المؤشرات المتجمعة لدي حتى الان لا تبشر بان الاصلاح السياسي الشامل بات قريبا، الاصلاح الشامل لا يعني استبدال حزب بحزب، او طبقة حاكمة بأخرى، او شخص بشخص فقط؛ وانما يعني استبدال نهج بنهج، وخارطة طريق بأخرى. وبعبارة اوضح الاصلاح الشامل يعني استبدال سلطة المحاصصة، بالدولة الحضارية الحديثة...
المؤشرات المتجمعة لدي حتى الان لا تبشر بان الاصلاح السياسي الشامل بات قريبا. الاصلاح الشامل لا يعني استبدال حزب بحزب، او طبقة حاكمة بأخرى، او شخص بشخص فقط؛ وانما يعني استبدال نهج بنهج، وخارطة طريق بأخرى. وبعبارة اوضح الاصلاح الشامل يعني استبدال سلطة المحاصصة، بالدولة الحضارية الحديثة، دولة المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث. وبغير ذلك لا يعدو الامر "مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَالْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ".
وقد تتبعت الخطابات السياسية للولادات الحزبية الجديدة، وكذلك الاحزاب التقليدية، فوجدت ما يلي:
المؤشر الاول: غياب النموذج الاعلى. لا تنطوي خطابات الاحزاب القديمة ولا الولادات الجديدة على تصور انموذج متقدم للدولة العراقية. نعم هناك مصطلحات وتصورات جزئية لا تملك القدرة على ان تكوّن صورة كاملة متكاملة لما يمكن تسميته الدولة الحضارية الحديثة. واحسب ان هذا التشظي في الرؤية سببه المؤشر الثالث الذي سوف اذكره بعد قليل. اما الاحزاب القديمة بطبعاتها الجديدة فتتحدث عن خطط وبرامج جديدة لكنها مازالت تتبع نفس النهج القديم الذي لن يمكنها من تحقيق برامجها الجديدة إنْ صح زعمها وصدق قولها.
المعروف انه ينبغي لكل حزب ان يخوض الانتخابات وفق برنامج سياسي انتخابي. وقد تختلف الاحزاب في تفاصيل هذا البرنامج، لكن عليها ان تتفق، بسبب الحالة العراقية الخاصة مرحليا، على هدف ابعد او اعلى يمثل الغاية العليا التي نسعى للوصول اليها.
ويجب ان ينص البرنامج على هذا الهدف، ولنقل انه الدولة الحضارية الحديثة بحيث يحدد البرنامج ما ينبغي القيام به خلال ٤ سنوات للاقتراب اكثر من الهدف البعيد. النص على الهدف البعيد سيكون مؤشرا لتقييم البرنامج ومدى صلاحيته للبلد. هذا الامر مازال غائبا عن الذهنية السياسية السائدة.
المؤشر الثاني: خطاب الخصومة. تسود الخطاب السياسي للاحزاب المتنافسة وخاصة الولادات الجديدة لهجة الخصومة مع الاخر. فالاخر عند هذه الاحزاب "خصم" يجب محاربته والقضاء عليه وليس منافسا سياسيا سلميا. يتحدث هؤلاء عن الاخر بشكل يصعب معه تصور امكانية ان يجلسوا معا تحت قبة البرلمان، او ربما في حكومة ائتلافية واحدة، وهذه كلها محتملات ممكنة في العمل السياسي. وتترافق مع لهجة الخصومة المحلية خصومة خارجية. فبعض هذه الاحزاب ومنها الولادات الجديدة تناصب هذه الدولةَ او تلك العداءَ منذ الان. ولست ادري ماذا سوف يفعل احدهم لو اصبح رئيسا للوزراء او وزير للخارجية؟ هل سوف يقطع العلاقات الدبلوماسية معها؟ ام يعلن الحرب عليها؟! قد لا يعرف هؤلاء ان العلاقات الدولية تقوم على اساس المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل وليس على الخصومات مسبقة الصنع. ترامب بنى خطابه السياسي على اساس الخصومة، لكن الشعب الاميركي طرده من البيت الابيض عبر صناديق الاقتراع، والغى خلفه بايدن كل قراراته المبنية على الخصومة. من نافلة القول ان اذكّر هؤلاء ان الحياة السياسية السليمة تقوم على التنافس، او التعاون، وليس على الخصومة ابدا.
المؤشر الثالث: الكثرة المفرطة. وهذه هي علة العلل في العراق. صحيح ان التعددية الحزبية هي العمود الفقري للحياة الديمقراطية. لكن هذا المبدأ يُساء تطبيقه في العراق بشكل مخيف. الديمقراطية السليمة تقوم على عدد محدود من الاحزاب المتنافسة بما يسمح بوصول احدها الى الحكم دوريا، مع بقاء مساحة كافية لعدد قليل من الاحزاب (حزب واحد او حزبين) في صفوف المعارضة. ما يحدث عندنا لا يترك مساحة كافية لا للحكم ولا للمعارضة. العدد الكبير في عدد الاحزاب السياسية له من الاضرار أكثر من الفوائد ويكشف عن نقص هائل في القدرة على العمل الجماعي.
اضف تعليق