وتجد الدول التي تعتمد على صناعاتها بنسبة كبيرة في تكوين رأس مالها، ان الوصول الى لقاح فعال ضد الفيروس فرصة مثمرة للعودة الاقتصادية وان كانت متأخرة ولا تعوض حجم الخسائر التي تعرضت لها خلال الفترة الماضية، الا انها تؤمن وبشكل قاطع بمقولة القليل خير من الحرمان...
لا تتفاجأ عندما تعرف ان فيروس كورونا أسهم بتقليص حركة التجارة العالمية، وعمل بنفس الوقت على تحريك العجلة مجدداً بعد توصل مراكز الأبحاث والتجارب الى لقاحات ضد الفيروس، وحاجة تبادله بين الدول المصنعة والمحتاجة اليه.
واجهت البشرية ولا تزال تواجه عدوا موحدا ومشتركا، تمكن من عبور الحدود دون استئذان، كما تخطى المعاهدات الدولية، ولم يخضع للقوانين، نعم هكذا هي الامراض والاوبئة لا تلتزم بالإجراءات وتذهب الى حيث تريد وأين وقت ترغب، فأصبح البحث عن بدائل تكفل إنعاش التبادل التجاري من الضرورات الملحة في ظل الكساد الذي رافق ظهور الفيروس التاجي.
من الأشياء المعروفة هي ان العملية التجارية تمر بمراحل نمو وكساد، فعملية إغلاق الحدود وتقييد حركة السفر أسهمت بتدني حجم التبادل واخذ يبحث حقل التجارة عن إيجاد مخرج يتلاءم ومتطلبات المرحلة القصيرة التي عاشها العالم بسبب هذا التفشي والخشية الدائمة من آثاره، ولهذا اشتد الشعور بضرورة تعدد مصادر التبادل الحر والتعامل مع الجائحة بأفضل الأساليب وأكثرها قدرة على التخطي.
فقد ازدهرت باللحظة تجارة الأجهزة الطبية وتكونت خشية دولية من التأثير على تصدير الأجهزة الى الدول الأخرى الراغبة بالتخلص من الفيروس، وحينها ازداد حرص الدول على التغلب وتخطي مرحلة الخطر، سبق ذلك وضع قيود على تدفق بعض السلع الحيوية لما تشهده المرحلة، مثل الأقنعة والقفازات وغيرها من المستلزمات الطبية الضرورية، حيث فرضت حوالي مئة دولة وإقليم قيودًا على الصادرات للاحتفاظ بهذه الإمدادات لاستخدامها الخاص، وفقا لمركز التجارة الدولي.
رغم التحسن الكبير الذي شهدته تجارة المواد الطبية الا انها لا تزال تعاني من بعض القيود التي تعيق انسيابية الحركة ووصول المنتجات الى ابعد نقطة تحتاج لهذه المواد، وتعود أسباب القيود بفعل عدم التزام اغلب أعضاء منظمة التجارة العالمية بالقواعد المطلوبة والواجب اتباعها بشكل دقيق لاسيما في أوقات الازمات الصحية.
هذا الأسلوب اُتبع من قبل الدول المنتجة مع ظهور نتائج تؤكد اعتماد الفيروس من قبل شركات عالمية ونتيجة لذلك، توقفت التجارة أو تباطأت بشكل ملحوظ، لكن ثمة موضوعة أجبرت اللاعبين بالمجال التجاري والمكتشفة للقاحات على تغيير سياسة التعامل مع هذا الملف، وهي تصدير المكتشف الجديد وملأ محفظتها المالية التي قل منسوب الخزين فيها لسببين وهما ضعف التبادل وصرف الموجود بداخلها على عمليات التصنيع الباهظة بحسب تلك الدول.
وتفترض دراسة أكاديمية حديثة أنجزت بتكليف من غرفة التجارة الدولية أنه إذا ما تم تطعيم البلدان الغنية بالكامل بحلول منتصف هذا العام، في حين تعطلت الأمور في البلدان الفقيرة ذات الوصول المحدود للقاحات، فإن تكلفة ذلك على الاقتصاد العالمي ستتجاوز 9 تريليون دولار، أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا واليابان مُجتمعيْن، وسوف تتحمل الدول الغنية نصف هذه الخسائر، في المقابل ستكون الخسائر أقل بكثير إذا كانت البلدان النامية قادرة على تطعيم نصف سكانها على الأقل بحلول نهاية العام الجاري.
من الواجب استخدام المرونة في القواعد الحالية المتبعة من قبل منظمة التجارة العالمية التي تحكم التجارة في المنتجات الطبية أثناء حالة طوارئ الصحة العامة العالمية إلى أقصى حد ممكن.
الى جانب ما ذكر فهنالك بعض الخطوات التي تزيد من عمليات التبادل التجاري بسبب الجائحة منها تقليل او الغاء التعريفة الكمركية او تأجيلها لحين تعافي هذا القطاع الذي اصابته وعكة لم يتمكن لغاية الآن العودة كما في السابق.
الوضع الصحي المترهل يحتم على جميع الدول الاقدام على خطوة اقتناء اللقاح من الدول المنتجة، ومن الطبيعي زيادة الطلب على اللقاح من المفترض ان يقابله عرض بنفس الكمية ليخلق التوازن بين العاملين، وبالتالي يكون قد تحقق نوع من البعد التجاري وانعكاس إيجابي على بعض الدول التي تعودت على حركة تجارية ساخنة وتغطية منتجاتها اغلب الرقعة العالمية.
يوجد قول مأثور يُفيد بأنه "إذا ما غسلت اليد اليمنى اليسرى وغسلت اليد اليسرى اليمنى، تُصبح كلتا اليدين نظيفة"، المقولة تُشير الى تبادل الأدوار او تكملة احدهما الآخر بالنسبة للمجتمع الدولي، ليس من الصواب ان يطبق هذا القول بظل إغلاق الحدود والتقييد غير المسبوق، لكن سيكون سبيل التجارة العالمية هو العنصر القادر على بلورة ملامح مخرج ينجوا من خلاله المجتمع الدولي.
ظهر الفيروس في واحدة من الدول العظمى وانتشر في جميع الدول بما فيها الفقيرة التي لا تزال لديها عدم وضوح بالرؤية لمستقبلها القريب وماذا سيحدث لها، وبحكم ما تمتلكه الدول الكبرى من تقنيات واموال تمكنت من التحكم بمصير الشعوب وتحاول ان تجلب مزيدا من الأرباح وتعويض ما فاتها خلال الفترات الماضية.
اذن فتغطية اللقاح مساحة أوسع من الأشخاص يعتمد بصورة مباشرة على مكانة دولهم الاقتصادية وحجم دخلها القومي الذي سيكون بمثابة الضامن لتدفق اللقاح بشكل يسير دون وضع مزيد من القيود والشروط مقارنة بالدول ذات القوة الاقتصادية.
وتجد الدول التي تعتمد على صناعاتها بنسبة كبيرة في تكوين رأس مالها، ان الوصول الى لقاح فعال ضد الفيروس فرصة مثمرة للعودة الاقتصادية وان كانت متأخرة ولا تعوض حجم الخسائر التي تعرضت لها خلال الفترة الماضية، الا انها تؤمن وبشكل قاطع بمقولة القليل خير من الحرمان.
اضف تعليق