لشرحها تفصيليا، اذ نلتمس ممن يصلون الى سدة الحكم همهم هو تخليص يومهم او فترتهم بأي وجه كان، فلا نجد حرص حكومي على تنفيذ البرنامج المُعد من قبل رئيس الحكومة.

وتبقى تماطل وتستنزف الأيام دون جدوى ولا نية فعلية لأداء المهام القادمة من اجلها او التي قطعتها على نفسها، فلا يزال موضوع اجراء الانتخابات البرلمانية مسألة خاضعة الى التوافقات السياسية، والتجاذبات الحزبية بين شركاء السلطة الفاعلين.

فكيف تريد من الشعب ان يثق بالخطوات القادمة، وهو المخذول من قبل العناصر نفسها طيلة الفترات الماضية، فما يجعلهم مساهمين فاعلين بعملية التغيير المطلوب يعتمد بدرجة كبيرة على جدية الحكومة وما تتخذه من مبادرات تنعكس إيجابيا على القناعة الشعبية ومن ثم تتولد الاواصر مجددا ويغادر الفتور الذي أصاب العلاقة بينهما.

في العراق تراجع كل شيء ولم يبقى أي شيء على وضعه الطبيعي، فالتعليم انحدر بصورة غريبة وبوقت قياسي جدا، واما القطاع الصحي فهو أيضا يأن من هشاشته المخيفة، وتداعيه المرعب، والحديث يطول عندما نتذكر مأساة الأهالي في فصل الصيف ومعاناتهم من انقطاع التيار الكهربائي، ولا حيلة لإخفاء اعداد العاطلين عن العمل من الخريجين وغيرهم.

ولا يمكننا السكوت عن سنة الاستعراضات العسكرية التي تشهدها العاصمة بغداد بين فترة وأخرى من قبل جهات معروفة الميول والاتجاهات، وتحاول ان تفرض سيطرتها على مفاصل عدة من بينها الحياة المدنية وترويع المارة من المدنيين بالمظاهر الغريبة والتصرفات المريبة.

فكل ما يحدث في الشارع العراقي تتحمل مسؤوليته الحكومات العراقية السابقة والحالية، فلا يعقل ان تصطف عجلات تحمل الصفة الرسمية وتصدر بيانا يتهجم على اعلى الهرم الحكومي، ويتعدى الحدود المسموح بها بالانتقاد للسلطات العامة والأشخاص المسؤولين عن إدارة المؤسسات القائمة في البلد.

في السابق كان سماع البيان رقم واحد يعد واحد من الاخبار المشؤومة التي تطرق مسامع الجماهير، اما اليوم وبعد الوصول الى طريق مسدودة ونفاد سبل التعامل مع المشكلات المتعاقبة والتي القت بالضلال السلبية على المواطن بالدرجة الأساس، ربما تكون إذاعته من أكثر الأشياء لخلق السعادة في النفوس، فهل نتجمع قريبا امام احدى شاشات التلفاز لمتابعة بنود البيان ام نصحى من حلمنا هذا ويبقى الحال دون تغيير يذكر.

اضف تعليق